الجمعة 19 أبريل 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أيمن عبد المجيد

هلع البرادعي




لا أستطيع أن أفهم علي الإطلاق حالة الخشية التي يتقمصها البرادعي ومناصروه من أي مساس به أو اقتراب منه أو انتقاد له‮.. ‬كيف يمكن أن يطرح سياسي نفسه علي الساحة‮.. ‬ويقدم علي تحركات علنية‮.. ‬ويعلن مواقف‮.. ‬وأجندة‮.. ‬وجمعية لتنفيذ الأجندة‮.. ‬ولا يريد من أي أحد آخر أن يقترب منه أو يجادله أو يناقشه‮.‬

تصور هذه الحالة نفسها ضد الديمقراطية‮.. ‬وتخالف منطقها وأصولها وقواعدها وحراكها‮.. ‬أي الديمقراطية‮.. ‬وأي سياسي‮ ‬لا ينبغي له أن يكون محصناً‮ ‬أو كما أقول كثيراً‮ (‬مقدساً‮).. ‬وإذا كان للبرادعي مناصرون فإن له مختلفين معه كثيرون جداً‮ ‬وأضعافاً‮ ‬مضاعفة‮.. ‬إذ إنه لا نبي ولا ملاك‮.. ‬ولا يوجد إجماع علي البشر‮.. ‬وما يقوله ليس قرآنا علي أي حال‮.‬

يقولون إن الصحافة القومية تشوه أي مرشح‮ ‬غير مرشح‮ ‬يطرحه الحزب الوطني‮.. ‬وهذا كلام فارغ‮.. ‬ويعبر عن هشاشة‮.. ‬ومواقف ضعيفة‮.. ‬ببساطة لأن الصحف لا تصنع الحقائق وإنما الحقائق تعلن عن نفسها‮.. ‬والجدل الموضوعي الدقيق‮ ‬غير الشخصي لا يمكن أن يهز أصحاب المواقف الموثوقة الذين يؤمنون حقاً‮ ‬بأن ما يفعلونه ويعلنونه لا‮ ‬غبار عليه ويمتلك البنيان العضوي المتحصن بعقلانيته وتحقيق مصالح الناس‮.‬

السياسيون لا يمكن أن يوضعوا في حضانة بعيداً‮ ‬عن تيارات الهواء‮.. ‬لو طلبوا ذلك وهم في مراحل التمهيد لخوض الحياة العامة في‮ ‬بلد‮ ‬غابوا عنه‮ ‬30‮ ‬سنة‮.. ‬كيف بهم أن يصمدوا أمام الضغوط والأنواء والعقبات والعراقيل التي توضع أمام قيادات الدول وتفرض عليهم‮.. ‬وتمثل اختبارات كل لحظة‮.. ‬ولابد من التعامل معها‮.. ‬من يهلع من مقال هنا أو هناك لا يمكن الوثوق في قدرته علي فعل شيء في ظروف‮ ‬أخري أشد قسوة‮.‬

إن البرادعي‮ ‬يجب أن‮ ‬يقبل اختبار‮ "الصلادة‮".. ‬وإلا فإننا سنكون أمام سياسي كالزجاج‮.‬

ويقول بعض الناس إن انتقادنا للبرادعي وتقييمنا الموضوعي له إنما يصنع له هالة ويخلق منه حالة‮.. ‬وهذا‮ ‬كلام أختلف معه وأرفضه‮.. ‬إن حالته تصنع‮.. ‬وليس علي أي متابع أن ينتظر حتي يكتمل الصنع الهش‮.. ‬ثم يبدأ في مناقشة تلك الحالة‮.. ‬لابد من التعامل فوراً‮ ‬مع الظواهر‮.. ‬لاختبار قدرتها علي الصمود وصلاحياتها للتواجد وتعريض مصداقيتها للتحليل‮.. ‬وإلا فإنها سوف تكون وهماً‮ ‬بُني علي حشود‮ ‬من الفقاعات‮.‬

نحن نفيد البرادعي حين ننتقده‮.. ‬ونفيد الحياة السياسية‮.. ‬ونفيد‮ ‬غيره‮.. ‬كما أن المعاملة لابد أن تكون بالمثل مع كل المتفاعلين علي الساحة لا استثناء لأحد‮.. ‬ولم يطلب أحد من قبل أن يستثني من أي اتجاه آخر فلماذا يطلبون استثناءً‮ ‬للبرادعي؟

والأهم،‮ ‬أنه رغم كل الحملات التي توجه للصحافة القومية،‮ ‬فإنها تعبر عن اتجاهات وتيارات حقيقية في‮ ‬المجتمع،‮ ‬رأي عام ينتظر أن يسمع وجهة نظرها‮.. ‬كيف يمكن إذن أن تسكت ولا تسدد ما عليها من واجبات تجاه من يقرؤها‮.. ‬وإذا كان البرادعي قد امتنع عن الإدلاء بأي‮ ‬حوارات أو تصريحات للصحافة القومية‮.. ‬بل هاجمها ووصفها بأنها نشرات حكومية‮.. ‬بل في مطار القاهرة اقترب منه المندوبون لكي‮ ‬يحصلوا منه علي تصريحات‮.. ‬فقالت له زوجته إن المندوبين من الصحافة القومية‮.. ‬فرضخ لها وابتعد والتزم الصمت‮.‬

أنت إذن لاتريد أن تحاور الصحافة القومية‮.. ‬وتشتمها‮.. ‬فكيف بنا يمكن ألا نقدم للقارئ الخدمة العادية والبسيطة المتمثلة في التغطية الخبرية والتعليق التحليلي‮.. ‬دون أن أتجاهل ملاحظة مهمة جداً‮.. ‬وهي أنني لا أستطيع أن أستوعب كيف يمكن لسياسي يريد إجماع الشعب خلفه أن يختصم فريقاً‮ ‬من الصحافة‮.. ‬ولن أذكره أن هذا الفريق هو الكتلة الأعظم فيها‮.. ‬ماذا يسمي هذا في عالم السياسة؟

إذا كان جديراً‮ ‬بما يقدم نفسه له‮.. ‬فليقبل بقاعدة الإعلام الحر‮.. ‬وليرتض تنوع الآراء‮.. ‬أليست تلك طبيعة المنافسة في ديمقراطية سليمة يقول إنه يسعي إليها‮.. ‬كيف يقبل بفكرة الحزب الديني بكل ما تحمل‮ ‬من دلالات خطيرة وتفجيرات طائفية وتهديدات نوعية لمستقبل البلد‮.. ‬ويرفض أن تناقشه الصحافة القومية‮.. ‬ما هذا الهلع‮.. ‬وما تلك الهشاشة في التفاعل؟
 
الموقع الإليكتروني : www.abkamal.net
البريد الإليكتروني   : [email protected]