الثلاثاء 16 أبريل 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أيمن عبد المجيد

الرئيس.. والمحافظ




ألحظ نوعاً من الخلط في المناقشات بين اختصاصات الرئيس.. واختصاصات المسئولين التنفيذيين.. ففي التعليقات المختلفة حول الأداء العام وحديث التغيير.. تجد الكثيرين يكلمونك عن حالة شوارع في مدن.. وعن زحام المواصلات.. ويصل الأمر في بعض الأحيان إلي أن تجد أن شخصا قد تبني موقفا معارضا من الحكم لأنه يعاني من بلطجي في منطقته.

ولهذا الخلط جذور سياسية وثقافية.. ففي تراثنا أن المواطن ـ حتي قبل أن نعرف معني المواطنة ـ كان إذا تعرض لظلم.. أو كانت له حاجة.. فإنه يطرق باب السلطان.. ويدخل مجلسه.. لكي يقضي حاجته.. فيحصل علي أمر بها.. وفي ذات التراث أن الملك كان يتخفي بين الناس لكي يعرف آراءهم.. ويطلع علي أحوالهم.. فإذا ما وجد ما يستوجب تدخله فإنه يفعل.

ولست علي ثقة من أن هذا كان هو الواقع الحقيقي في سالف التاريخ.. وإنما هذه قصص صنعها مروجو الحكايات عن السلاطين والملوك.. كيف كان يمكن لعمرو بن العاص مثلا أن يعرف كل أحوال مصر بنفسه.. وأن يقضي في كل شأن بذاته..المساحات كانت كبيرة.. والاتصالات ليست علي حالتها العصرية الآن.. ولو أن مصريا من «أعمال أسيوط» أراد أمرا لم يكن سيدري به بالتأكيد أي وال يحكم مصر.

لكن هذه الانطباعات رسخت في ذهن الناس.. وعضدتها مركزية الحكم والإدارة.. بخلاف أنه لا يوجد تثقيف سياسي يوضح للناس ما هو الفرق بين دور الرئيس ودور الحكومة ودور الوزير ودور المحافظ.. فضلا عن أن هناك خلطا ما بين أن الرئيس قد اختار شخصا ما لكي يقوم بأمر ما.. وبين تحمل من اختاره لمسئولية ما يقوم به هذا الذي اختير.

أنا شخصيا أعتقد أن ثلاثة أرباع المزاج العام سوف يتعدل إذا ما ارتقي أداء المحافظين.. خصوصا محافظ القاهرة.. صاحب هذا المنصب مسئول عمليا عن أغلبية حنق الناس علي أداء الإدارة.. كل من عاني في أتوبيس نقل عام.. أو حدثت له مشكلة مع ميكروباص.. أو وجد أن شارعه غير نظيف.. أو منطقته غير مخططة.. أو أن مخلفات البناء تلقي دون وازع في منتصف الطريق إلي بيته.. أو غير ذلك من مظاهر.. سوف يوجه إحساسه بالضيق إلي الإدارة كلها.. في حين أن الأمر لايتعلق سوي برئيس الحي.. أو حتي المحافظ.

أداء محافظ القاهرة، أيا كان ــ فقد فقدنا الأمل في صلاح المحافظ الحالي، وفي أن يعيد ترتيب شئونه وشئون المحافظة ــ مسئول عن الكتلة الجوهرية في تكوين الرأي العام المصري.. وإذا كان الناس غير سعداء بحال القاهرة.. فإن هذا ينعكس بوجه عام علي انطباعاتهم عن أداء الإدارة بشكل عام.

أنا لا أضع كل عبء الدولة علي رأس محافظ القاهرة لكن هذه هي الأمور بواقعيتها.. فالمواطن الذي يسجل ضيقه لا علاقة له بما تقول المعارضة عن تعديل الدستور.. أو المادة 76 .. أو استيراد المراقبين الدوليين لمتابعة الانتخابات.. أو أحاديث النخبة عن أداء أعضاء مجلس الشعب.

ويستفيد المعارضون من هذا الخلط في ذهنية الناس.. ويرسخونه بمضي الوقت.. ومن ثم يوهمونهم بأن أي تحقيق لمطالبهم وما ينادون به سوف يغير وجه الحياة برمتها.. في حين أن هذا غير حقيقي علي الإطلاق.. لأن البلد يحتاج إلي جهد مهول حتي ينطلق.. يتحمل المواطن مسئوليته بالأساس.. وأي متحدث عن التغيير لابد أن يشرح للرأي العام قبلا: كيف سيفعل هذا ومن أين سيموله وكيف سوف يحقق التوازن بين المطالب المختلفة وما هي ضمانات وفائه بما يعلن؟

الرئيس، كقيادة للحكم، ليس معنيا بتفاصيل كثيرة، ينبغي أن يقوم بها كل شخص في موقعه، ومسئوليته الأولي تنطوي علي حماية البلد وحفظ سيادته وإدارة عملية التنمية وحفظ الأمن والاستقرار وحماية البناء الاجتماعي وصون الأمن القومي للوطن.. وبالتأكيد هو ليس مسئولا عن أن موظفا يرتشي.. ثم تفاجأ بأن هذا الموظف هو نفسه الذي يخرج لكي ينتقد أن الفساد قد ضرب البلد!
 
الموقع الاليكتروني :  www.abkamal.net
البريد الاليكتروني   :  [email protected]