الجمعة 19 أبريل 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أيمن عبد المجيد

المتعايق




في مثل هذه الأيام اللطيفة، وحين تظهر الشمس في نهار فبراير، جاعلة أيام البرد ربيعية المناخ، يركب أعضاء النوادي كبار السن سياراتهم بعد أن يرتدوا أزياء أخف بدون إفراط في التخفف تحسبًا لتقلبات الطقس، ويسترخون علي كراسي بامبو في الحديقة بمواجهة المبني الاجتماعي.. ومع فنجان قهوة تركية (مغلية.. اتقاء للقرحة)، أو إكسبريسو (سنجل.. حتي لا يرتفع الضغط كثيرا)، ودون سكر في الحالتين (ضمانا للحفاظ علي الوزن)، يقلبون الجرائد، ثم يدور حديث متتابع حول شئون الدنيا والبلد والناس والنساء.

يمتعض أحدهم من أمر مؤسف رآه في طريقه إلي النادي: الشحاتين كتروا قوي يا فلان بيه!.. فيومئ الآخر موافقا: البلد أصبح لا يطاق. ويتدخل ثالث وقد لمح في كلام رفيقيه بعضا من التعالي الاجتماعي: يعملوا إيه يعني.. غلابة.. الفقر في كل مكان .. والحكومه تهتم بالأغنياء فقط.

لا يقاطع الاثنان الثالث لكي يذكراه بأنه من الأغنياء الذين ينتقد الحكومة لمساندتهم.. ويأتي رابع لينضم للجلسة غير أنه كان قد فتح صدره للدنيا بملابس أخف وتي شيرت (رالف لوران بولو) لونه تركوازي فاقع.. وبعد أن يلقي تحية الصباح.. متجاهلا عيون الحسد وعبارات الانتقاد علي تخفيف الملابس.. يناقض حالته الجريئة.. ويطلب فنجان نعناع.. فيلاحقه أحدهم: نعناع إيه مع التي شيرت (البولو) ده ياعلان بيه.. أنت هربان من الهانم علي فين؟ لكي المتصابي لا يتورط في أحاديث قد تكشف أسراره يعود بهم إلي نميمة عامة: السواق الجاهل كان هيبوظ لي العربية.. «لانها كمبيوترايزر» ويضيف آخر متجاوبا: البلد كله جهل.. مش معقولة كده.. ويردف الرابع: أومال فين مجانية التعليم بتاعت يوليو. ويردف آخر: مجانية إيه.. اتفرج علي بلد مثل كوبا.. ما فيهوش واحد لا يجيد القراءة والكتابة.

تسخن الشمس قليلا، فيرتفع لهيب الحديث.. ويقول: خمسين سنة البلد كل يوم بترجع للوراء. ويرد رفيقه: هذا ما حصدناه من بتوع 52 . ويقول ثالث: اتفرج علي دبي.. حاجة مفتخرة بصحيح. ويضيف الرابع معلقا: ولماذا نذهب بعيدا.. أنا كنت أزور التشيك من كام يوم.. الحياة روعة.. والناس نظيفة.. والشوارع زي الفل.. والاقتصاد يقفز للأمام.. لا يمكن تقابل شحات في أي مكان.

هنا ينتبه أحد حاسديه إلي اسم الدولة التي سافر لها، فيغمز للثاني.. ويلكز الثالث.. كما لو أنه يريد مشاركتهما في التلقيح علي الرابع صاحب التي شيرت التركواز: وكنت في التشيك بتعمل إيه يا باشا.. رحت أي مصحة يا (خلبوص)؟.. ويتعالي (الخلبوص) علي ما يقول.. ولا يرد.. فيواصل الحاسد (النقرزة): طبعا صوابع البنات بتوع المساج روقت العضلات ودلعوك علي الآخر؟.. ويواصل الرابع تجاهله.. ومن ثم فإنه يدير دفة الحديث إلي جانب آخر: لا.. صحيح.. الأوضاع مقرفة جدا في البلد. الواحد يخاف علي روحه من الفقراء الكتير دول.

يقع الآخران في فخه.. فينجرفان وراءه.. ويقول أحدهم: أين نحن من معجزة الصين؟.. ويعقب الثاني: صين إيه يا اكسلانس.. حتي فيتنام تتجاوزنا بمراحل. ويزايد الثالث (الحاسد): أوضاعنا زفت.. والعشوائيات في كل مكان.. واللصوص والسريقة يلاحقوننا. ويؤكد ما يقول مضيفا: أنا لم أعد أطمئن إلي الخادمة وهي تقدم لي فنجان الشاي في الصباح.. عندها فيروس (سي).. وابنها مسكوه بباكيتة بانجو.. وجوزها عاطل.. وكل يوم تطلب فلوس زيادة.. وتقولك مش عارف عاوزه أعمل إيه. ويوثق كلامه (المتعايق).. لكي يلهيه عن واقعة مصحة التشيك: مايغركش يا فلان بيه.. بيكون مظهرهم خداع.. يدعو الفقر.. ويكون معاهم فلوس كتير.

يحلل أحدهم الموقف كما لو أنه خبير كبير في البنك الدولي: الأوضاع مؤسفة.. والمستقبل مقلق جدا.. تخيلوا ترتيبنا في العالم أصبح 123 . ويستعرض آخر معلوماته: حتي إسرائيل سبقتنا.. تصور أنها رقم 35 في الترتيب نفسه. ويرد ثالث: إسرائيل.. مش دي إللي كان بيقول عبدالناصر إنه هيرميها في البحر. ويعلق المتعايق: بحر إيه يا باشا.. صحيح الجو مشمس جدا.. لكن الأيام دي لا يمكن تنزل البحر أبدا!!!

ينفض الجمع اللطيف في حديقة النادي.. إذ لاحت في السماء سحابة غائمة.. ذكرتهم جميعا بأنهم في شهر فبراير المتقلب.. وكان عليهم أن يحتموا بغرف دافئة في البيوت.. لكنهم حرصوا علي التواعد باللقاء في اليوم التالي.. وإن كان الحاسد قد قال للمتعايق: دا إذا ما كنتش هتسافر بكرة تايلاند يا فلان بيك.. فيه هناك بنات بيعملوا مساج بصوابع الرجلين.. لكن إيه: روعة!


الموقع الإليكتروني: www.abkamal.net

البريد الإليكتروني  :  [email protected]