الخميس 25 أبريل 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أيمن عبد المجيد

ارفع رأسك «2».. ليس مجرد لون البشرة




عندما تكون عائمًا فإنك غالبا تضع رأسك في الماء.. تسمح فقط لنفسك بالتقاط الشهيق.. دون أن تري ما حولك.. لكنك تحتاج من وقت لآخر إلي أن ترفع رأسك.. وتنظر للأمام وتبصر ما حولك.. فالحياة ليست هي فقط الماء الذي تسبح فيه.. وقد يكون مالحًا.. وقد يكون عذبًا.. وقد يكون هادئًا.. أو متلاطمًا.. ارفع رأسك لكي تعرف أنك تسبح في الاتجاه الصحيح.. وهذه المقالات محاولات لرفع الرأس خارج الماء.. بينما نحن نواصل السباحة.
في يوم 3 أبريل الحالي كتب دوري جولد، المستشار السياسي لرئيس وزراء إسرائيل، في موقع (إسرائيل اليوم) مقالا بعنوان: (تغيير استراتيجي في السياسة الخارجية الأمريكية تجاه إسرائيل)، وعنوان المقال يكشف عن مضمونه.. وغني عن القول إن الإسرائيليين هذه الأيام مشغولون جدًا بما جري بين واشنطن وتل أبيب لاسيما بعد زيارة نتانياهو الفاشلة إلي الولايات المتحدة وما لقيه من معاملة سيئة من أوباما.

مقال «جولد» مهم ليس في كونه يحلل المشكلة ولكن في طريقة فهمها.. وهو بالإجمال يصب في الاتجاه الذي تذهب إليه غالبية الكتابات الإسرائيلية هذه الأيام.. أي الفصل بين موقف الولايات المتحدة من حكومة نتانياهو وموقفها من إسرائيل نفسها.. أي أنهم يفسرون الأمر علي أنه غضب من نتانياهو وليس من إسرائيل.. هكذا تقول الولايات المتحدة.. وهكذا يذهب الإسرائيليون لكي يجدوا مخرجا للمأزق الذي هم فيه.. ومن المثير أن الإسرائيليين يذهبون إلي النهج الذي يفصلون هم فيه بين حكومتهم الحالية وبين دولتهم.. أي يساعدون الولايات المتحدة علي أن يكون الضحية هو نتانياهو وليست العلاقة بين إسرائيل والولايات المتحدة.

الجديد أن دوري جولد يضع نظرية مختلفة لطريقة تفكير أوباما برمتها.. أي أنه لا يقول إن الموقف المتأزم له علاقة بإسرائيل وحدها وإنما بنظرة أوباما للعالم ككل.. ويستعين جولد بآراء محلل أمريكي مهم هو (روبرت كيجان) الذي يري أن أوباما يحدث تغييرا في سياسة الولايات المتحدة تجاه حلفاء مهمين جدًا.. مثل الهند وبريطانيا واليابان وفرنسا.. مثلا قال إن علي الهند أن تحل مشكلة كشمير.. ثم رحب بالدور الذي تقوم به الصين في الساحة الخلفية للهند.. والأخطر أن هيلاري كلينتون وضعت إصبعها في جرح (جزر فوكلاند) بين الأرجنتين وبريطانيا.. وقالت إن علي بريطانيا أن تتجه إلي محادثات لتحديد مستقبل هذه الجزر.

لمن لا يذكر فإن (فوكلاند) كانت سببًا لحرب بين بريطانيا والأرجنتين في الثمانينيات.. وهي موضوع حيوي جدًا لبريطانيا.. ولذا كان أن دعا البرلمان البريطاني إلي إعادة النظر في العلاقة الخاصة بين الولايات المتحدة وبريطانيا.. وهو موضوع قد نعود إليه فيما بعد.

المهم، أن دوري جولد لا يريد من خلال تلك الاستشهادات أن يجد مواساة لإسرائيل في مشاكل الآخرين مع الصديق الأمريكي.. بمنطق من رأي مشاكل الآخرين هانت عليه مشكلته.. وإنما هو يريد أن يشير إلي أن هناك نمطًا جديدًا في تصرفات الولايات المتحدة.. ولو كان هذا التحليل الإسرائيلي المبني أيضًا علي تحليل أمريكي صحيح.. فإن علينا جميعا.. مصر وغيرها أن ننتبه ونعيد قراءة الأمور بطريقة جديدة.

الجميع انتبه إلي أن أوباما ركز كل جهده علي تمرير قانون التأمين الصحي.. أكثر من تركيزه علي توفير فرص للعمل.. وهناك من يقول إنه يطيح باستراتيجية عمرها ستون عامًا مضي عليها أسلافه ليكون له إرثه الخاص.. هو نفسه حالة متمايزة باعتباره الرئيس الأسود.. ويبدو أن المسألة لن تكون مقصورة علي مجرد لون بشرة الرئيس الأمريكي.. فالبشرة فتحت نظرة مختلفة للولايات المتحدة وللعالم.

دوري جولد يعود من هنا إلي خطاب أوباما في جامعة القاهرة.. وكيف أنه أعرب عن نيته في أن يحدث تغييرًا جذريًا في علاقة الولايات المتحدة بالعالم الإسلامي.. واستنتج جولد أن أوباما يري نفسه يحمل رسالة تاريخية.. وأنه ربط عملية 11 سبتمبر 2001 بالتوتر التاريخي بين المسلمين والولايات المتحدة.. وهو يريد أن يقلص الدوافع التي قد تؤدي لعملية إرهابية مماثلة.. بأن تتم تسوية المسألة الفلسطينية والإعلان عن الدولة في أقرب وقت ممكن.

نحن كيف نقرأ هذه المسألة المعقدة، هل نقول مثلاً إن وجهة نظرنا ـ بالذات مصر وخصوصا الرئيس مبارك ـ تثبت باليقين.. فنحن من نقول إن كل المشكلات التي تؤدي للعنف تبدأ من ملف فلسطين والظلم العامر فيه.. وهل نكتفي بأن نشيد بأنفسنا.. أم أن علينا أن نقوم بأمرين مترادفين: الأول أن نعيد قراءة خطاب أوباما في جامعة القاهرة.. والثاني أن نعيد قراءة سياسات أوباما وكيف ينظر لبلده وللآخرين وللعالم برمته؟
 
الموقع الالكتروني :   www.abkamal.net
البريد الالكتروني   :    [email protected]