الثلاثاء 23 أبريل 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أيمن عبد المجيد

ليس هناك أقباط ومسلمون بل هناك مصريون فقط!




انتفضت مصر غاضبة وناقمة وثائرة عندما أصدرت بريطانيا من جانب واحد تصريح 28 فبراير «سنة 1922» والذى قررت فيه انتهاء الحماية البريطانية على مصر وتكون دولة مستقلة ذات سيادة ولكن مع احتفاظ بريطانيا بصورة مطلقة فى تولى أربعة مسائل هى: تأمين مواصلات الامبراطورية البريطانية والدفاع عن مصر من كل اعتداء أو تدخل أجنبى وحماية المصالح الأجنبية فى مصر وحماية الأقليات وأخيرا السودان.. فى ذلك الوقت كان زعيم الأمة وضميرها الوطنى «سعد زغلول» منفيا فى عدن منذ عشرة يناير سنة 1922 وقد وصف تصريح 28 فبراير بأنه «نكبة وطنية كبرى على الأمة».. كان «سعد زغلول» يعتبر أن نصف استقلال هو حماية كاملة كما أن نصف حرية هو عبودية كاملة أن كفاح الشعوب هو فضيلة من الفضائل وكما أنه لا يمكن أن نرضى بامرأة نصف فاضلة ولا يمكن أن تحترم رجلا نصف شريف كذلك الشعوب فإنها ترفض نصف الحرية وتأبى نصف الاستقلال.
منذ بدأت لجنة الثلاثين أعمالها فى يوم 11 إبريل سنة 1922 لإعدد ووضع مشروع دستور طبقا لمبادئ القانون العام الحديث واجهت أكثر من مشكلة لعل أهمها وأخطرها كان مسألة وضع نظام للأقليات يضمن تمثيلها النيابى.
ومنذ اللحظة الأولى فى عمل اللجنة كان حسين رشدى باشا رئيس اللجنة مهتما بهذه المسألة الحساسة والخطيرة ولفت النظر إلى العناية بوضع نصوص فى دستورنا لحماية الأقليات لأن انجلترا حفظت لنفسها حق حمايتهم.
وشهدت جلسات لجنة الدستور لجنة الثلاثين مناقشات وجدلا بين مؤيد ومعارض وضم فريق المؤيدين أقباطا ومسلمين كما ضم فريق المعارضين أقباطا ومسلمين وكان المؤيد والمعارض ينطلق من أسباب سياسية ووطنية وليست طائفية أو كما يقول المستشار طارق البشرى: كل منهما يصدر عن اعتبارات المصلحة الوطنية ويسوق الحجج غير الطائفية، أن المسألة لم تطرح بمضمون طائفى ولكن بمضمون سياسى.
ومن الغرف المغلقة انتقلت المناقشات والحوارات إلى ساحة الرأى العام وشهدت الصحافة المصرية الجانب الأكبر والأهم من معركة أو أزمة وضع نظام للأقليات يضمن تمثيلها النيابى.
امتلأت الصحف والمجلات بعشرات المقالات والأبحاث والدراسات والآراء سواء كانت مؤيدة أو معارضة.
ويذهب الدكتور مصطفى الفقى فى كتابه القيم «الأقباط فى السياسة المصرية» إلى التأكيد على أن التعصب والطائفية لم يكونا فى يوم من الأيام صياغة مصرية أو نتاجا محليا وهو ما برز وتجلى أثناء إعداد الدستور ربيع سنة 1922 عندما أثير موضوع تمثيل الأقليات فى البرمان حيث انقسمت الآراء حول طبيعة ذلك التمثيل فهل يكون للأقباط نسبة محددة من مقاعد البرلمان أم إنهم مصريون كغيرهم لا يجوز تحديد نسبة لهم لأن ذلك يعتبر استسلاما للمنطق الطائفى العاجز؟!
