الخميس 18 أبريل 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أيمن عبد المجيد

فول بالبسبوسه




البشر يختلفون.. لكن البعض لا يمكنه أن يؤمن بهذه الحقيقة.. لا يستطيع أن يستوعب أن لكل منا ميزاته ومقوماته وإمكانياته.. فيهرول وراء كل شيء حتي تنقطع أنفاسه.. ويبدو (بهلولاً) أمام الجميع.. إلي أن يسقط محاطاً بنظرات الإشفاق.. لا يمكنه إلا أن يسمع أصوات (مصمصات) التعازي.

هذه الحالات تقابلها كل يوم.. تعبر عن نفوس غير قنوعة.. ولا تعرف ذاتها.. ولا تريد حتي أن تتعرف علي نفسها.. عيناها تلاحق الآخرين قبل أن تنظر داخلها.. موظف يريد أن يصبح بطلاً قوميًا.. أديب يريد أن يكون زعيمًا سياسيًا بعد أن فشل في طب الأسنان.. كاتب يتمني أن يلعب كرة القدم ويحلم بأجور أبوتريكة وميدو وجدو وعمرو زكي مجتمعين.. أستاذ جامعة يتحول إلي كاتب فاشل بعد أن أخفق في عشرات من الفرص التي أتيحت له.. كلهم وغيرهم ينسون أن الحياة سياق واتساق.. وأن الطلقات المبعثرة لا يمكن أن تصيب الدائرة السوداء في لوحة التنشين.

المشهد بطريقة ساخرة يشبه شخصًا تخيل أنه يستطيع أن يعد وجبة عامرة لذيذة إذا أضاف إليها كل المكونات التي يضعها الآخرون في أكلاتهم.. فيضيف الفول إلي البسبوسة.. مع الكنافة بالمش.. والفسيخ بالسكر.. والبصل بالعسل.. والثوم بالقشدة.. ثم يضع كل هذا في الخلاط.. ويمزجه بالفلفل الأسود والأبيض مع الكمون والفانيليا والكاكاو.. وكثير من الزيت والماء وعصير الطماطم والبرتقال.. وقد يقنع هذا الطباخ المبهر نفسه بأهمية إضافة (صوص) الفراولة والشيكولاتة إلي كل هذا (العك) لكي يكون أطعم.. وقبل أن ينتهي فإنه سوف يجمل كل إبداعه بعدد من (بولات) الآيس كريم والمكرونة والفطير البلدي.

إن بعض الناس يقدمون علي هذا الأسلوب في الطهو.. ويضعون كل ذلك في الفرن.. ويعتقدون أنه سوف يكون شهيًا علي أي مائدة.. فإذا ما تقزز الناس من (القرف) اعتقدوا أنهم مضطهدون ويعانون من حصار المواهب والقدرات.. ويظنون أن اسطبل عنتر سوف يكون ستراسبورج.. وإنك يمكن أن تطور حياة الناس حين تعرض لهم مسرحية البؤساء في منطقة عزبة الوالدة.

في السياسة والصحافة والفن.. تجد ذلك.. وحتي فيما بين أوساط دعاة الدين.. والعلاج بسيط جدًا: كن نفسك.. واعرف ذاتك.. واكتشف ما بها.. واصنع دورك.. في إطار إمكانياتك.. واخلق وسيلة، منها وليس من غيرها، لكي يكون هناك مبرر لوجودك.. ولكي يتم تقدير فعلك.. والاهتمام بما تبذل من جهد.

هذه أحد أهم مشكلاتنا.. انظر حولك - ليس علي طريقة تنظيم الأسرة القديمة - لكي تجد عشرات النماذج: كاتب يريد أن يجد لنفسه موقعاً في مؤسسة الرئاسة.. (عبدالمأمور) يريد أن يكون سعد زغلول.. رجل أعمال متقاعد يتسلي بالحديث عن انتخابات الرئاسة والإصلاح الدستوري.. سكير عربيد يقدم نفسه علي أنه رسول الإصلاح.. تائه ضائع يرغب في أن يعترف به كاتبًا كبيرًا مرموقًا.. فاسد ومتحرش سابق بالطالبات يدافع عن الكرامة والأخلاق.. وفاسد أصيل يبكي أمام الشاشات علي أنه يتعرض للعنت.

وذات مرة قبل سنوات كنت أجلس مع مغنٍ شهير.. فقال في لحظة تجلي: سوف ينصلح هذا البلد إذا قام كل منا بدوره كما ينبغي: المغني والسياسي وجامع القمامة.. وحتي اللص.

معه حق.. لكن عامل النظافة يجد أن عليه النظر إلي ما في داخل السيارات بدلاً من أن ينشغل بما يجمعه من الطرقات .. ومعارضون يعبثون بضعف ثقافة الناس فيخلطون بين دور الرئيس والمحافظ.. ويوهمون الناس بأن الحكومة مسئولة عن ارتفاع درجة الحرارة وهي أيضًا معنية بموجة البرد.. ومثقفون لا يفكرون من أجل المجتمع ولكن من أجل اقتناص الوظائف.. ودعاة دين يفاوضون المحطات علي الأجور كما لو أنهم مذيعون.. ولاعبو كرة أصبحوا يخططون للإعلام.. وضعفاء يؤكدون أنهم بارعون في رفع الأثقال والقفز بالزانة ويؤكدون أنهم يسجلون الأهداف في كرة القدم.. وموهوبون في الرجبي والبيسبول والسباحة معاً.

أنت لا تستطيع أن تخلط الفول بالبسبوسة ثم تظن أن هذا سوف يكون طعاماً شهياً.. علي الأقل هذا هو ذوقي.. إذ إنني متأكد أن هناك من سوف يكتب ليقنعنا بأن هذا ممكن.. وأنه قد جربه واستمتع.. وأن تلك هي الوسيلة الوحيدة لتقدم البلد!
 
الموقع الإليكتروني :   www.abkamal.net

البريد الإليكتروني   :   [email protected]