الجامعة.. بيت الداء "2"
عبد الله كمال
أحترم أساتذة الجامعة ــ بينهم من علموني ــ ولكن إذا كانت الجامعة كما وصفتها بالأمس (بيت الداء).. فإن كثيراً من الأساتذة هم نواة ذرة هذا الداء. وعذرا للجميع علي الصراحة.
هل للأستاذية قيمتها فيما بينهم الآن؟.. هل للإضافة العلمية لدي الكثيرين وزن؟.. هل للمهمة الحضارية التي ألقيت علي عاتقهم عندما عينوا أولوية؟.. طبعا لا أتحدث عن الكل.. ولكني أتحدث عن ظواهر لابد أن الجميع يعاني منها.. والبلد تعب من نتائجها.. والجامعة تتعثر بسببها.. بينما غالبية الأساتذة يشكون.
الكثيرون يتحدثون عن ضعف المرتبات ــ حسنا هذا كلام سليم ــ ولكن مال المرتب وترقية المستوي العلمي ذاتيا، نحن لا نتحدث عن موظفين، ولكن عن رسل علم. أجيال كاملة من عقول هذا البلد ربت نفسها عصاميا.. وسعت وحفرت ودأبت وبنت وربت.. أقول هذا دون أن يعني ذلك أنني أؤيد بقاء حال الأساتذة علي ما هم عليه الآن ماليا.. فهو حال مزرٍ.. ومؤسف.. ويهدر الكرامة.. ولكن هذا لا ينفي أن أساتذة الأجيال الحالية كانوا يذهبون للجامعات حيث يدرسون بالأتوبيس تماما مثل الطلبة.. قبل أن يتباري الأساتذة مع طلبة التعليم (المجاني) في تحويل بينيات مباني الجامعات إلي جراجات انتظار سيارات.
ما أقصده هو التثقيف الذاتي الذي لا علاقة له بمستوي الدخل. أنت يمكن أن تقابل أساتذة جامعة الآن مستواهم العلمي لا يرقي لمستوي الخريجين الذين يدرسون لهم. بعضهم يفتح فاهه مندهشا حين يسمع أمرا عاما.. لأنه لا يعرف شيئا خارج المقرر الذي يدرسه.. هذا إذا سيطر علي أبعاده وتمكن منه.. في عصر لم يعد فيه علم بعيد عن غيره.. والثقافة متشابكة.. والمعارف تتفاعل.. ولا أستطيع أن أثق في أن عدداً كبيراً من الأساتذة قد دخلوا مكتبات كلياتهم وجامعاتهم منذ سنين.. هذا إن قرأ غالبيتهم الصحف اليومية.
يقول البعض: إن أعداد المتعلمين غفيرة. حسنا مرة جديدة. ولكن بين هيئات التدريس مئات ممن حولوا تلك المشكلة إلي وسيلة للارتزاق.. دروس خصوصية بمبالغ طائلة كما لو أننا في مدرسة إعدادي وليس جامعات محترمة.. ناهيك عن مشكلات الكتاب الجامعي.. و(سبوبة) الطبعات.. والصراع علي الإشرافات.. والمنح... ما يعني أن الأساتذة الذين يصرخون من المشكلة بينهم فئات عريضة تتربح منها وتعيش علي بقاء الوضع الحالي المزعج.
امسك أي جريدة.. جمع عشر مقالات لأساتذة في الجامعة ــ أي جامعة وأي أساتذة ــ أتحدي إن كان بينهم أكثر من ثلاثة فقط يمكن لك أن تمسك بمعني إضافي يقدمونه.. أو فكرة جديدة يطرحونها. أو منهج مختلف في الرؤية. أليس هؤلاء عقول البلد.. ما علاقة طريقة التفكير بالمرتب.. ورقة وقلم ومقال.. أين الأفكار.. أين الحلول.. أين الرؤي؟ إن هذه المقالات هي للأسف التي توضع في ملف فيما بعد وتقدم علي أنها سندات للترقي.
أستاذ الجامعة ليس مجرد شخص يدلي بمحاضرة في مدرج، الموضوع كما أفهمه أكبر من هذا بكثير جداً، نخبة بلد بالمعني الدقيق للكلمة.. أصابها الخمول والتراخي.. تتخبطها الأطماع من مختلف الأنواع.. صناع المناخ هم الذين يفسدونه.. ويسيئون إليه.. ويدمرون حرية التفكير.. وتحول بعضهم إلي دمي أيديولوجية نسيت العلم وأهدرت قيمة الفكر. وسوف يلتصق بالعصر الحالي لجامعات مصر أن أستاذا جامعيا اسمه الدكتور عبدالصبور شاهين هو الذي قاد حملة ضد زميل له اسمه الدكتور نصر حامد أبوزيد.. حتي فرقه عن زوجته بالقضاء.. بينما بقية أساتذة الجامعة يتفرجون.
هل نسيتم أيها الأساتذة الأفاضل هذه الواقعة. هل غفرتموها لأنفسكم. هل تصالحتم مع ذاتكم. هل سوف ينسي لكم التاريخ أن جامعة القاهرة بجلالة قدرها وتاريخها لم ينعقد مجلسها لكي يقول كلمة تنهي هذا الغثاء وتوقف تلك البلاهة.. وهذا الظلام الذي حل بالعقل والتفكير.. بغض النظر عن رأي أعضاء المجلس فيما يطرحه نصر أبوزيد.. أو حتي اختلاف عبدالصبور شاهين معه؟
لماذا تذكرت هذا المثل الآن وقد مضت عليه سنوات؟.. السبب بسيط لأننا لم نزل نعيش آثار تلك السابقة.. الدكتور نصر أبوزيد لا يعيش في وطنه مستقرا.. وقبل أسابيع منع من دخول الكويت لأنه اتهم في أفكاره التي لا أعتقد أن أحدا كان سوف يتخذ موقفا منها لولا المعركة التي افتعلت حولها.. وكان سببها صراع ترقٍ، وهناك عشرات من الأمثلة الخفية الأخري.
ونكمل غداً
الموقع الإليكتروني : www.abkamal.net
البريد الإليكتروني : [email protected]