الخميس 18 أبريل 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أيمن عبد المجيد

العودة إلي رابسو!




كما لو أن هناك‮ ‬غرفة تحرير مشتركة،‮ ‬ولا أقول‮ (‬غرفة عمليات‮)‬،‮ ‬تدير جريدتي‮ (‬المصري اليوم‮) ‬و(الدستور‮)‬،‮ ‬فقد صدرتا بالأمس بمانشيت واحد تقريبًا‮.. ‬يحاول نسف إنجاز كبير لعصر كامل بسطر من ست أو سبع كلمات‮.. ‬في الأولي كان كما يلي‮: (‬يوم ممطر يسقط‮ ‬30‮ ‬عامًا من البنية الأساسية‮)‬،‮ ‬وفي الثانية كان كما يلي‮: (‬الأمطار تفضح حكومة نظيف وتكشف عار البنية الأساسية‮).‬

ومن الواضح بالطبع أن الجريدتين،‮ ‬في إطار أجندة سياسية مرسومة ومدققة،‮ ‬وبما يتوافق مع الخطاب الذي تتبنيانه بشكل مستمر،‮ ‬تهدفان إلي تشويه صورة الحكم،‮ ‬والانطباع الطيب لدي الرأي العام بشأن أهم إنجازاته خلال العقود الثلاثة الماضية وهي‮ (‬البنية التحتية‮).. ‬ويرتبط هذا بطبيعة الأسماء والبرامج والأفكار التي تسوق لها كل منهما‮.. ‬في إطار خطة لا ينبغي أن نعود ونكرر ماهيتها‮.. ‬وكيف أنها حتي في سبيل تحقيق أهدافها الضيقة الساعية للتخلص من الإدارة الحالية للدولة تسيء إلي الوطنية وإلي الارتباط بين المواطن وبلده‮.. ‬ولا يقتصر الأمر علي موقف من حزب الأغلبية والحكومة الحالية والرئيس الحالي‮.‬

ويمكن ببساطة أن نحيل محرري الجريدتين إلي ملاكها،‮ ‬باعتبارهم أدري البشر بالتغيير الذي طرأ ثوريا علي البنية التحتية في مصر خلال الـ30‮ ‬عامًا الماضية التي وجدا أنها قد سقطت في يوم مطير أو انكشف عارها‮.. ‬يمكن أن نسأل الملياردير صلاح دياب ما إذا كانت تجارته وزراعته وصناعاته كانت سوف تكون علي ما هي الآن‮.. ‬بحجمها الذي يتخطي ثروة ملايين من المصريين مجتمعين بدون البنية الأساسية التي تطورت في مصر‮.. ‬وهل كان المليونير عصام فهمي سوف يبقي كما كان مجرد تاجر أشرطة كاسيت يوزع ألبومات عليها صور العلم الأمريكي لو أن البنية التحتية كانت كما هي الحال في الوقت الذي بدأ فيه نشاطه في نهاية السبعينيات؟

ومن المؤكد أن الأحوال الجوية والظروف المناخية التي تضرب العالم كله‮.. ‬تخضع البني التحتية في الأيام الحالية إلي اختبارات عنيفة في مختلف الدول‮.. ‬وقد اختبرت البنية التحتية في الولايات المتحدة قبل وقت وجيز‮.. ‬وهي الأمة العظيمة ذات الإمكانات الرهيبة‮.. ‬فلم تقو علي أن تصمد أمام إعصار رهيب اسمه إعصار كاترينا‮.. ‬ذلك أن هناك دائمًا حدًا أقصي لتوقع الظرف المناخي الذي تحتمله أي بنية تحتية مهما كانت‮.. ‬وباليقين فإن شيلي مهما استعدت لاحتمالات الزلازل لم تكن لتبني حساباتها علي زلزال بقوة‮ ‬8‭.‬8‮ ‬علي مقياس ريختر،‮ ‬ولا اليابان التي تستعد يوميا وأبدًا للزلازل كان يمكن أن تتحسب للظاهرة الجديدة المعروفة باسم تسونامي‮.‬

إن أحدًا لا يمكن أن يدافع عن عدم احتمال مجارير القاهرة لعاصفة جوية لم تر مصر مثلها منذ عشرات السنين،‮ ‬مع الوضع في الاعتبار أن البنية التحتية استوعبت في‮ ‬غضون يوم تقريبًا الآثار الناتجة عن الأمطار‮.. ‬ولو لم تكن موجودة لكنا الآن في‮ (‬حيص بيص‮).. ‬بغض النظر عن تجاهل الصحافة الموجهة لهذه الحقيقة‮.. ‬لكن المهم هنا هو أن البنية الأساسية التي يتندر عليها المحررون في الصحيفتين لا يمكن تعريفها علي أنها تلك القادرة علي استيعاب نتائج يوم مطير‮ ‬غير مسبوق‮.. ‬فالمسألة أكبر بكثير‮.‬

البنية الأساسية تضم‮: ‬الطرق والكباري والاتصالات والصرف الصحي وشبكة المطارات والمواصلات والبنية المعلوماتية‮.. ‬وعشرات من العناصر التي لا تقف عند حدود بالوعة يمكنها استيعاب مياه الأمطار أمام بيت أي من رؤساء التحرير أو أي من السياسيين الذين يريدون تشويه الحكم‮.. ‬علي الأقل نحن نتكلم في صرف الأمطار الآن‮.. ‬في حين أن بيوت أغلب هؤلاء كانت تسبح في بحيرات من العفن والعطن الناتج عن مخلفات البشر التي تلاحق الناس في الشوارع‮.. ‬لأن الطفح كان قد وصل إلي الطريق العام‮.. ‬ولأن المصريين كانوا يتدربون علي التقافز فوق قطع من الأحجار وسط بحيرات من النتانة‮.‬

أم تراكم تريدون العودة إلي عصر كان أهم إنجاز له هو‮ (‬رابسو‮).. ‬ومنافسه الفظيع‮ (‬سافو)؟ في
الإجابة عن ذلك نواصل‮ ‬غدًا‮.‬
الموقع الإليكتروني : www.abkamal.net

البريد الإليكتروني : [email protected]