مجاملة الدكتور نبيل
عبد الله كمال
قبل يوم من وصول د.محمد البرادعي إلي القاهرة، كتب السيد السفير د. نبيل العربي في جريدة الشروق مقالاً بعنوان: (من هو محمد البرادعي؟)، لكن الصحيفة اختارت له عنوانًا خارجيا في الصفحة الأولي لا يعبر عن مضمونه هو: (نبيل العربي يكتب: البرادعي مرشحًا للرئاسة)، وللدقة فإن د. نبيل العربي لم يتطرق إلي موضوع الانتخابات والترشيح بشكل مباشر في مقاله علي الإطلاق.
لقد قال د. العربي في بداية مقاله ما يلي: "ترددت كثيرًا في كتابة هذه السطور لأنه لم يسبق لي أن كتبت في أمور تدخل في إطار الشئون الداخلية، فقد شرفت بتمثيل مصر في الخارج لأربعة عقود وكان جل اهتمامي دائمًا هو الشئون الدولية، ولكن التطاول الذي نال الدكتور محمد البرادعي قبل أن تطأ قدماه أرض الوطن دفعني إلي الخروج عن هذه القاعدة، وكلي أمل أن يقابل وصول البرادعي إلي الوطن بالترحاب والتقدير".
انتهي اقتباسي من بداية مقاله، وكما تردد السيد السفير، فإنني ترددت بدوري في أن أكتب تعليقًا علي مقال د. نبيل العربي، إذ وجدت فيه ما بين السطور ما يستحق التعليق.. كنت أنوي أن أقول إن المقال الذي كتبه الدبلوماسي المرموق دمث الخلق والمعروف بالسمعة الطيبة يمكن أن يكتب عن د. العربي نفسه.. وإن الإنجازات التي قال د. العربي إن البرادعي قد حققها وتستوجب أن ينال التقدير حقق مثلها، إن لم يكن أكثر، علي المستويين الوطني والدولي سيادة السفير د. نبيل العربي.
ذلك أن د. العربي، وكان من بين الدبلوماسيين المرموقين الذين حضروا مفاوضات السلام المصرية ـ الإسرائيلية، رجل صاحب تاريخ وطني محمود وبذل جهدًا عظيمًا من أجل هذا البلد، وكان أحد أهم الأعمدة القانونية والدبلوماسية التي اعتمدت عليها الدولة في لجنة التقاضي من أجل استعادة طابا، وكان رئيسًا للوفد المصري الذي ضم د. مفيد شهاب ووحيد رأفت ود. يونان لبيب رزق وأحمد ماهر وبدر همام.. وغيرهم ممن نقدر إنجازهم العظيم التاريخي العظيم.. وفي ذهني الإنساني والمهني بعض من رحيق مقابلات طيبة غير منسية سمح لي فيها السفير الرائع د. نبيل العربي بأن أجلس إليه وأتعرف علي توجهاته وأفكاره بخصوص ملف طابا.. حينذاك.
وقد حصد د. العربي مجموعة مميزة من المناصب الدبلوماسية التي تليق به، ومن بينها رئيس بعثة مصر في مقر الأمم المتحدة في چنيف، وأعتقد أن اسمه كان مطروحًا كوزير للخارجية، غير أنه أصبح فيما بعد وبدعم من مصر أحد قضاة محكمة العدل الدولية.. وهو موقع دولي له قيمته الكبيرة جدًا.
أما ترددي في التعليق فكان يتراوح ما بين رغبتي في مناقشة عبارة (إن البرادعي تعرض للتطاول).. وما بين أنني يمكن أن أري في مقال د. العربي نوعًا من التقدير الذي رأي أن عليه أن يسجله لصديقه القديم.. أي محمد البرادعي.. إذ حين يقول (مذيع أو معلق مشتبك سياسيا): إن البرادعي قد تعرض لحملة أو تطاول.. فإن هذا يمكن أن نمرره في إطار التنابذات السياسية علي الساحة.. لكن أن يأتي هذا من د. نبيل العربي بكل تقديرنا له فإن الأمر يستوجب وقفة توضيح.
كنت أريد أن أقول فيها: إن كل ما تعرض له البرادعي ليس أكثر من أربعة مقالات.. هي التي يمكن وصفها بالحدة.. وإن عليه مادام قبل العمل العام أن يرتضي الجدل بكل أنواعه.. وأنه في مقابل أربعة مقالات حادة وعشرة مقالات انتقادية.. كتب عنه ما لا يقل عن مائة مقال مساند.. وتلك طبيعة الأمور.
غير أني آثرت ألا أعلق، وحسمت ترددي بعدم التطرق للمقال واعتباره نوعًا من المجاملة بين الأصدقاء لا علاقة له بأي انطباع أن السيد السفير د. نبيل العربي قد تورط في اشتباكات السياسة، غير أن ما هالني فعلاً أني عرفت أن السفير نبيل العربي كان حاضرًا في الاجتماع الذي عقده البرادعي في بيته لمن قال إنهم ممثلو التيارات السياسية بينما هم واقعيا، في أغلبهم، عناصر من حركة كفاية.. وقد انتهي الاجتماع إلي الإعلان عن نية تشكيل جبهة أو جمعية.. أو أي كيان.. للمطالبة بتغيير دستوري وعدالة اجتماعية.. وأشياء من هذا القبيل.
لا أظن أن اجتماعًا من هذا النوع يليق بتاريخ د. العربي أن يشارك فيه، وأن يحسب عليه، وأن يسجل دعمه المعنوي له، لاسيما أنني أثق في أن تقديره للموقف برمته من الناحية السياسية لن يكون مرضيا للحضور جميعًا لو أنه أعلنه.. خاصة أن هذا الحضور في بيت البرادعي لا يمثل تعضيدًا ومساندة له بقدر ما أن أغلب الذين كانوا موجودين في الاجتماع إنما كانوا يستكشفون مواقف وقدرة البرادعي أكثر من كونهم يريدون أن يتوج قائدًا عليهم.. وفيهم خمسة علي الأقل انتقدوه ورأوا في مقالاتهم وتصريحاتهم أنه يردد كلامهم ويقول ما ناضلوا من أجله.. بل يختطف منهم جهدهم بشهرته ومكانته.
إن الأيام بيننا، وسوف تثبت وجهة نظري، والجمعية التي أراد لها البرادعي أن تتأسس إنما ستلحق بما لحق من قبل بجبهة عزيز صدقي المماثلة تقريبًا.. وهذا لا أظن أنه من الواجب أن يضاف إلي تاريخ د. نبيل العربي.. إذا كان البرادعي قد قبل بعد تقاعده أن يضاف إلي تاريخه.
الموقع الإليكتروني : www.abkamal.net
البريد الإليكتروني : [email protected]
