الخميس 25 أبريل 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أيمن عبد المجيد

سأتعشي.. وأرجعلك




لا يمكن وصف ما يعاني منه بنيامين نتانياهو حالياً بأنه (مشكلة)، أو (معضلة)، أو مجرد (أزمة).. فقد تحولت الأزمة بالفعل إلي (مأزق استراتيجي).. ويواجه نتانياهو خطرًا حقيقيا.. لا ينعكس عليه وحده.. بل علي مستقبل العلاقة بين واشنطن وتل أبيب.

والأزمة، كما يعرف الجميع، اندلعت حين صدق وزير حركة شاس في حكومة إسرائيل (ايلي يشاي) علي بناء 1600 مستوطنة في القدس.. وأعلن عن ذلك قبيل زيارة جوزيف بايدن نائب الرئيس الأمريكي لإسرائيل بساعات.. ما اعتبرته واشنطن ليس فقط (إهانة).. بل نوعاً من التحدي السافر من تل أبيب.

المؤكد أن نتانياهو استخف نوعاً ما برد فعل واشنطن.. ردود أفعاله منذ وقعت الأزمة تشير إلي ذلك.. إلي أن فوجئ بأن الموقف أكبر مما تحسّبه.. بدليل أنه ذهب إلي اجتماعات لجنة (إيباك) ليقول: إن القدس عاصمة لإسرائيل.. وقبل أن يلتقي أوباما..الذي طرح عليه ما قيل إنه (13) مطلبًا علي الأقل.. وراحت صحف إسرائيل تصف نتيجة لقاء باراك وبنيامين بأنها يمثل فشلاً ذريعًا لبنيامين.

الـ13 مطلباً تمثل بالتأكيد مجموعة من الإجراءات الموضوعية التي تخدم السلام من وجهة النظر الأمريكية.. وأهم ما في مجريات هذا الموقف أنه أخيرًا اعترفت واشنطن بأن الفلسطينيين قد نفذوا ما عليهم في خطة خريطة الطريق.. ولكن في الاتجاه إلي التعبير عن تلك المطالب كان نتانياهو قد تعرض لحملة صحفية شرسة لم تزل مستمرة.. تعبر عن ضغط أمريكي شكلي إلي جانب الموضوعي.

مثلا، سرّبت الولايات المتحدة أن قيادات الإدارة الأمريكية قد رفضت بداية لقاء نتانياهو.. ثم قوبل علي مضض.. ثم سربت أن أوباما ترك نتانياهو ساعتين لكي يتناول عشاءه وبعدها عاد إليه.. وهو ما نفي أمريكيا بطريقة غير جازمة.. وبعدها وصفت الصحافة الإسرائيلية الزيارة بأنها فاشلة تمامًا.. ثم أضافت الصحافة البريطانية إن إسرائيل بهذا الأداء تمثل خطرًا علي أمن الولايات المتحدة.. وقائد عسكري أمريكي كبير (بتريوس) قال: إن إسرائيل خطر علي أرواح جنودنا بتصرفاتها تلك.. وبعدها عاد ونفي أيضاً بطريقة غير جازمة.

إنهم يسحبون البساط من تحته إذن، يفقدونه مصداقيته، ويجعلونه تحت ضغط مهول.. ومن يري صور نتانياهو في اجتماع الحكومة الإسرائيلية بالأمس يدرك حجم الضغوط التي يعاني منها.. يا حرام.. وليس بعيدًا عن هذا المأزق طرد الدبلوماسي الإسرائيلي (ضابط موساد) من بريطانيا.. واتجاه دول أخري إلي إجراء مماثل.. علي خلفية استخدام جوازات سفر مزورة في عملية اغتيال الشهيد المبحوح في دبي.

زافي بارئيل، الكاتب في جريدة هاآرتس رفع مستوي المسألة بالأمس في مقاله إلي درجه أنه اعتبر أن نتانياهو ليس خطرًا علي أمن الولايات المتحدة، بل خطر علي أمن إسرائيل..وقال: «أمننا في خطر منذ جاء بنيامين.. وعلاقتنا بالولايات المتحدة متوترة جدًا.. وهو جاء بوزير خارجية أخرق أفسد علاقتنا مع بريطانيا ومصر والبرازيل وغيرها».. وليس بارئيل الوحيد الذي يقول ذلك في إسرائيل.

بعض المراقبين يتخيلون أن الحل الذي يمكن أن يلجأ إليه نتانياهو هو أن يطرد الوزير ليبرمان والوزير يشاي.. وما شابه.. وأن يعيد بناء تحالفات حكومته علي أساس ادخال ليفني وحزب كاديما.. وقد يكون هذا.. حلاً.. لكنه أيضا قد لا يكون، ففي الحكومة يوجد حزب العمل وايهود بارك الذي لا أعتقد أنه يمكن أن يجتمع مع ليفني وكاديما.. حكومة بهذه التركيبة الثلاثية لو تشكلت نكون أمام تغيير رهيب في إسرائيل لا يمكن أن يدوم.. كما أنه من المستبعد أن يضحي بباراك.. وإن كان حزب العمل نفسه يلمح إلي أنه قد ينسحب.

هو في مأزق.. سببه الأساسي هو عمليات الالتفاف والمماطلة.. والتسويفات.. المصحوبة بتصرفات رعناء علي الأرض.. وحسنًا فعلت القمة العربية حين لم تمنح نتانياهو طوق النجاة وعبرت علي من يطالبون بسحب المبادرة العربية للسلام.. فبقي نتانياهو خاضعًا لضغطها.. وأصبح محاصرا بحسن النية العربي المعلن أمام العالم.

إن إسرائيل قيد تغيير.
 

الموقع الإليكتروني:   www.abkamal.net
البريد الإليكتروني :   [email protected]