الجمعة 29 مارس 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
احمد باشا

العنف ضد المرأة .. الجرح النازف فى جسد المجتمع




كتبت – أسماء قنديل
لأن فاقد الشيء لا يعطيه فإن المجتمع الذي تُعامل فيه المرأة بعنف يجعلها ناقصة الأهلية في مواقع كثيرة، مستلبة الإرادة والكرامة أحياناً محرومة من حريتها وحقوقها، لا يمكن أن ننتظر منه إلا وعياً مشوهاً وأجيالاً ضعيفة الهوية والانتماء والإيمان بهذا الوطن، ولأن مشكلة العنف ضد المرأة في حقيقتها عالمية وتمس مجتمعات عدة وليس المجتمع المصري فقط فيحتفل العالم في الخامس والعشرين من نوفمبر بـ “اليوم الدولي للقضاء على العنف ضد المرأة» لكن دون أن يتوقّف العنف ضدّها خصوصاً في دول العالم النامي! ويعود الاحتفال بهذا اليوم إلى عام 1981 حيث اعتاد النشطاء والمناصرون لحقوق المرأة إحياءه تكريماً للأخوات الثلاث (ميرابال)، واللواتي تم إعدامهن من قبل حاكم جمهورية الدومينيكان بسب نشاطهنّ السياسي ضدّه مطلع ستينيات القرن الماضي.
ثم كرّست الجمعية العامة للأمم المتحدة هذه المناسبة بقرار رسمي صادر في ديسمبر 1999.

من أيام مبارك لزمن مرسى

العنف السياسى.. عرض مستمر


 لم يشفع لنساء مصر أنهن تصدرن الصفوف الأولى فى المظاهرات الشعبية التى أطاحت برئاسة حسنى مبارك قبل نحو سنتين ونصف السنة ثم بحكم المعزول محمد مرسى واليوم، مازلن يتحدين المواقف الاجتماعية السائدة والتحاملات ضد جنسهن التى تسهِّل استمرار ارتكاب العنف ضد المرأة بجميع أشكاله، دونما عقاب، وفى الوقت نفسه، يواصلن كفاحهن ضد التهميش والإقصاء من العمليات السياسية التى تصوغ مستقبل البلاد.
تحرش.. اغتصاب.. ختان.. خطف.. عنف جسدى ولفظى وغيرها من ألوان القهر التى تتعرض لها المرأة فالأرقام تتكلم لتكشف واقعا مريرا تعيشه المرأة المصرية، حيث أشار تقرير صادر عن الأمم المتحدة فى أبريل الماضى عن ظاهرة التحرش فى مصر، إلى أن 99.3%، من السيدات والفتيات يتعرضن للتحرش، كما ذكرت منظمة “هيومن رايتس ووتش” أن 91 امرأة تعرضن إما للاغتصاب أو للاعتداء الجنسى فى العلن بميدان التحرير منذ قيام ثورة يناير، وحتى فى موجتها الثانية فى 30 يونيو الماضي، كما تؤكد بيانات مكتب شكاوى المجلس القومى للمرأة أن 64% من نساء مصر تعرضن للتحرش سواء اللفظى أو الفعلي، عام 2012، كما أعلن تقرير «تومسون رويترز» أن التحرش يأتى على رأس الأسباب التى جعلت مصر أسوأ مكان بالعالم العربي، يمكن أن تعيش فيه المرأة.

ومازالت عادة الختان متفشية على الرغم من الحملات المكافحة لها، وهو ما تؤكده بيانات صندوق الأمم المتحدة للطفولة أن 91% من الفتيات والسيدات تعرضن للختان أى بما يعادل نحو 27.2 مليون أنثى، ولا يتوقف الأمر عند حد الختان والاتجار بالفتيات، والتحرش بهن، فهناك تقرير آخر أصدره مركز “الأرض لحقوق الإنسان” عن ألوان العنف الواقعة على المرأة، من خلال رصد وتحليل مضمون حوادث العنف ضدهن والتى نشرت فى الصحف خلال ثلاثة أشهر فقط، حيث أعلن التقرير أن هناك أكثر من 261 حالة عنف ضد المرأة خلال الفترة موضع التقرير، وتأتى حوادث الخطف والاعتداءات الجنسية على النساء فى المقدمة حيث هناك (38) حالة، فيما بلغت حوادث القتل (23)حالة، وشكل العنف الأسرى الموجه للنساء(30) حالة.

