الخميس 25 أبريل 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أيمن عبد المجيد

زمن رابسو وسافو




لا يمكن الحكم علي أوضاع البلدان بمساحيق الغسيل.. ولا يمكن تقييم الأوضاع الاجتماعية في أي دولة بالصابون.. ولكن ذاكرة الأجيال يجب أن تتعرض للتنشيط.. ولو كان المدخل هو (رابسو).

وقد كان (رابسو) مسحوق غسيل مهيمنًا في العصر الاشتراكي علي عمليات النظافة في البيوت المصرية.. بعلامة الأرنب التي تتصدر علبته الصفراء.. في مواجهة منافسة شرسة من منتج شقيق له بعلبة زرقاء اسمه (سافو).. الذي كانت الإعلانات تهتف له في التليفزيون (سلام عشانو.. سافو).

وأصحاب الذاكرة الساخرة يمكنهم الآن أن يجتروا علامات التجارة والصناعة في هذا الزمن الذي لا يمكن وصفه بأنه بعيد.. نحن نمل الآن من إعلانات أطقم الصيني التي تبثها قنوات الدراما.. ولكن هذا البلد كان بعض أبنائه يتمنون أن يحصلوا علي طقم (ميلامين) من هذا الذي يوصف إعلانيًا بأنه (جامد ومتين).

وكنا في الجامعة نرقص حين نحصل علي كوبون يحيلنا إلي المتاجر الشعبية لكي نشتري (وول أوفر بربع الثمن) من إنتاج مصانع محلية رديئة للأسف.. وكان أولادنا يرتدون مرايل من (تيل نادية).. ونشتري التليفزيون من شركة بنها لصناعة الإلكترونيات بالحجز.. ويتفاخر بعضنا بأنه يملك سيارة (رمسيس).. أما المترفون فينتظرون في طابور شركة النصر أن يحصلوا علي سيارة (فيات 128).

كيلو سمك المكرونة الروسي حيث كنا نتصارع عليه في المجمعات كان سعره 12 قرشًا.. وفي بعض سنوات السادات كنا نقف طابورًا في الليل لكي نحتجز بطيخة.. وكان آباؤنا يبكرون بعد صلاة الفجر لكي ينتظروا موزعي شركة الشرقية للدخان كي يتمكنوا من الحصول علي علبة سجائر سوبر.. بينما كنا نرفه عن أنفسنا بـ(النداغة) المصنوعة في حواري الفجالة وباب الشعرية.. مخلوطة بعرق أذرع العمال.. ونمضي في الغي حين نثري فنشتري بسكويت بالعجوة.. القطعتان منه بقرش.

الفقر كان مقيمًا ومتجسدًا.. ومن ثم فإن العمال المسافرين إلي دول الخليج كانوا يعودون بعلب سجائر الروثمان وبطانية ناعمة ومروحة يتباهون بها أمام جيرانهم.. وجهاز كاسيت ياباني.. وكراسات ملونة للأطفال، إذ كانت الكراسات في مصر تصنع من اردأ أنواع الورق.. وأنا تحديدًا كنت أحمل هذا النوع من الكشاكيل في مدرستي معتزًا بقدرة أبي علي أن يوفرها لي عبر مستورد في السعودية.. رحمه الله.

في هذا البلد كان الناس يشترون الجاز بالكوبون.. ويقايضون به علي سلع تموينية في محلات البقالة.. حيث المتعة أن تحصل علي بقايا تقطيع الجبنة في ساندويتش فينو.. ويثور الناس لأن كيلو «الرز» قد ارتفع إلي خمسة قروش.. ويقود الرئيس الراحل حملة لكي يقاطع الناس اللحوم لأنه لا يمكن السيطرة علي أسعارها عن طريق الحكومة.. وتكون هذه الحملة مشروعًا قوميًا.. في حين أن الثلاجة الإيديال كانت حلمًا بعيد المنال.. والطابور في انتظارها يستمر عشرة أشهر علي الأقل.. ويعني وصولها إلي البيت حدوث انتقال اجتماعي رهيب للأسرة.

البنية التحتية التي نجح عصر مبارك في أن يشيدها هي التي بدلت كل تلك الأحوال.. هي التي نقلت البلد إلي عصر صناعي مختلف.. يفاضل فيه الناس بين المنتجات.. ويتزاحم أغلبهم علي منافذ التصدير.. تلك البنية التحتية هي التي رفعت عدد السائحين إلي 11 مليون وافد كل سنة لولا ظروف الأزمة الاقتصادية الدولية.. ففي زمن مضي كان من بين علامات القاهرة أربعة فنادق لا أكثر: شبرد ـ هيلتون النيل ـ ميناهاوس ـ فندق النيل.. وكنت تحصل علي غرفة لسائح بالرشوة.. وحين افتتح شيراتون الجزيرة في الجانب الجيزاوي من نهر النيل كان ذلك حدثًا فريدًا.

أما التليفون الأرضي الذي تدلل الشركة المصرية للاتصالات عليه الآن من أجل اجتذاب الزبائن له.. فقد كان بلوغ الاشتراك فيه من المعجزات.. إذ كان طابور انتظاره يبلغ عشر سنوات.. وكان الشاب حين يستصدر بطاقته الشخصية عندما يبلغ السادسة عشرة يذهب مباشرة إلي الهيئة ـ لم تكن شركة ـ لكي يحتجز لنفسه خطًا.. بحيث إذا بلغ من العمر عتيًا واحتاج خطًا مستقلاً للتليفون يكون الدور قد حل عليه.. وحتي حين يصله التليفون فإنه لم يكن يتكلم.. إذ كان مجرد (عدة سوداء)!
بقية الصورة التي كانت غدًا.
 
الموقع الإليكتروني : www.abkamal.net

البريد الإليكتروني   : [email protected]