الخميس 18 أبريل 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أيمن عبد المجيد

يوسف نبيل: الوسط الثقافى المسئول الأول عن هزيمة الثورة




حوار- رانيا هلال

«فى مقام العشق» تجربة روائية جديدة ومختلفة تحاول إعادة التفكير فى كل المسلمات وإعادة صياغة الحاضر فى ضوء كل معرفة جديدة، حاول كاتباها «يوسف نبيل وزينب محمد» أن يسلكا الطرق الشائكة فى مجتمعاتنا، أن يتمردا على كل ما هو آت من زمن غير زماننا ولزام علينا أن نرثه كما هو حتى بلا أدنى تحديث، حاول المؤلفان -عن طريق العشق وحده- تحرير الإنسانية من موروثاتها العنصرية الظالمة المتباينة مسمياتها بين العادات والتقاليد والعيب والحرام ليخرجا بنا إلى نور الإنسانية المجردة البعيدة كل البعد عن التصنيفات المضادة للحب بكل أشكاله.

■ كيف تجسدت فكرة الرواية وما الغاية منها؟
- فكرة الرواية تجسدت عبر مدة زمنية ومناقشات كثيرة وورش عمل قمت بها مع الكاتبة زينب محمد عبر عدة أشهر. ما استدعى الفكرة فى صورتها الأولية كانت إحدى المناقشات عن الحجب الفكرية والروحية التى تمنعنا عن التعامل مع الحق والحقيقة. تطورت  الفكرة بعدها بعد أن عرضت فكرة العمل المشترك على زينب ووافقت فى حماس. أما عن الغاية من تأليف تلك الرواية فهى كانت الرغبة فى عرض حالة شديدة الصدق من البحث والصدمة من قدرة الحب على التغيير
■ لماذا نجد صوتين سرديين على طول العمل وما الهدف منه؟
- صورتان سرديتان هما بناء الرواية وفكرتها من البداية. الفكرة تمثلت فى التعبير عن صوتين مختلفين «ذكورى وأنثوى» فى تلك الحالة التى لا تكتمل إلا باتحادهما معًا. هى رواية أصوات كاملة من حيث اختلاف الصوتين ورؤيتهما المختلفة إزاء الأحداث. فكرة الرواية من البداية قائمة على ايضاح تلك الحالة التى تكتمل فى بداية ونهاية الرواية باتحاد الصوتين معًا.
■ ماذا أضافت تجربة الكتابة المشتركة الى العمل ولماذا كان الصوت الاخر أنثوياً؟
- الكتابة المشتركة لم تكن مجرد فكرة تضيف إلى ذلك العمل، بل إن هذا العمل تأسس من البداية على فكرة الكتابة المشتركة، وجود الصوت الأنثوى هو تكميل الرؤية، البطلان يمران بنفس الحالة من الحجب مع اختلاف تجلياتها، وما يمكنهما من اجتياز تلك الحالة هو فقط الحب. على مستوى التقنيات أضافت الكتابة المشتركة الكثير إلى الرواية. اهتمامى الأساسى فكرى، واهتمام زينب الأساسى لغوى، وأعتقد أن هذا ساهم فى تكامل الرواية بشكل كبير بين اللغة والأفكار. الكتابة المشتركة أيضًا كانت الشكل الأمثل للفكرة، فهى وحدها القادرة على تفكيك وتحطيم بؤرة السرد الأحادية ووجهة النظر الوحيدة وتلك السيطرة المزعومة. وجود أكثر من بؤرة للسرد يجعلها رواية تفكيكية، وهو ما يناسب أفكار الرواية التى تقوم على تحطيم الأحادية فى وجهات النظر والتجربة.
■ حاولت الرواية تفنيد كل المسلمات والعادات والتقاليد واعادة التفكير بها فما الهدف؟
- لا شىء يقيدنا الآن مثل الأطر. نحن نقتات على الحياة داخل أطر ضيقة. نشعر بالخوف... نلجأ إلى أمان المسلمات والعادات والتقاليد والموروثات، ونؤجل الصدمة قدر الإمكان.. صدمة اكتشاف الكذب والنفاق، لخلق تلك الحالة من الهروب لابد من الالهاء الدائم والمستمر والعيش داخل أطر محددة سلفا من العادات والتقاليد والموروثات تعطينا شعور بالأمان وجوابا لكل الأسئلة.
■ هل ترى ان المجتمع المصرى فى حاجة لثورة على المورورثات الدينية والاجتماعية والثقافية ولماذا؟
- بالتأكيد. أعتقد أنه مع مرور سنوات لا حصر لها من الاستبداد منذ تاريخ لا يمكن حسابه بسهولة، فإن أمراضا مستعصية تأصلت فى الشخصية المصرية وتوغلت فى كل مظاهره وأبرزها النفاق حتى فى الموسيقى التى تعبر عن روح أى أمة، فبسهولة تدركين استخدام كل النغمات الحزينة مع الايقاعات المبهجة فى الموسيقى الشعبية الآن مما يعبر عن حالة من الانفصام غير الواعى، فى وسط ذلك الانفصام والنفاق الذى هو فى نظرى أخطر مرض فى الشخصية المصرية فإن الحاجة إلى ثورة هى غاية لا محيد عنها، وعندما أتكلم عن ثورة هنا فإنى أتكلم عن حالة من التغيير الفكرى وليس مجرد غضب أو فورة.
