الطريقة البرادعية
عبد الله كمال
بالعقل: أيهما أسهل علي الدكتور محمد البرادعي، أو أي راغب في الترشيح للانتخابات الرئاسية.. أن يجمع 250 مؤيدًا من بين أعضاء مجلسي الشعب والشوري وأعضاء 14 مجلسًا محليا علي مستوي المحافظة.. أم حشد الشعب كله لكي يقف معه في رغبته لتعديل الدستور بالطريقة السلمية؟
النضال السلمي ـ أو شبه السلمي الأقرب للعنف ـ لتغيير الدستور يقتضي طريقتين: الأولي معروفة.. وهي عن طريق القواعد القانونية.. أي أن يتم إقناع الرئيس بأن يتقدم لمجلس الشعب بطلب تغيير مادة أو أكثر من الدستور.. ومن ثم يستثمر أغلبية الحزب الذي يرأسه سياسيًا في إتمام ذلك.. أو يتقدم بهذا الطلب عدد من أعضاء مجلس الشعب.. ويوافق البرلمان علي ذلك عبر أساليب قانونية لها خطواتها المتتالية.. وبالطبع الأغلبية التي تملك الشرعية غير مقتنعة بهذا.
الطريقة الثانية غير معروفة في تاريخ مصر.. ولكنها نظريا تقتضي أن يتم حشد قدر هائل من السكان.. بحيث يعلنون رسالة واضحة جدًا لا يمكن تجاهلها.. وبما يؤدي إلي فقدان القانون لشرعيته.. بدون اللجوء لصندوق انتخاب.. أي عصيان مدني شامل وعام.. لا يمكن تجاوز حقائقه.. وبحيث يخرج الناس ويرون أنه لا أولوية لهم في الحياة سوي تعديل هذه المادة أو تلك أو أكثر من الدستور.. وإذا كان المصريون لم يفعلوا هذا ذات يوم من أجل لقمة الخبز فهل يمكن المراهنة علي أنهم سوف يقومون بها من أجل تعديل يطلبه البرادعي علي الدستور.
الطريقة الأولي سلمية.. والثانية قد تبدو سلمية.. لكنها باليقين سوف تكون ما يعني محاولة الانقلاب علي القانون والنظام.. ومن ثم تعني أن البلد لم يعد فيه نظام أصلاً.. وليس مجرد إبداء الرغبة في تعديل مادة أو مادتين من الدستور.. ويكون الموضوع أكبر من هذا العنوان.. إذا ما افترضنا أنه سوف يتمكن أحد من إقناع الناس (القطاع الأغلب من 80 مليون مواطن) بما يناقض مصالحهم.. أو يقنعهم أن الواقع القانوني والنظام الحالي ضد مصالحهم.. ولابد من تغييره بطريقة قسرية.
الدكتور محمد البرادعي من اللحظة الأولي لظهوره أعلن أنه لن يترشح للانتخابات إلا إذا تمت الاستجابة لشروطه.. واشتراطاته.. ومجموعة من الطلبات المتعالية التي قال إنه لابد منها لكي يقبل.. ومن ثم فإنه حين جاء إلي مصر وبمجرد أن وصل أعلن عن تأسيس ما سمي الجمعية الوطنية للتغيير.. وقال إن هدفه هو خوض النضال السلمي لتعديل الدستور.
إذن. هو لا يوافق علي السيناريو الأول.. في الجزء الأول من الفقرة الأولي في هذا المقال.. أي القبول بشروط الدستور. وبالتالي فإنه قفز إلي ما هو أبعد وهو تعديل الدستور.. وبالطبع هو لا يملك الأدوات أو الطاقة أو القدرة التي تجعله قادرًا علي إقناع أي ممن يحق لهم التقدم بطلب تعديل الدستور.. أي الرئيس.. أو عدد مقرر دستوريا من أعضاء مجلس الشعب.. يعني هو يريد السيناريو التالي: حشد الناس لتعديل الدستور.. وهو حشد لو تم فإنه يعني أن الدستور كله قد سقط معنويًا وأن الاستقرار انتهي.. وتكون تلك لحظة ميلاد نظام مختلف وواقع مختلف.
النتيجة هي أن البرادعي بما أعلنه لا يريد تغييرًا سلميا.. وأن حديثه عن تغيير من هذا النوع هو مجرد كلام في الهواء الطلق.. يهدف به إلي ما هو غير معلن. إلا إذا كان لم يدرك هذه السيناريوهات وتعجل أمره.. وصرح بما لا يقدر عليه.. ولم يتريث التفكير.. ولم يستوعب أن للكلام ثمنًا.
أظن أن الدكتور محمد البرادعي يمتلك إمكانيات تفكير أعمق من هذا. ولابد أنه لم يحمل نفسه بما لا تطيق. وقد يكون الاحتمال المتخيل لديه هو أن يعتقد أن صخبا سياسيًا مناوئا للقانون.. يساعده فيه الإعلام الخاص.. وعوامل أخري.. خصوصًا الإعلام الأجنبي.. قد يؤدي إلي اختلاق حالة ضاغطة تدفع صانع القرار إلي القبول بفكرة تعديل الدستور تلبية لشروط محمد البرادعي.
والسؤال هو: هل الإعلام قادر علي أن يحدث تلك الضغوط علي صانع القرار؟ سوف أقول نعم افتراضًا.. إذن ما هي الحاجة وقتها لما سمي بالجمعية الوطنية للتغيير.. فلتقم إذن بهذه العملية غير السياسية مجموعة برامج التليفزيون والصحف الخاصة.. اللهم إلا إذا كان كل هذا سحب دخان هدفها التغطية علي مبدأ (الاستعانة بصديق).. من خارج الصندوق.. وبعيدًا عن الصندوق.. صديق من خارج مصر.
الموقع الإليكترونى: www.abkamal.net
البريد الإليـكترونى : [email protected]