عيون البرادعي
عبد الله كمال
سوف أفترض جدلاً أن الرسالة التي يطرحها الدكتور محمد البرادعي علي الناس مقبولة وحيوية وضرورية.. ولابد من الاستجابة لها فورًا. حسنا.. هي كذلك.. ولو كان هذا خيالاً.. ولكن من الذي يبيعها للناس.. من يسوقها بينهم.. ويطلب منهم أن يقفوا خلفه لدعمه وتعضيده والذهاب معه إلي أبعد مدي من أجل تحقيق حلمه الشخصي.
أي قضية لابد لها من مناد.. وسوف أفترض أن نقاط القصور في جاذبية القضية التي لا تثير اهتمام الناس حقا.. تعوضها الشخصية المنادية.. وهي هنا الدكتور محمد البرادعي.. فماذا إذن يمثل لدي الناس.. إنهم لن يخرجوا من أجل عيونه ولكن من أجل مصالحهم التي يمثلها.
الدكتور محمد البرادعي، مصري محترم، مرموق دوليًا، لديه شبكة علاقات واسعة، يعرفه زعماء الدول شخصيا، بخلاف أنه من بين المصريين الأربعة الفائزين بجائزة نوبل.. فإنه يتلقي التكريمات الدولية في مختلف العواصم.. خصوصًا في العالم الغربي.. عاصمة تلو أخري تقف في طابور تكريمه.. إلي الدرجة التي شغلته عن أن يقضي وقتًا أطول في مصر لكي يواصل النضال من أجل تعديل الدستور الذي أجله إلي حين عودته.
كل هذا جميل بالطبع.. ولكن أي طبقة في المجتمع يمثل البرادعي.. أي فئة.. هل يعرف المجتمع.. وهل يعرفه المجتمع.. هناك فرق هائل جدًا بين أن تتكلم إلي الناس في التليفزيون وبين أن تطلب منهم الخروج معك ووراءك.
إن أي مهاجر كون ثروته في الخارج حين يعود بعد سنوات طويلة لكي يعمل في السوق لابد أن يخضع لقواعده.. وأن يتعرف علي ثقافته ومعادلاته.. وإلا فإنه سوف يخسر الجلد والسقط في أول مفترق طرق لا يدري أبعاده.
وأي عالم حصل علي شهادة كبيرة في الخارج لا يمكنه أن يحمل علمه ويقرر إطلاق المشروعات في المجتمع بمقاييس الغرب الذي تعلم فيه.. فالواقع بينه وبين أحلامه مسافات كبيرة ومساحات هائلة.
وكما قلت من قبل من حق أي مواطن أن يصبح رئيسا للجمهورية بشرط أن يكون قد عاش في الجمهورية.. وتنطبق عليه شروط الدستور.. كما أن عضوًا في أي ناد يمكنه أن يصبح رئيسًا للنادي بشرط أن يكون أولاً عضوًا فيه.. وأي شخص يستطيع أن يصبح رئيسًا لاتحاد ملاك عمارة.. ولكن عليه أولاً أن يسكن في العمارة.
نختلف أو نتفق مع هذا الساكن. إنف.. متكبر.. يحب الجيران.. متعاون مع السكان.. يقيم في عمارة فخيمة.. يعيش في عشة.. عنده سيارة.. لديه وقت فراغ للعمارة.. عنده رغبة في العمل التطوعي.. أيًا ما كان.. المهم أنه موجود.. ويُعرف.. وليس بعيدًا عن الحي.. وليس هابطًا بمظلة غامضة الخيوط علي المجتمع.
وكون الدكتور البرادعي شخصية مصرية عظيمة فإن هذا لا يعني أنه يعرف مصر كما يعرفها من يعانون من واقعها ويجتهدون لتعديلها.. القفز المفاجئ لا يعطي صاحبه أي شرعية مهما كانت قيمته.. خصوصا إذا كان لم يقل جملة كاملة.. ولم يكشف عن رؤية لها معني واضح.. بل يطرح شروطًا علينا قبل أن يبادر بمساعدتنا في إصلاح أحوالنا.
ما هذا المنطق المدهش.. مناضل مفاجئ.. بلا خبرة في الشئون الداخلية.. أول خطوة له أوقعته في مجموعة من الفاشلين سياسيًا.. وأول اجتماع له عقده مع بعض مثيري الجدل الذين لم يقرأ تاريخهم.. كيف نثق فيه وهو يرتكب تلك الماسأة من أول لحظة.. ويناقض ما يطالب به.. أي الإجماع الذي وضعه في شروطه قبل أن يحل علي بلده عائدًا لفترة مؤقتة.. من قال إن من أحاط بهم نفسه هم مجموعة من الذين يحظون بالإجماع.. ما الشرعية التي تبرر جعلهم يكونون متحدثين باسمنا.. أو باسم رسالة التغيير؟
وللحديث بالطبع أكثر من بقية.
الموقع الإليكتروني : www.abkamal.net
البريد الإليكتروني : [email protected]