وعلى الرغم من قيام الثورة المصرية للتحرر من كل ألوان القهر، والتى عقدت المرأة المصرية الآمال عليها، إلا أن آمالها تحطمت على صخرة أسوأ حكم شهدته مصر والذى لم يستمر إلا عاما واحدا، وهو حكم الرئيس الإخوانى المخلوع الدكتور محمد مرسي، والتى عانت فيه المرأة من حالات التحرش الجماعى الممنهج   والذى يعكس خطة لإرهاب الثائرات المصريات وتكميم أفواههن.

وبعد حكم الإخوان استمرت الانتهاكات ضدها، وهو ما ظهر فى استغلال جماعة الإخوان للنساء والقاصرات فى مظاهراتهن وتعريضهن للخطر والأعمال العنف المواكبة لكل مظاهرة أو مسيرة،

وتقول منى عزت، عضو بمؤسسة المرأة الجديدة والمشرفة على برنامج النساء والعمل، أن هناك أشكالا عديدة للعنف تتعرض له المرأة المصرية ، إلا أن العنف الأسرى من أكثر الأشكال الذى تتعرض له سواء من جانب الأب أو الزوج، ويعود ذلك إلى الثقافة الذكورية للمجتمع التى تعتبر النساء مواطنات من الدرجة الثانية ويجب إحكام السيطرة عليهن، ويغذى هذه الثقافة خطاب دينى متشدد لتبرير أشكال العنف التى يمارسونها ضد المرأة، ولكنها فى الواقع بعيدة تماما عن صحيح الدين الإسلامى.

 وتضيف عزت أن المناهج التعليمية كذلك  تكرس الصورة النمطية للنساء من خلال التركيز على أن المرأة مكانها الطبيعى هو المنزل وذلك حتى تكون بعيدة عن المشاركة فى الحياة السياسية، مشيرة إلى أن العنف المجتمعى الذى تعانى منه المرأة حاليا هو التحرش الجنسى الجماعى بالشارع، حيث تطالعنا وسائل الإعلام عن حالات لفتيات تعرضن لتلك الانتهاكات وخصوصا أثناء مشاركتهن فى فترة الثورات، وترى أنه تم استخدام أساليب القمع ضد السيدات والفتيات أثناء هذه الثورات وبعدها ليتم تشويه صورة المظاهرات السلمية داخل الميادين وترهيب الناس لإبعادهم عن المشاركة فى الحياة السياسية ولكن هذه الأساليب لم ترهبنا وازدادت جرعة مشاركة السيدات والفتيات بها.

بينما تؤكد د.داليا الشيمى، مديرة مركز “عين على بكرة” للمساندة النفسية والتنمية الأسرية،،أن العنف ضد المرأة أصبح  وباء عالميا بسبب  استمرار منهج اللامساواة بين الجنسين،  كما أن المناخ السياسى الذى أفرزته ثورة 25 يناير قد أدى إلى ظهور العديد من الظواهر السلبية فى المجتمع مثل عدم التمييز بين الحرية والفوضى، وازدياد جرعات العنف اللفظى والمجتمعى بوجه عام، لافتة إلى أنه من أخطر أنواع كثيرة من العنف التى تواجهها المرأة التحرش الجنسى الذى يعبر عن تهلهل المجتمع، فطوال الوقت يوجد شحن نفسى وجنسى للغرائز وخصوصا فى وسائل الإعلام.