الأربعاء 24 أبريل 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أيمن عبد المجيد

القلم.. ثم البندقية




وصلت الكاميرا الغربية إلي اليمن.. التقطت الصحافة صوراً للحياة اليومية في صنعاء.. وقد يكون هذا هو بداية الطريق الذي يفتح من أجل وصول البندقية.. حتي لو كانت الصور ناعمة ولطيفة.

مجلة (فورين بوليسي)، وهي شهيرة رغم قيمتها السياسية الضعيفة وعدم تأثيرها في القرار الأمريكي، نشرت قبل مدة قصيرة علي موقعها بالإنترنت مجموعة صور رائعة للحياة اليومية في صنعاء.. عمارة لطيفة.. وبشراً هادئين.. وأسواقاً ملونة.. بينها تكتشف حجم الفقر.. والتخلف الحضاري.

وبعد عدة أيام.. وصل قلم توماس فريدمان بعموده في النيويورك تايمز.. مبشرا بأنه يمكن إنقاذ اليمن.. وأن البلد العربي لم يصل إلي حال أفغانستان بعد.. وأنه فقط يحتاج إلي التنمية والتعليم.. وبين الأسطر قدر ليس بقليل من السم الزعاف.

هذا ما يعرف في السياسة بالتمهيد الإعلامي.. تسخين هدفه أن يعرف القارئ في الغرب أن هناك اهتماماً بهذه الدولة الملتهبة.. والمشكلة أنه سوف يتلوه فيما بعد ما هو أسوأ.. وأخطر.. مع توالي الأخبار المزعجة الصادرة من اليمن.. حيث توجد مشكلات معقدة.

حالة تشبه ما كان يقوم به المستشرقون من قبل في القرون الماضية.. فيكتبون عن العادات والتقاليد.. والمجتمعات الشرقية.. ثم تأتي وفود سياسية تتلوها قوافل الاستعمار العسكري. كل ما نأمله هو أن يبقي اليمن بعيداً عن هذه التدخلات.. سواء كانت إعلامية أو عسكرية أو حتي من النوع الذي بينهما.. أي تدخلات سياسية.. ويكفي اليمن أن الغرب قد عقد مؤتمرا لأجله قبل أيام في لندن.. ودعا إلي دعمه وتعضيده.. وسوف يكون أفضل دعم لليمن هو أن يبتعد عنه العالم الغربي.

جزء من مشكلة اليمن الآن له علاقة بما فعل الغرب في أفغانستان.. الضغوط التي فرضت هناك علي المحاربين أعضاء تنظيم القاعدة.. دفعتهم إلي الفرار إلي اليمن.. باكستان غير ممكنة والصومال منهارة.. والعراق له طبيعته.. وإيران منشغلة في أمور غير سنية.. وكان الملاذ في جبال البلد الذي يواجه تمردا حوثيا فأضيف إلي المخاطر التي تواجهه خطر أمني من تنظيم القاعدة.

والخوف كله هو أن يقرر الغرب مد ميدان معركته مع التطرف إلي اليمن.. فيتدخل عسكريا.. أو يقول إنه يريد أن يحمي مصالحه.. وتكون حربا جديدة.. لن يقوي علي إنهائها كما هي العادة.. ويترك اليمن لدمار شامل لا يختلف عما يجري في أفغانستان.. ومن العادي وقتها أن تذهب بعض الكاميرات الصحفية إلي مناطق آمنة محدودة بعيداً عن مناطق القتال لكي ترصد صورا لأطفال يلعبون.. تماما كما رأيت قبل أيام مقالا مصورا آخر.. بالصدفة علي موقع الفورين بوليسي نفسها.. للرياضة التقليدية التي يمارسها الأفغان.

يقول فريدمان إن اليمن يحتاج إلي التعليم والإصلاح الاجتماعي ومواجهة الفقر.. قديمة.. وصفة معروفة.. واليمن يعرفها قبل غيره.. المهم أن يجد تمويلا إنسانيا من الغرب ومن جيرانه.. وأن يتوافر له تعضيد اجتماعي.. وألا يستهدف عسكريا.. وأن يخرج من أجندة التفكير الغربية في لهاثها المقيت ضد القاعدة الذي يؤدي إلي نمو التنظيم الإرهابي الدولي بدلا من أن يؤدي إلي القضاء عليه.

لقد كانت أفغانستان منذ 1979 ميداناً لصراعات دولية مختلفة.. إلي أن خرج أهم أطراف الصراع أي الاتحاد السوفيتي وترك الغرب والولايات المتحدة غارقين في الوحل إلي اليوم.. وربما لسنوات جديدة.. طويلة.. ولم تكن اليمن موضوعا لصراع دولي.. ولكنها وقعت في إحدي مشكلاتها نتيجة لصراع إقليمي.. مع دخول إيران طرفاً علي الخط ممولة وداعمة ومحركة للحوثيين.. وهو عملياً ليس منطقة تنفيس للصراعات الدولية بقدر ما هو مرشح لأن يكون هدفاً للنزال بين الغرب والإرهاب. ابعدوا عنه.. وأغلقوا الكاميرات.. ولاتكتبوا عنه.. واتركوه لأهله وجيرانه وأشقائه.
الموقع الإليكتروني : www.abkamal.net

البريد الإليكتروني : [email protected]