وكان الأمر الذى يثير التقدير هو أن انقسام الرأى داخل اللجنة وكان من بين أعضائها أربعة من الأقباط لم يكن قائما على نزعة دينية ولكنه كان اختلافا طبيعيا فى الرأى فلم يكن هناك موقفان متعارضان طائفيا ولكن كان هناك وجهتا نظر مختلفتين فقد وقف مع فكرة التمثيل النسبى للأقليات مسلمون وأقباط داخل اللجنة وخارجها كما وقف ضد الفكرة مسلمون وأقباط داخل اللجنة وفى الصحافة وأمام الرأى العام.
لقد كان الخلاف من منظور سياسى وطنى ولم يكن خلافا طائفيا أو دينيا.
لقد أفسحت صحف ذلك الوقت صفحاتها لنظر كل الآراء المؤيدة والمعارضة بل إن الصحيفة الواحدة كانت تنشر الرأى والرأى الآخر فى هذه القضية!
■ ■ كان الاستاذ محمود عزمى وعزيز ميرهم وكلاهما من مؤسس الحزب الديمقراطى «تأسس عام 1918» وينادى بالمبادئ الديمقراطية والدعوة إليها فى مصر.
كتب محمود عزمى عدة مقالات فى صحيفة الاستقلال والأهرام جاء فيها أن تمثيل الأقليات ليس بدعة بل هو تحسن مع كمال التمثيل القومى وأن المجلس النيابى سياسى ولكن ليس بالمعنى الضيق الجاف لهذه الكلمة إنما بالمعنى الذى يستوعب العنايات القومية والعناصر المتشابكة فى الاجتماع الاقتصاد والإدارة ويتولى المجلس بحث شئون اجتماعية وتعليمية وخاصة بالأسرة مما له ارتباط بالدين.
وأضاف أنه يعلم مقار تمسك الناس بالدين فلا يطالب بفصله عن الدولة ولكنه يهتم بملاحظة أن فى تحديد دين رسمى للدولة إدخالا لعنصر الدين فى أمور الحكم ومظاهره وبهذا يكون من العدل ومن طبائع الأشياء أن ينظر للطوائف الدينية كما ينظر للطوائف السياسية بوصفها أقليات تمثل فى النظام البرلماني.
ويشير المستشار طارق البشرى إلى اقتراح جاء أكثر تطرفا مما طالب به توفيق دوس بك فى لجنة الثلاثين وكان اقتراح محمود عزمى هو أن تمثل الأقلية فى البرلمان بانتخابات تجرى بين جمهورها لاختيار ممثليها بصفتهم دائرة انتخابية واحدة وذلك على أن يقتصر تمثيل الأقلية بوصفها هذا على مجلس النواب.
وعاد محمود عزمى ليكتب فى الأهرام تحت عنوان رأى فى الدستور وكان مما كتبه ويخص هذا الموضوع هو ما أطلق عليه مصطلح ثغرة الأقليات ويكتب: لست أنا من فئة من فئات الأقليات ومع ذلك فقد كنت منذ أن بدأت لجنة الدستور تعمل فى العام الماضى من أكبر المدافعين عن حقوق الأقليات وقد قامت الأقليات نفسها فى وجهى صارخة صاخبة متهمة معلنة إنه لا أقليات فى مصر، فلا محل لذكر شىء عنها فى الدستور وأظن أن لجنةالدستور قد تأثرت بذلك الصراخ وذلك الإعلان!
جميل جدا ألا تكون فى مصر أقليات وبديع جدا أن تقوم الأقليات تنادى بأن لا أقليات لكنى أنظر إلى الموضوع من عين غيرى التى ينظر منها أكثر من تعرض لأمر الأقليات.
أنا أعرف أن تصريح 28 فبراير قد احتفظ بين ما احتفظ به بما عبروا عنه بحماية الأجانب والأقليات وأنا اخشى من كل تدخل خاص بما يدعونه حماية للأقليات وهى فئات مصرية بحتة لا تعتبر نفسها هى أقليات بل هى مندمجة أندماجا فى الكل المصرى أخشى من كل تدخل وأذكر أمامى دائما مثل تركيا وما آلت إليه من جراء التدخل الأجنبى بدعوى حماية الأقليات فيها.
