الجمعة 29 مارس 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
احمد باشا

«لحسة طحينة»!




احسبها معي: سندوتش طعمية.. مكوناته: قرص طعمية.. و(لحسة طحينة) ورائحة سلاطة.. ونصف رغيف بلدي (غالبًا مدعوم).. تكلفته الإجمالية بالكثير ــ مع الإفراط في التقدير ــ لن تزيد علي عشرين قرشًا.. ضع عليها خمسة قروش للعمالة والمصروفات الأخري.. هذا السندوتش يباع علي الأقل في أي محل فول وطعمية بجنيه، المكسب يساوي علي الأقل 300 %، ولو قلت: إن هناك عناصر مخفية في الحسبة ورفعت التكلفة إلي نصف جنيه، فإن هذا سيكون أربح استثمار في مصر.. وربما في العالم.

بسيطة جدًا: لو أن النفقات اليومية مائة جنيه.. أي تكلفة 400 سندوتش طعمية.. فإن المكسب يساوي 300 جنيه، وبنفس طريقة الحساب فإن المائة جنيه سوف تدر عائدًا سنويًا قدره 90 ألف جنيه.. يعني أرباحًا قدرها: تسعون ألفًا بالمائة.. لهذا السبب لا يتعامل الطعمجية في بورصة الأوراق المالية.

كيلو الفول بثمانية جنيهات تقريبًا.. لكن أرخص طبق فول في البلد سعره جنيهان بالعيش والسلاطات.. ما يعني بعد حساب التكاليف الإضافية (زيوت وعمالة ووقود وخضراوات وخبز مدعوم) إن المكسب قد يكون مائة بالمائة.. علمًا بأن بائع الفول لا يدفع إيجارًا للشارع الذي يروج فيه بضائعه علي عربة متجولة.. ولا هو يمسك دفاتر ولا يدفع ضرائب ولا يؤمن علي العمال.

طبق الكشري الآن في المتوسط بعشرة جنيهات.. قل إن فيه ما لا يقل عن 200 جرام أرز و200 جرام مكرونة ورائحة العدس وشموم من البصل.. وبعد حساب كل الإضافات ومراعاة كل الاعتبارات. زيوت وتوابل وشطة وثوم وعمالة وضرائب ورشاوي للمحليات.. فإنك بعد المبالغة سوف تكتشف أن المصروفات خمسة جنيهات.. والمكسب خمسة جنيهات.. مائة بالمائة.. وبارك الله فيما رزق لمن رزق.

كوب الشاي في أرخص أحواله بجنيه.. علمًا بأن كيلو السكر قبل التخفيض الأخير سعره أربعة جنيهات (كيلو السكر يحلي 150 كوبًا).. وباكو الشاي قد يكفي لتلقيم 15 كوبًا وسعره جنيه ونصف الجنيه.. والماء تبيع الحكومة منه المتر المكعب بـ14 قرشًا.. ما يعني أيضًا أن المكسب قد يكون 400 % إذا ما قلنا إن تكلفة كوب الشاي تساوي 20 قرشًا.

أضف إلي ذلك مثالاً آخر.. باكو المعسل سعره جنيهان.. يمكن أن يجهز المقهي منه علي الأقل 20 حجر شيشة.. ضع فوقها تكلفة الفحم والعمالة واستهلاك الماكينة والكراسي والضرائب وإيجار العقار ورشاوي المحليات وإكراميات الصحة.. سوف تجد أن التكلفة لا تزيد علي 30 قرشًا مع (الرحرحة).. وأرخص سعر حجر معسل في مصر بجنيه.. ما يعني أن المكسب لا يقل عن 70 قرشًا في كل منها.. أي فوق الـ200 %.

سندوتش الكبدة يباع في المحلات المتوسطة بـ14 جنيهًا.. خليط من البصل والفلفل والزيوت والبهارات مع الخبز وقليل من الكبدة التي يباع الكيلو المجمد منها بـ20 جنيهًا.. وسيكون المكسب تقريبًا في كل سندوتش نحو تسعة جنيهات إن لم يكن عشرة جنيهات.

لن أكلمك عن أسعار هذه الأطباق الشعبية في المحلات الفخيمة.. فهي أضعاف ذلك.. وتضاف عليها ضرائب الخدمة ورسوم أخري.. لزوم ما يلزم وما لا يلزم كذلك.

ماذا نفعل في بعضنا البعض، هل هذا يتوافق مع أي قانون اقتصاد في العالم.. أم إنه يتسق تمامًا مع قانون الجشع.. والطمع.. وتقطيع الأوصال المتبادل؟.. وهي أمور لا علاقة لها علي الإطلاق بغلاء تسببت فيه سياسات الحكومة (التي لابد من وصفها بالظالمة والفاشلة) لإرضاء القارئ.. وإشفاء غليله.. ونفاقًا لمشاعره.. وتأكيدًا علي أن كاتب العمود جريء.. ويتمتع بالشجاعة.. ويري أن وزراء الحزب الوطني (خربوها).. وحتي لا يوصف من كتاب الصحف الخاصة التي يملكها رجال أعمال بأنه كاتب حكومي منافق ويكتب ما يملي عليه.

نحن نشوي بعضنا.. ببساطة لأننا لا نبيع ونشتري وفق قاعدة ثمن الخدمة وقيمة السلعة.. أو حتي قانون العرض والطلب.. وإنما وفق قاعدة أن العائد يجب أن يغطي احتياجاتنا ويروي جشعنا ويلبي طمعنا.. وفي خضم كل هذا الذي نفعله يتم إهدار فواتير مهولة علي المستوي القومي.. خصمًا من ميزانية الدعم.. التي تزيد يوميًا لكي نتستر علي هذه الأوضاع ونرسخ أوضاع النفاق الاجتماعي المتبادل.. والرياء العام.

وإذا كان الماء المدعوم لا يحسب تكاليفه (الطعمجي) وهو يبيع للمستهلك نصف رغيف (قد عبر عليه الفول وقال له من بعيد صباح الخير.. دون أن يصافحه).. فإنني يجب أن أذكرك بأن كل قمينة طوب تبيع إنتاجها للمقاولين بسعر غير مدعوم إنما تستهلك 40 أنبوبة مدعومة كل ساعة.. وكل (بيتزا) تباع في محل (بيتزا هت) زاد سعرها عدة مرات خلال العامين الماضيين.. لم تتحمل أي تكلفة إضافية في فاتورة الطاقة التي تشغل بها الأفران.. سعر الغاز كما هو لكن (البيتزا) تقفز لأعلي.. بطريقة تفوق سخونتها.. أو حريفتها لو كانت حارة. بالهنا والشفا للجميع.
 
الموقع الاليكتروني :  www.abkamal.net

 البريد الاليكتروني  :  [email protected]