مظاهرة للحسيني
عبد الله كمال
لست من محترفي المظاهرات.. لا أدعو إليها ولا أشارك فيها.. التظاهر وسيلة للتعبير عن الرأي.. فإذا ما كانت مهنتي توفر لي وسيلة التعبير عن الرأي.. ما هي حاجتي إذن للتظاهر؟.. ولكني اليوم أدعو السيدات الفضليات اللواتي تظاهرن قبل أيام احتجاجا علي توجه الجمعية العمومية لمجلس الدولة بمنع تعيين النساء في المجلس.. أن يعدن للتظاهر تأييداً وتعضيداً وشكراً لموقف المستشار محمد الحسيني رئيس المجلس.
التظاهر لايكون لتسجيل الاعتراض فقط.. وإنما أيضا من حق المتظاهرات نصرة من يساندهن.. وقد أصدر الحسيني قراراً تاريخيا يستحق الثناء والتقدير.. ويعبر به عن وعي حقيقي بالتوجهات العصرية.. ورفض أكيد للتطرف الفكري.. واعتراض تاريخي علي كل من يقف ضد المرأة.. رغم أن الواقفين يفترض فيهم الدفاع عن الحرية والحقوق الدستورية.
قبض الحسيني علي الجمر.. قال كلمة الحق بينما من حوله يرفضون ويعارضون بل ويهددون.. وسوف يسجل هذا الموقف باسمه.. بغض النظر عن كون هناك جدل مثار داخل مجلس الدولة عموما.. والمجلس الخاص للمجلس علي وجه الخصوص.. وإذا ما كان هناك شقاق في المجلس الخاص الآن.. فإن عضواً واحداً يغير رأيه من بين المعترضين.. ويعود إلي ما كان قد وافق عليه سوف يحدث التوازن.. حين ينعقد المجلس مرة ثانية لكي يقر التعيينات التي تتضمن نساء من بين الخريجات.
والحسيني يستند هنا إلي القانون من الناحية الإدارية.. في حين أنه لايوجد استناد قانوني لدي الآخرين المعترضين سواء في الجمعية العمومية أو في المجلس الخاص.. معه (الحسيني) قرار سابق من المجلس الخاص بالموافقة علي تعيين دفعة جديدة من الخريجين والخريجات.. ومعه توقيعات من لجنة الاختبار التي تفحصت المتقدمين والمتقدمات ورأت أن فيهم من هن جديرات بالمهمة.. بينما كل مبررات الرافضين شكلانية.
بالطبع سوف نجد أمامنا في الأيام المقبلة بعض الصخب من الرافضين وتلويحات وتمردات.. كلها تقف ضد حركة التاريخ.. وتخالف حقوق المساواة ونصوص الدستور.. وأقترح علي المؤيدين أن يدفعوا كل من يرفض إلي تسجيل اسمه في قائمة تسجل للتاريخ.. إذ لا أظن أن أحدا سوف يرتضي أن يوضع اسمه في سجل من هذا النوع المؤسف.. المضاد للحرية.
ومن المؤكد أن المصريات اللواتي سوف يحصلن علي تلك الفرصة العظيمة بالالتحاق بمجلس الدولة سوف يواجهن معاناة بالغة.. وسيقبضن بدورهن علي جمر أكثر التهابا مما قبض عليه المستشار الحسيني.. لأنهن سيجدن عنتا ورفضا وإعاقة وتصرفات ضد حقوق المساواة وقد تعبر عن الاضطهاد.. هؤلاء لابد أن يدركن أنهن بصدد وضع مختلف وغير مسبوق وأنهن لابد أن يتسلحن بالجرأة والجدارة والعلم والمهنية.. وأن يواجهن العنت بمزيد من الإصرار.. فهن يقفن الآن علي باب يفتح الطريق نحو تحديث التاريخ.
وأعود مرة جديدة إلي المستشار صاحب القرار الجريء والمبادر.. أنت لاتقف وحدك ياسيادة المستشار.. معك المجتمع كله تقريبا.. ومعك مؤيدوك من أعضاء مجلس الدولة ومختلف الهيئات القضائية.. معك التنوير والنور.. معك الدستور.. ويكفيك أنك أصدرت قرارا من هذا النوع.. وتجاوزت الالتفاف عليه.. ولم تخضع لضغوط ندرك أنها رهيبة في ضوء التقاليد المتعارف عليها في هيئة مثل مجلس الدولة.
وبغض النظر عن رفضنا للتوجه الذي أعلنته الجمعية العمومية لمجلس الدولة.. فإننا نظن أن عليها أن تتخلي عن ثبوتية موقفها.. هي نفسها (الجمعية العمومية) فتحت الباب لنفسها لكي تتراجع.. حين قالت في نص ماصدر عنها أنها توصي (بإرجاء تعيين النساء).. أي أنها لاترفض وإنما تؤجل.. والتأجيل يمكن أن يكون ليوم أو أسبوع أو شهر.. ولكنه لايجب أن يكون تأجيلا لقرن أو عام.. وفي يد الجمعية العمومية أن تبدل ما ذهبت إليه.. بأن تعمل التفكير ثانية.. وأن تبادر إلي موقف حقيقي وأصيل ومساند للحريات والمساواة.. لاتحبطونا أيها السادة المستشارون الأفاضل الذين نجل قيمتكم ونقدر مكانتكم.
الموقع الإليكتروني : www.abkamal.net
البريد الإليكتروني : [email protected]