الجمل علي السلالم!
عبد الله كمال
بغض النظر عن وصفه بأنه (فقيه دستوري)، إذ لست متأكداً من تخصص الدكتوراه التي حصل عليها الدكتور يحيي الجمل منذ عقود، وظل بعدها يقال عنه إنه (فقيه دستوري) فإنني أتفهم بالطبع تأثير الإحباط السياسي وعدم التحقق الذي لحق به طوال مسيرته.. علي مواقفه المعلنة.
الدكتور الجمل، الذي لابد أنه يسأل نفسه عن إنجازه القانوني في مجال الفقه الدستوري حين يوصف بأنه فقيه، فشل في اليسار، ولم ينل أمله من خلال الأغلبية حين تمني أن يكون رئيسا لمجلس الشعب من خلال تأييد أغلبية الحزب الوطني، ولم ينجح في أن يقود حزباً أسسه مع أسامة الغزالي حرب حتي بدا أنه قد استخدم لتأسيس الحزب ثم دفع إلي تركه.. ومن ثم فإنه حين ينظر إلي مسيرته وهو في تلك المرحلة من العمر يشعر أنه لم يفعل شيئاً وكان كالراقص علي سلالم السياسة.
هذا أتفهمه، ولو كنت مكان الدكتور يحيي الجمل وصارحت نفسي بحقيقتي لعانيت تأكيداً ويقيناً.. وبالتالي أنا أستوعب صراخه المستمر.. ولا موضوعيته.. وتهوره في بعض الأحيان.. وتجاوزه في أغلب الأحيان.. حتي بما لا يليق مع عمره.. وذات مرة كنت في إفطار رمضاني وقابلت الدكتور يحيي الجمل.. وقال لي أنت الذي تنتقدني.. ثم لكمني في صدري.. بطريقة تعبر عن رغبة شديدة في ممارسة العنف حين تعجز الحيلة الفكرية.. ولكنني تقبلت هذا ببساطة واستوعبت ما يعاني منه.
غير أن ما لايمكن أن أتفهمه أن الدكتور يحيي الجمل وهو يواصل تجاوزاته يمكن أن يبلغ به الحال في حديثه عن زعماء مصر.. أن يقول عن الرئيس مبارك في حوار أخير مع جريدة الكرامة ما يلي (يحكمنا منذ 30 عاماً شخص حصل علي الثانوية العامة ثم التحق بكلية الطيران وأصبح طياراً بالقوات المسلحة والرؤساء الراحلون قبله كانوا كذلك).
ولست أدري بالتأكيد منذ متي أصبح الالتحاق بكلية الطيران نوعاً من الانتقاص للبشر، أو أن الخدمة في القوات المسلحة تجعل قدر من يقومون بها أقل من غيرهم، بينما هؤلاء، بغض النظر عن الرئيس، يبذلون كل غال ونفيس من أجل بلدهم.. بدلاً من أن يتغنوا بالوطنية في أحاديث الجرائد وينظروا بها في البرامج التليفزيونية.
طبعاً، وعلي سبيل التدقيق الكاشف لكون الجمل يعاني من نقصان تماسك ودقة الكلام، فإن الرئيس مبارك لم يلتحق بكلية الطيران، بل تخرج في الكلية الحربية، إذ لم تكن هناك كلية جوية بعد، ولكن ليس هذا هو الموضوع.. وإنما الموضوع هو أنه لايجوز أبداً وعلي الإطلاق أن نتعامل مع سيرة الأبطال حين نختلف معهم سياسياً بهذه الطريقة.. فقد كان الدكتور نائما في بيته بينما مبارك يخوض مجموعة الحروب الكاملة التي خاضتها مصر مع إسرائيل.. ومنذ عام 1948 .
وأتفهم بالطبع أن الجمل إنما يردد كلاماً قاله من قبل بطريقة أخري محمد حسنين هيكل، وبغض النظر عن أن الجمل حتي حين أراد أن يتطاول فإنه نقل تطاوله عن غيره، ومارس الاقتباس.. ولم يبدع حتي وهو يتجاوز.. فإن علينا أن نفهمه ـ رغم فارق الأجيال ـ إن تلك ليست الطريقة التي يتم التعامل بها مع الأبطال الذين صنعوا الفخار حرباً وسلماً.. وتلك ليست الوسيلة التي يمكن بها انتقاد رئيس حقق لبلده نصراً عسكرياً عظيماً مع أبناء جيله.. وذلك ليس الأسلوب اللائق في الحديث عن أصحاب الإنجازات التاريخية.
وياعزيزي الدكتور يحيي الجمل.. يمكنك أن تكون معارضاً.. وأن تكون ناقداً.. وأن تدب الأرض حتي يشعر بك من لم يشعروا بك طيلة عمرك.. أثناء الرقص علي السلالم.. لكن عليك ألا تنسي ـ حتي وأنا لست متأكداً من فقهك الدستوري ـ أن هناك أصولاً.. وأن هناك قواعد في الاختلاف.. أم تراك لابد وأن تكون في حظوة رئيس مثل صدام حسين.. أو حاكم خليجي تزوره سراً.. لكي تلتزم المتعارف عليه في الاختلاف السياسي.
الموقع الإليكترونى: www.abkamal.net
البريد الإليكترونى : [email protected]