■ لماذا سادت حالة من الاضطراب والتشتت على العمل وشخصياته؟
- إنها حالة الولادة الجديدة.. حالة مواجهة لا نستطيع تخطيها فى هدوء، بل لابد من رج كل الكيان الإنسانى رجة عنيفة، حالة من المكاشفة التى لا يمكن ان تكون سهلة وسط تلك الأجواء من النفاق والكذب والأطر الضيقة.
■ لماذا استنكرت وجود بعض التقاليد والموروثات الدينية ووصفتها بالاوهام؟
- فى أغلب الأوقات يكون اللجوء إلى الأيديولوجيات هو نتيجة الخوف، والخوف يحركنا دائمًا ليعبر عن الخواء المفزع الذى نعيشه، فنواجه الأسئلة ولا يقين أو قوة تحمينا فنلجأ إلى تلك الأيديولوجيات. إن حقيقة أى فكرة تكمن فى اختبارها بشكل عملى وقلبى وذهنى، أما استقبال موروثات منفصلة عنا دائمًا فلا يمكن تسصمية هذا سوى بالأوهام. وأضف إلى ذلك الأيديولوجيات الإلحادية أيضًا، ففى غالبية الأوقات لا نواجه فى مصر مؤمنين حقيقيين أو ملحدين حقيقيين... فقط أيدولوجيات جوفاء لا تعبر عن شخصية صاحبها، بل تعبر عن إطار ضيق يعيش فيه هروبًا من خوفه.
■ هل يرسخ العمل لفكرة احترام الوجود الانسانى بغض النظر عن العقائد الدينية؟
- بالتأكيد. العمل يرسخ بشكل أعمق من هذا لفكرة البحث والتجوال والمكاشفة والصدق دون الوصول أو التوقف عند محطة معينة. يرسخ العمل لفكرة تعظيم الطريق نفسه... يرسخ العمل فى النهاية لقيمة الحب الذى به فقط استطاع أبطال الرواية من تخطى الحجب.
■ ما سر سيطرة اللغة الصوفية على كل أعمالك؟
- وجدت فى التصوف مجالا خصبا لاهتمامى النفسى، فأنا أعتبر كتاباتى نفسية فى المقام الأول، كما أنه منهج غنى بشكل رائع يستطيع استيعاب شخصيتى، وما زلت أدرس فيه حتى الآن ولكن بصورة عملية وليست فقط مجرد دراسة نظرية. التصوف يعنى لى الطريق.. البحث.. المواجهة والكشف، والقدرة على استيعاب التغيرات مهما كانت مفاجئة.
■ كيف ترى الوسط الأدبى والثقافى فى ظل حالة الاضطراب والقلق الحالية؟
- أراه فى حالة مذرية، بل دعنى أوضح بشكل أدق: إنى أراه المسئول الأول عن هزيمة الثورة حتى الآن من وجهة نظرى. فى أوقات حالكة الظلام يقع عبء التنوير على طبقة معينة استطاعت تجاوز الظروف المادية والاجتماعية، وعندما تخون تلك الطبقة واجبها، فإن الخيانة لا يمكن وصفها إلا بالعظمى. فى النهاية يحرك غالبية هذا الوسط فكرة المصالح والمجاملات والنفاق والكذب، وسيطرة رأس المال قبل كل ذلك، أما عن آخر الرجال المحترمين فهم مازالوا يتوارون بعيدًا عن الأضواء غير قادرين على التحرك وسط تلك الهوجة.
■ ماذا عن أعمالك القادمة؟
- عملى القادم أعتبره انتهى تقريبًا من أيام وهو تجربة ثانية فى الكتابة المشتركة مع المبدعة زينب محمد أيضًا. أعتبر مقام العشق بروفة لروايتنا الجديدة التى تحوى أشكالا كثيرة من السرد وأفكارا أنضج وتجارب أكثر من مقام العشق. أعتقد أنها ستكون من أهم محطاتى فى الكتابة فقط استطعت تغيير أسلوبى بشكل كبير بعد أن كنت غير قادر على تغييره لمدة. إنها بداية مرحلة جديدة عبر رواية ضخمة تحوى جهدًا هائلاً على مستوى اللغة والأفكار، مكتوبة عبر رحلة زمنية طويلة فى عصور تاريخية مختلفة.. إنها رواية عن الإنسان فى كل تجلياته.
■ هل لاقى العمل نجاحا جماهيريا ونقديا بشكل يرضيك؟
- أعتقد أن النجاح النقدى فى مصر هو بشكل كبير عبارة عن آلة من الدعايا الضخمة يحركها رأس المال والمصالح. أشاد بالرواية بعض النقاد والكتاب مثل د. هيثم الحاج على، أ. بهيجة حسين، ولكنها بقت متوارية عن الصحف والمقالات والندوات. أما عن النجاح الجماهيرى فهى نجحت نجاحاً كبيرًا فى تحريك أفكار قرائها، ولكن تعدادهم بالطبع قليل جدًا. ليست هى الرواية التجارية، ولا يقف خلفها مؤسسة نشر كبيرة أو ما شابه.