أمطار الشارقة والقاهرة
عبد الله كمال
من المدهش أنه وصلني في يوم واحد، بأساليب مختلفة، ثلاث رسائل، يريد أصحابها أن ينبهوني إلي الأمطار التي تعرضت لها إمارة الشارقة وأيضا دبي.. وكيف أدت إلي مشكلة كبيرة.. وشوارع غارقة.. وطرق مسدودة. لقد قال كل من أرسل لي هذه المادة والصور أن ذلك يمثل تعليقا من جانبهم يؤيد ما كتبته انتقاداً لتغطية صحف خاصة لأمطار القاهرة قبل أسبوع.. ورأت الصحف المصرية الخاصة أن ارتباك القاهرة يومها يعني أن البنية الأساسية التي شيدها الرئيس مبارك في 30 سنة لا قيمة لها.
الرسالة الأولي جاءتني علي البريد الإلكتروني من أحد القراء، وفيها صور لسيارات كادت أن تغطيها المياه في إمارة الشارقة، والرسالة الثانية من صديق تليفزيوني كان يزور دبي يوم الخميس.. وعاد من هناك ليعطيني نسخا من مجموعة الجرائد الإماراتية التي صورت الموقف المؤلم.. والثالثة جاءتني علي موقع الفيس بوك من إعلامي آخر.. فيها صور يتم توزيعها علي الموقع تظهر حجم المشكلة.
طبعا أنا مبسوط لأن رسالتي وصلت إلي عدد من الناس، وبعضهم بادر لكي يؤكد عليها بأمثلة فرضتها الصدف.. وقبل أيام ـ كما أشرت من قبل ـ تعرضت فرنسا لإعصار زينيتا الذي غطي الشوارع بالأمطار وأطاح بالكثير في طريقه.. حتي أن فرنسا طلبت معاونة الاتحاد الأوروبي.. ولم يقل أحد أن البنية الأساسية التي بنتها فرنسا في عصور مختلف الجمهوريات قد انهارت.
المشكلة ليست في الوقائع.. الظروف المناخية تخلق يوميا تحديات غير متوقعة لأعتي الدول.. وتختبر قدرتها علي تخطي الموقف.. والقاهرة تخطت الأمطار غير المسبوقة في 24 ساعة.. وإن كان الآلاف عانوا من زحام مروري مفهومة مبرراته لساعات يوم الخميس قبل الماضي.. وأنا حوصرت مع عائلتي لثلاث ساعات في الطريق الدائري في القطامية يوم الجمعة بسبب بقايا الأمطار.
وتخطت فرنسا الموقف بعيد أيام. وكذلك لابد أن نتوقع انتهاء الموقف في دبي والشارقة.. وكلتاهما إمارة براقة وتتمتع بقدرات كبيرة جدا.. علي مستوي البنية التحتية.. لكن التجهيز تم علي أساس مواصفات المناخ الصحراوي الذي لا يتوقع له أن يؤدي إلي أمطار بهذه الكثافة من الهطول.
الموضوع هو كيف تعامل الإعلام والصحافة خصوصاً مع الموقف في الإمارات وفرنسا.. الصحف هناك لم تجد في الأمر العارض فرصة لتصفية حسابات سياسية بطريقة غير موضوعية.. ولا بقدر هائل من التجني.. ولا بتربص مكشوف الأبعاد.. ولا بأسلوب ينم عن افتقاد للاتزان في الأحكام وإصدار مواقف إعلامية لا وزن لها ولا مصداقية.. ولا معالجات تهدف إلي الشحن.
المسألة المتعارف عليها هي أنه حين تقع أزمة من هذا النوع ـ والأمطار لم تكن أزمة كبيرة علي أي حال ـ يقف الجميع في خندق التعاون لكي يعبر المجتمع الموقف.. ثم بعدها تحين المحاسبة والمساءلة إن كانت لها ضرورة موضوعية.. أي أن يقوم الإعلام بدوره الإنساني أولا.. فلا يكون له قلب قاس غير مدرك لواجبه.. وقبل أيام شاهدت تقريرا علي محطة (24) الفرنسية عن إذاعة في شيلي تحولت إلي إذاعة أسماء المفقودين وأصبحت قبلة لجميع العائلات وألغت كل برامجها.. لكي تتشارك مع الناس في كارثة الزلزال الشرس الذي ضرب البلد.
وأتخيل أنه لو كانت تلك الإذاعة مصرية خاصة لتسلحت بقلب جامد وحولت كل برامجها للهجوم علي الحكومة التي لا تجد المفقودين.. والإدارة التي لم تستعد لزلزال غير مسبوق.. وكيف أنه كان عليها أن تبني البيوت بالخرسانة المضاعفة.. وشيء مثل هذا حدث من قبل في حريق زينهم وفي كارثة الدويقة.. بل وفي زلزال 1992 في القاهرة.. إنها ببساطة البصيرة المعمية.. والصحافة التي لا تخلص لمهنيتها.
الموقع الإليكترونى: www.abkamal.net
البريد الإليكترونى : [email protected]