السبت 20 أبريل 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أيمن عبد المجيد

فلنعزف معاً سيمفونية حب!




كان السيد المسيح يتمتع بقلب كبير بلا جدران يتسع لكل إنسان أياً كان فكره أو دينه أو مذهبه أو معتقده،  وهو أعطى الحق لأي إنسان أن يعتنق مايشاء من أفكار دون أن يريق دمه أو يؤذيه. ولعل ما دونه البشير لوقا في بشارته الإصحاح  9 : 51 –  56  يؤكد هذا الفكر، يقول الكتاب المقدس عن السيد المسيح: «وَحِينَ تَمَّتِ الأَيَّامُ لارْتِفَاعِهِ ثَبَّتَ وَجْهَهُ لِيَنْطَلِقَ إِلَى أُورُشَلِيمَ، وَأَرْسَلَ أَمَامَ وَجْهِهِ رُسُلاً، فَذَهَبُوا وَدَخَلُوا قَرْيَةً لِلسَّامِرِيِّينَ حَتَّى يُعِدُّوا لَهُ. فَلَمْ يَقْبَلُوهُ لأَنَّ وَجْهَهُ كَانَ مُتَّجِهًا نَحْوَ أُورُشَلِيمَ. فَلَمَّا رَأَى ذلِكَ تِلْمِيذَاهُ يَعْقُوبُ وَيُوحَنَّا، قَالاَ: «يَارَبُّ، أَتُرِيدُ أَنْ نَقُولَ أَنْ تَنْزِلَ نَارٌ مِنَ السَّمَاءِ فَتُفْنِيَهُمْ، كَمَا فَعَلَ إِيلِيَّا أَيْضًا؟» فَالْتَفَتَ وَانْتَهَرَهُمَا وَقَالَ: «لَسْتُمَا تَعْلَمَانِ مِنْ أَيِّ رُوحٍ أَنْتُمَا! لأَنَّ ابْنَ الإِنْسَانِ لَمْ يَأْتِ لِيُهْلِكَ أَنْفُسَ النَّاسِ، بَلْ لِيُخَلِّصَ». فَمَضَوْا إِلَى قَرْيَةٍ أُخْرَى»، لقد كان اليهود يكرهون السامريين لأنهم مخلطين - أي جنس خليط نتج عن تزاوج اليهود من الأمم - لذا كان اليهود الأصليون يكرهون هؤلاء المخلطين باعتبارهم تزوجوا واختلطوا بالأمم، وكان السامريون بدورهم يكرهون اليهود ويعتبرونهم رجعيين منغلقين لم يختلطوا بالحضارات الأخرى،  أما المسيح فلم تكن لديه تلك الأحقاد، فعندما قصد أن يذهب إلى أورشليم اختار السامرة ليمر من خلالها وأرسل رسلا ليعدوا له منزلا في إحدى قرى السامرة، ولكي يهيئوا ما يلزم لهذه الزيارة، ولكن رفض السامريون استقبالهم، الأمر الذي جعل يعقوب ويوحنا تلميذي المسيح يثوران ويطلبان من المسيح أن يأذن لهما بطلب نار من السماء لتفني أهل القرية. لقد كان التلميذان أشد تعصبا من السامريين، فالمتعصب يحاول إبادة كل من يختلف عنه سواء في الفكر أو المعتقد أو الدين، ولكن المسيح التفت إليهما وانتهرهما ووبخهما لقد رفض المسيح قتل المغايرين دينيًا وفكريا إيمانا منه بحق أي إنسان أن يعتنق ما يشاء، واعتقاداً منه بأن حق الاختلاف هو شئ طبيعي حيثما وجد البشر, من المؤسف والمخجل أن هناك من يؤصلون لرفض الآخر ويؤكدون كراهيته ويظنون أنهم بذلك البغض وبتلك الكراهية إنما يتقربون إلى الله وكأن الله يحب من يكره أخاه في الإنسانية ويبغضه لمجرد أنه يخالفه في عقيدته، إن الداء العضال والمعول الهدام في صرح الكنيسة والذي قسمها إلى فرق وشيع وأحزاب هو اعتقاد كل فريق أن عقيدته وحدها هي الصحيحة بينما كل عقيدة أخرى فاسدة وباطلة، ما يفتت وحدة الكنيسة هو اعتقاد كل جماعة أنها بمفردها تمتلك الحق بإطلاقاته وكل جماعة سواها ضالة عن الحق بل هي على الباطل المطلق بجميع أطروحاته، وما بين الباطل المطلق والحق المطلق, يدعي الجميع الوصاية المطلقة باسم الله المطلق, وأنا هنا لا أطالب بأن ينضم الجميع إلى كنيسة واحدة أو طائفة واحدة لكنني أدعو إلى الوحدة المتنوعة  فالتعددية ثراء والتنوع غنى، الوحدة المسيحية هي التي يقبل فيها كل فريق الآخر في محبة حقيقية ويجب أن يعذر بعضنا بعضا فيما اختلفنا فيه، إن الوحدة المنشودة ليست أن تتقولب وتنصب جميع الكنائس في قالب واحد، لكنها الوحدة في إطار التعددية والتنوع وقبول الآخر المغاير دون استعلاء وتوهم بامتلاك الحقيقة الوحيدة المطلقة، إن النص الديني واحد ولكن تفسيره قد يختلف من شخص لآخر ومن جماعة لأخرى ومن حق كل إنسان أن يتبنى التفسير الذي يراه صحيحاً بشرط ألا يعتبر أن أصحاب أي تفسير آخر مشبوهون أو هراطقة أو أنهم ضلوا عن الصراط المستقيم، ليس لإنسان أو لكنيسة بعينها أن تحتكر الطريق إلى الله، فالله أكبر من أن تحتكره كنيسة وأسمى من أن يحتويه مذهب وأعظم من أن تمتلكه عقيدة، فلماذا نتهم بعضنا البعض بالهرطقة والزندقة ولما نزدري ببعضنا البعض ؟ ولماذا نريد في غالبية الأحيان أن نلاشي ونبيد بعضنا البعض باسم الدين وباسم الحق وباسم الله ؟!! نحتاج لأن يكون لنا صدر المسيح المتسع الذي يحوي قلباً كبيراً حانياً بلا جدران فحينئذ فقط سنكون متسامحين فكرياً وعقائدياً وسنقبل بحب واحترام بعضنا بعضاً، إن مصرنا الغالية تمر بمرحلة دقيقة من تاريخها، ونحن اليوم نمر بأزمات سياسية واقتصادية واجتماعية طاحنة، ولذا فإن الأجدر بنا أن ننتبه للقضايا الأكثر أهمية حرصاً على هويتنا المصرية التي يريد الأصوليون الدينيون ملاشاتها من الوجود، قال السيد المسيح طوبى لصانعي السلام لأنهم أبناء الله يدعون فليتنا جميعا نساهم في لم الشمل وصنع السلام.

القس رفعت فكري
 راعي الكنيسة الإنجيلية بأرض شريف – شبرا
[email protected]