واختتم محمود عزمى مقاله فى الأهرام «23 إبريل سنة 1923» باعتقاده أن عدم ذكر الأقليات وحقوقها عيب فى الدستور!
وعلى النقيض من ذلك جاء رأى عزيز ميرهم فقد هاجم لجنة الثلاثين بقوله لو كان إعداد الدستور قد جرى على يد جمعية وطنية منتخبة لما سمعنا اليوم مثل هذه الترهات واتهم اللجنة بأنها تضم عناصر رجعية بعيدة عن الآراء الحرة.
وأضاف فى مقاله للأهرام «26 مايو 1922» يقول: إذا كان للقبط نظما عائلية وقوانين أحوال شخصية خاصة فإن ذلك لا يستدعى تمثيلا خاصا فى البرلمان والدليل إنه لم يقم حزب قبطى طائفي.
■ ■ وكتب المفكر سلامة موسى فى الأهرام أن تمثيل الأقليات لا يفيد القبط لأن النظام البرلمانى هو نظام الحكم بالأكثرية ولا تجدى الأقلية فى البرلمان إلا أن يكون لديها الأمل فى أن تصبح أكثرية ولا يتوافر ذلك إلا للأقليات الحزبية السياسية ولن يفيد القبط ما يحفظ لهم من مقاعد ما دامت الأكثرية لا تسلم بمطالبهم فى مشروع ما وإذا استطاعت الأقلية الدينية أن تبلغ بعض غاياتها بمخالفات واتفاقيات مع الأحذاب تكون قد خرجت بذلك عن كونها أقلية وتصطبغ بصبغة أخرى.
أما سلامة ميخائيل عضو اللجنة المركزية للوفد فقد هاجم توفيق دوس بقسوة لاشتراكه فى لجنة الدستور التى قاطعتها الأمة وقال: إنه كان من الأصلح أن توجه جهود الأمة لا إلى هذه الوجهة -يقصد تمثيل الأقليات- ولكن إلى النضال لعودة الزعيم العظيم «سعد زغلول باشا» وصحبه ثم أضاف: وليس على الأقباط أن يخشوا من عدم انتخابهم بعد أن رآهم مواطنين ثابتين على المبدأ ولا ضرر من عدم انتخابهم بل الضرر أن يمثلوا بوصفهم أقلية فيوجدون فى وسط عدائي.
■ ■ وكتبت صحيفة النظام تؤكد أن الدساتير العصرية لا تعترف بالأقليات الدينية وأن النص على تمثيلها يقوى حجة الاستعمال فى حمايتها.
وحدث نفس الشيء من جريدة اللواء المصرى التى عارضت تمثيل الأقباط كما امتدحت مواقف الأقباط الوطنية الذين وقفوا مع إخوانهم المسلمين يطالبون بالاستقلال وأكدت: نريد أن نبقى أمة واحدة ممثلة أحسن تمثيل فى برلمانها يجلس كل مندوب فوق كرسيه ولا يشعر إلا أنه مصرى فلتكن لإخواننا الأقباط الأغلبية ولتكن للمسلمين الأقلية وإنما لتوجد المساواة حتى يكون احساس كل منهم واحدا هو أنه مصرى ولا يعمل لغير مصر.
وطوال أيام وأسابيع راحت الصحيفة اللواء المصرى تنشر المقالات الرافضة لفكرة تمثيل الأقليات والتى شارك فى كتابتها مسلمون وأقباط!
