الأربعاء 24 أبريل 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أيمن عبد المجيد

الجامعة.. بيت الداء "1"




ينشر الآن زميلي محمد الشرقاوي،‮ ‬محرر شئون الجامعات ونائب رئيس قسم الأخبار،‮ ‬مجموعة من الحوارات المتعمقة مع عدد كبير من أساتذة الجامعة حول أحوالها وشئونها‮.. ‬أو بالإجمال ما نسميه مشكلتها‮.. ‬وبغض النظر عن أن المجتمع لم يعد يهتم إلا بالملفات شديدة الإثارة‮.. ‬التي تتضمن قدراً‮ ‬ملموساً‮ ‬من النهش أو التنابذ‮.. ‬فإن الملف الذي تتناوله الحوارات هو أحد أهم المعضلات التي تواجه مصر حالياً‮.. ‬ولابد له من علاج‮.‬

الجامعة،‮ ‬باعتبارها من أهم معاقل التفكير في البلد،‮ ‬تعاني من مشكلات مختلفة،‮ ‬لا تقف عند حدود الزحام الرهيب وتراجع المستوي العلمي وضعف الخريجين،‮ ‬وتدني البحث العلمي،‮ ‬ولكنها تمتد من داخل الجامعة إلي خارجها‮.‬

فالخريج‮ ‬غير المؤهل بطريقة عصرية هو قنبلة جاهزة في وجه المجتمع‮.. ‬قد ينفجر إحباطاً‮ ‬أو جهلاً‮.. ‬والتطرف الذي أصبحت الجامعة حضانة تدريبه‮.. ‬يتم تصديره إلي المجتمع علي نطاق واسع مصحوباً‮ ‬بمصداقية مفترضة في أساتذة الجامعات الذين يتحولون في كثير من الأحوال إلي رسل تطرف بدلاً‮ ‬من أن يكونوا أدوات تنوير‮.. ‬والأهم أن النخبة‮ ‬غير المتحققة في الجامعة هي نفسها التي أصبحت أحد أهم منابر التوتير في البلد‮.. ‬فمن الجامعة يخرج عشرات ممن يثيرون الجدل السياسي‮.. ‬بل دعاة الفوضي‮.. ‬وأساطين الهجوم علي نظام الدولة‮.‬

الجامعة هي إذن،‮ ‬وحالها هكذا،‮ ‬بيت داء‮.. ‬بينما من المفترض فيها أن تكون بيت دواء‮.. ‬وتحتاج إلي نظرة سياسية شاملة‮.. ‬وتعديل جوهري في بنيتها‮.. ‬وطريقة أدائها‮.. ‬وتعامل الدولة معها‮.. ‬والانتباه إلي خطورة أن تبقي علي حالها‮.. ‬تدار بطريقة تسيير الأعمال‮.. ‬وبدون نظرة استراتيجية شاملة‮.. ‬يجلس فيها رؤساؤها يطمحون إلي مناصب أعلي‮.. ‬محافظ أو وزير‮.. ‬ويتطاحن فيها الأساتذة‮.. ‬في ظل علاقات عمل وعلم‮ ‬غير متوازنة وغير ناضجة‮.. ‬ويعاني فيها الدارسون‮.. ‬إما يشحنون بالإحباط أو يدفعون إلي التطرف‮.‬

الموضوع أكبر من كون الجامعة لم تعد منبراً‮ ‬منتجاً‮ ‬للتفكير العلمي‮.. ‬وأبعد من كونها لم تعد معاهد للبحث العلمي‮.. ‬وأشمل من أنها تعبير حقيقي عن مشكلة مجانية التعليم في البلد‮.

‬ وقد صدمني بالتأكيد أن عديداً‮ ‬من الذين حاورتهم‮ "‬روزاليوسف‮« ‬في مسلسل الأحاديث الذي ننشره الآن إنما ركزوا علي ضعف التمويل باعتباره المشكلة الأهم للجامعة‮.. ‬وقد أتفق مع هذا‮.. ‬ولكن المسألة أكثر تعقيداً‮ ‬منه‮.. ‬الموضوع ليس محصوراً‮ ‬في الميزانية‮.. ‬وفي أن الدولة تفضل أن تنفق علي الرغيف وتعطيه الأولوية‮.. ‬بدلاً‮ ‬من أن تعطي نفس القدر من الاهتمام المالي لغذاء العقل‮.. ‬وإذا كان تشخيص الأساتذة يقتصر علي هذه النقطة‮.. ‬فإن هذا دليل أكيد علي أن الجامعة فيها داء سقيم‮.. ‬مع كامل الاحترام لكل الأساتذة الذين تفضلوا وقبلوا دعوتنا للحوار والنقاش في الأمر‮.‬

يفترض في الجامعة أن تكون هي عقل البلد‮.. ‬ويفترض في أساتذتها أن يكونوا هم ريادة تطورها وانطلاقها والكشف عن مشكلاتها‮.. ‬لكنها بدلاً‮ ‬من أن تكون حلاً‮ ‬أصبحت مشكلة‮.. ‬وبدلاً‮ ‬من أن تصبح وسيلة المجتمع في بلوغ‮ ‬تقدمه أصبحت أحد أهم أسباب تأخره‮.. ‬ويكمن التعقيد الأهم في أن‮ ‬إرادة التطوير خالية من الطاقة المحركة الواجبة في عقول الأساتذة أنفسهم‮.. ‬فقد تحول الكثيرون منهم إلي موظفين بدرجة أساتذة جامعة‮.. ‬لا يملؤهم الإحساس بدورهم المحوري في المجتمع‮.. ‬ولا تتفجر من داخلهم رغبة التقدم‮.. ‬بل يتصارعون فيما بينهم بطريقة مثيرة للأسئلة والاستفهامات بحيث أصبحت الجامعة قاتلة للمواهب والقدرات أكثر من كونها مفجرة للطاقات والإبداع‮.‬

تغرق الجامعة في بيروقراطية مزعجة‮.. ‬وتقيدها قوانين أقل ما يجب قوله عنها إنها بالية‮.. ‬مدرجاتها مزدحمة ولكن معاملها أيضا خاوية‮.. ‬تعاني من ضيق ذات اليد ومن مرتبات ضعيفة‮.. ‬ولكنها أيضا تتميز بعدم الإخلاص والتفاني من أجل العلم‮.. ‬تتعرض لارتباكات إدارية وضغوط التطرف السياسي‮.. ‬وهي أيضا ميدان لاضطهاد الأجيال الجديدة‮.. ‬وإن كانت هناك استثناءات تؤكد القاعدة التي نشير إليها‮.. ‬لكن نقاط الضوء المتناثرة والتي تجسدها حالات فردية ليست هي التي يمكن أن تضيء المجتمع‮.. ‬نحتاج شمسا لا مصباح‮ ‬غرفة‮.‬

لو كانت المشكلة تكمن في مجموعة قرارات علي الدولة أن تقوم بها وتصدرها‮.. ‬لكان الأمر هيناً‮ ‬حتي لو بدا صعباً‮.. ‬غير أن المزعج هو أن الأمر لا يقتصر علي هذا‮.. ‬فالجامعة تحتاج أولاً‮ ‬إصلاحاً‮ ‬من داخلها‮.. ‬يبدأ بأن يخلص أغلبية أساتذتها لفكرة الإصلاح ومضمونه وهدفه‮.‬ ونكمل‮ ‬غداً‮.‬


البريد الإليكتروني : www.abkamal.net

الموقع الإليكتروني : [email protected]