الجمعة 19 أبريل 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أيمن عبد المجيد

الطريقة البرادعية




بالعقل‮: ‬أيهما أسهل علي الدكتور محمد البرادعي،‮ ‬أو أي راغب في الترشيح للانتخابات الرئاسية‮.. ‬أن‮ ‬يجمع‮ ‬250‮ ‬مؤيدًا من بين أعضاء مجلسي الشعب والشوري وأعضاء‮ ‬14‮ ‬مجلسًا محليا علي مستوي المحافظة‮.. ‬أم حشد الشعب كله لكي‮ ‬يقف معه في رغبته لتعديل الدستور بالطريقة السلمية؟

النضال السلمي ـ أو شبه السلمي الأقرب للعنف ـ لتغيير الدستور‮ ‬يقتضي طريقتين‮:‬ الأولي معروفة‮.. ‬وهي عن طريق القواعد القانونية‮.. ‬أي أن‮ ‬يتم إقناع الرئيس بأن‮ ‬يتقدم لمجلس الشعب بطلب تغيير مادة أو أكثر من الدستور‮.. ‬ومن ثم‮ ‬يستثمر أغلبية الحزب الذي‮ ‬يرأسه سياسيًا في إتمام ذلك‮.. ‬أو‮ ‬يتقدم بهذا الطلب عدد من أعضاء مجلس الشعب‮.. ‬ويوافق البرلمان علي ذلك عبر أساليب قانونية لها خطواتها المتتالية‮.. ‬وبالطبع الأغلبية التي تملك الشرعية‮ ‬غير مقتنعة بهذا‮.‬

الطريقة الثانية‮ ‬غير معروفة في تاريخ مصر‮.. ‬ولكنها نظريا تقتضي أن‮ ‬يتم حشد قدر هائل من السكان‮.. ‬بحيث‮ ‬يعلنون رسالة واضحة جدًا لا‮ ‬يمكن تجاهلها‮.. ‬وبما‮ ‬يؤدي إلي فقدان القانون لشرعيته‮.. ‬بدون اللجوء لصندوق انتخاب‮.. ‬أي عصيان مدني شامل وعام‮.. ‬لا‮ ‬يمكن تجاوز حقائقه‮.. ‬وبحيث‮ ‬يخرج الناس ويرون أنه لا أولوية لهم في الحياة سوي تعديل هذه المادة أو تلك أو أكثر من الدستور‮.. ‬وإذا كان المصريون لم‮ ‬يفعلوا هذا ذات‮ ‬يوم من أجل لقمة الخبز فهل‮ ‬يمكن المراهنة علي أنهم سوف‮ ‬يقومون بها من أجل تعديل‮ ‬يطلبه البرادعي علي الدستور‮.‬

الطريقة الأولي سلمية‮.. ‬والثانية قد تبدو سلمية‮.. ‬لكنها باليقين سوف تكون ما‮ ‬يعني محاولة الانقلاب علي القانون والنظام‮.. ‬ومن ثم تعني أن البلد لم‮ ‬يعد فيه نظام أصلاً‮.. ‬وليس مجرد إبداء الرغبة في تعديل مادة أو مادتين من الدستور‮.. ‬ويكون الموضوع أكبر من هذا العنوان‮.. ‬إذا ما افترضنا أنه سوف‮ ‬يتمكن أحد من إقناع الناس‮ (‬القطاع الأغلب من‮ ‬80‮ ‬مليون مواطن‮) ‬بما‮ ‬يناقض مصالحهم‮.. ‬أو‮ ‬يقنعهم أن الواقع القانوني والنظام الحالي ضد مصالحهم‮.. ‬ولابد من تغييره بطريقة قسرية‮.‬

الدكتور محمد البرادعي من اللحظة الأولي لظهوره أعلن أنه لن‮ ‬يترشح للانتخابات إلا إذا تمت الاستجابة لشروطه‮.. ‬واشتراطاته‮.. ‬ومجموعة من الطلبات المتعالية التي قال إنه لابد منها لكي‮ ‬يقبل‮.. ‬ومن ثم فإنه حين جاء إلي مصر وبمجرد أن وصل أعلن عن تأسيس ما سمي الجمعية الوطنية للتغيير‮.. ‬وقال إن هدفه هو خوض النضال السلمي لتعديل الدستور‮.‬

إذن‮. ‬هو لا‮ ‬يوافق علي السيناريو الأول‮.. ‬في الجزء الأول من الفقرة الأولي في هذا المقال‮.. ‬أي القبول بشروط الدستور‮. ‬وبالتالي فإنه قفز إلي ما هو أبعد وهو تعديل الدستور‮.. ‬وبالطبع هو لا‮ ‬يملك الأدوات أو الطاقة أو القدرة التي تجعله قادرًا علي إقناع أي ممن‮ ‬يحق لهم التقدم بطلب تعديل الدستور‮.. ‬أي الرئيس‮.. ‬أو عدد مقرر دستوريا من أعضاء مجلس الشعب‮.. ‬يعني هو‮ ‬يريد السيناريو التالي‮: ‬حشد الناس لتعديل الدستور‮.. ‬وهو حشد لو تم فإنه‮ ‬يعني أن الدستور كله قد سقط معنويًا وأن الاستقرار انتهي‮.. ‬وتكون تلك لحظة ميلاد نظام مختلف وواقع مختلف‮.‬

النتيجة هي أن البرادعي بما أعلنه لا‮ ‬يريد تغييرًا سلميا‮.. ‬وأن حديثه عن تغيير من هذا النوع هو مجرد كلام في الهواء الطلق‮.. ‬يهدف به إلي ما هو‮ ‬غير معلن‮. ‬إلا إذا كان لم‮ ‬يدرك هذه السيناريوهات وتعجل أمره‮.. ‬وصرح بما لا‮ ‬يقدر عليه‮.. ‬ولم‮ ‬يتريث التفكير‮.. ‬ولم‮ ‬يستوعب أن للكلام ثمنًا‮.‬

أظن أن الدكتور محمد البرادعي‮ ‬يمتلك إمكانيات تفكير أعمق من هذا‮. ‬ولابد أنه لم‮ ‬يحمل نفسه بما لا تطيق‮. ‬وقد‮ ‬يكون الاحتمال المتخيل لديه هو أن‮ ‬يعتقد أن صخبا سياسيًا مناوئا للقانون‮.. ‬يساعده فيه الإعلام الخاص‮.. ‬وعوامل أخري‮.. ‬خصوصًا الإعلام الأجنبي‮.. ‬قد‮ ‬يؤدي إلي اختلاق حالة ضاغطة تدفع صانع القرار إلي القبول بفكرة تعديل الدستور تلبية لشروط محمد البرادعي‮.‬

والسؤال هو‮: ‬هل الإعلام قادر علي أن‮ ‬يحدث تلك الضغوط علي صانع القرار؟ سوف أقول نعم افتراضًا‮.. ‬إذن ما هي الحاجة وقتها لما سمي بالجمعية الوطنية للتغيير‮.. ‬فلتقم إذن بهذه العملية‮ ‬غير السياسية مجموعة برامج التليفزيون والصحف الخاصة‮.. ‬اللهم إلا إذا كان كل هذا سحب دخان هدفها التغطية علي مبدأ‮ (‬الاستعانة بصديق‮).. ‬من خارج الصندوق‮.. ‬وبعيدًا عن الصندوق‮.. ‬صديق من خارج مصر‮.‬



الموقع الإليكترونى: www.abkamal.net

البريد الإليـكترونى : [email protected]