لكن جريدة المقطم والتى كانت تميل إلى الاحتلال البريطانى فقد نشرت آراء المؤيدين لفكرة تمثيل الأقباط كما نشرت آراء المخالفين لكنها طرحت فكرة جريئة فى محاولة منها لحل المشكلة من جذورها وهى تشكيل جمعية من الكتاب والصحفيين وأصحاب الرأى والعلماء والمحامين والمتعلمين تساندها وتؤيدها الحكومة ماديا وأدبيا هدفها توعية عامة الشعب وإرشاده إلى كيفية الانتخاب الحر وذلك حتى ينتخب الشعب النواب الأكفاء والمخلصين بغض النظر عن الدين وبذلك يختفى التعصب الدينى وتزول إلى الأبد مشكلة الأقليات.
فى نفس الوقت راحت بعض الصحف الموالية للاحتلال البريطانى تهاجم الأقباط على موقفهم الرافض لتمثيل الأقليات وكتبت صحيفة «المورننج بوست» تصف المطالبين بتمثيل الأقباط بالشجاعة كما وصفت الرافضين منهم بالجبن والخوف.
وكذلك فعلت صحيفة «اجبشيان جازيت» التى ركزت سمومها على فكرة الأكثرية المسلمة والأقلية القبطية فتصدت لها بقوة صحيفة «النظام» وجذرت من فتح ثغرة فى اتحاد المسلمين مع الأقباط ووصفت الأقباط بأنهم كانوا أكثر الناس تضحية وأكثرهم ثباتا وإخلاصا ولو تمشوا مع السياسة الإنجليزية لكانت صحيفة «المورننج بوست» أول من وصفتهم بالشجاعة الأدبية لكنهم - الأقباط- وقفوا أمام هذه السياسة موقفا مشرفا فاستثاروا غضب الاستعماريين.
ويكتب المستشار طارق البشرى موضحا هذه النقطة بالقول: «إن رفض مبدأ التمثيل النسبى للأقليات لم يرض دعاة التفرقة وفى مقدمتهم الإنجليز، وأنطووا منه على غيظ شديد، وتربصوا فرص المستقبل أن تجىء بما يؤدى إلى إثارة الموضوع من جديد، ويلحظ أن مستر «هرسمورث» وكيل وزارة الخارجية البريطانية قد أجاب عن سؤال وجه إليه بمجلس العموم وقتها، أجاب بأن السلطات البريطانية فى مصر قد قامت غير مرة بحماية الأقليات وإنها ستوالى تقديم هذه الحماية فى المستقبل لمن يحتاجون إليها، وأنه مهما كانت خطة القبط اليوم «أى رفضهم حماية الإنجليز لهم» فإنهم كانون يتوقون إلى هذه الحماية سنة 1907.
وعبرت «المورتج بوست» عن غيظها من رفض القبط تمثيل الأقليات قائلة إن من أيد منهم التمثيل النسبى إنما كان فريقا صغيرا، ولكنه يتصف بالشجاعة ولكن الغالبية منهم رفضته لأنها خافت من التعبير عن رأيها بصراحة، ثم حرضت الصحيفة السلطات البريطانية على التدخل المباشر قائلة:
الظاهر إنه يجب إنقاذ القبط من ضعفهم، لقد احتفظت انجلترا فى تصريحها السابق «28 فبراير» بمسألة الأقليات، ولا ريب فى أن الحكومة البريطانية تقول إذا احتج الأقباط وقالوا إنهم لا يريدون ضمان التمثيل النسبى- إنه ليس للحكومة البريطانية أن تكره الحكومة المصرية على منح هذا الامتياز، ولكن مثل هذه الخطة تكون خيانة قاسية لأقلية دينية، ومن الخطر السماح للجنة «لجنة الدستور» أن تبت نهائيا فى مسائل لم تتم تسويتها بعد بواسطة الحكومة المصرية والبريطانية.
ومن أهم ما يقوله المستشار «طارق البشرى» بشأن دور «الوفد» فى هذه القضية:
إذا كان قد ظهر مقدار قوة الحركة المعارضة لتمثيل الأقليات فمن السهل ملاحظة وقفه الوفد ورائها ونشاط رجاله فيها وبخاصة «قبطهم»، ولا شك فى أن قسما مهما ممن رفض التمثيل الطائفى على أسس وطنية وقومية كان يصدر عن الثقة بمستقبل ما بعد عام 1919، وهو مستقبل يستحيل على الوطن أن يتخيله وقتها بغير الوفد، حزب الثورة والمستقبل، وتعلقت بالوفد أهداف التحرر، وأهداف الرسوخ القومى والتحضر أيضا».
فى تلك الأيام كان «سعد زغلول» ورفاقه فى المنفى منذ 29 ديسمبر سنة 1921 وكان معروفا رأيه القاطع الحازم الحاسم فى رفضه فكرة التمثيل الطائفى، وتجلى ذلك بوضوح شديد قبل وأثناء وبعد ثورة 1919.
كتب «مصطفى أمين» الكاتب الكبير يقول فى كتابه وسيرته الذاتية «من واحد لعشرة».
«كان أكثر ما يزعج الإنجليز وحدة الشعب أثناء الثورة، ونجاح «سعد» فى جعل الصليب والهلال يتعانقان فى علم الثورة، وأصبح المشايخ يخطبون فى الكنائس والقساوسة يخطبون فى المساجد، وبدأ الإنجليز يحاولون إثارة الفتنة بين المسلمين والأقباط محاولين تمزيق وحدة الأمة، مدعين أنهم يحتلون مصر ليحافظوا على أرواح الأقباط من مذابح المسلمين.
وكان «سعد» يقاوم هذه الفتنة فى خطب ونداءات وكان من بين خطبه المشهورة قوله: «احذروا هذه الدسيسة واعلموا أن ليس هناك أقباط ومسلمون ليس هناك إلا مصريون فقط، ومن يسمونهم أقباطا كانوا ولا يزالون أنصارا لهذه النهضة، وقد ضحوا كما ضحيتم فاحسوا التراب فى وجوه هؤلاء الدساسين، لولا وطنية فى الأقباط وإخلاص شديد لتقبلوا دعوة الأجنبى لحمايتهم وكانوا يفوزون بالجاه والمنصب، بدل النفى والاعتقال، ولكنهم فضلوا أن يكونوا مصريين معذبين محرومين من المناصب والجاه والمصالح، يسامون الخسف، ويذوقون الموت والظلم على أن يكونوا محميين بأعدائهم وأعدائكم».
ويضيف «مصطفى أمين»: وترجم «نجيب الريحانى» المسيحى خطاب «سعد» إلى أغنية وخرجت فرقته وهو على رأسها تمشى فى الشوارع والجماهير تردد وراءها أغنية تقول:
- أوعى يمينك أوعى شمالك، أوعى الفتنة توقف حالك! إن كنت صحيح بدك تخدم، وعاوز مصر تتقدم، لا تقول نصرانى ولا مسلم ولا يهودى، يا شيخ إتلم، اللى أوطانهم تجمعهم عمر الأديان ما تفرقهم»!
وأصبحت هذه الأغنية على كل لسان الرجال والنساء، الأطفال يرددونها والفلاحون والعمال يترنمون بها، لم تحملها إليهم إذاعة ولم تنشر فى صحيفة، ولم تطبع على أسطوانات ولكن شعبا بأسره كان يغنيها فى كل مكان، وكأن الملايين كانوا يرددون فى وقت واحد ردا حاسما على الفتنة التى دبرها الإنجليزا»!
■ ■ لقد تجلت الوحدة الوطنية فى أبهى وأنصع صورها فى خبر بسيط عميق الدلالة نشرته صحيفة «النظام» «11 مايو سنة 1922» قائلة: رُزق حضرة «كامل أفندى عثمان» من أعيان أبوقرقاص المسلمين مولودا ذكرا اسماه «وليم مكرم» تقديرا لجهود الأستاذ «وليم بك مكرم عبيد» وتمكينا لأواصر الإخاء الوطنى»!
لقد فوجئ «توفيق دوس» بهذا الهجوم الضارى عليه بسبب تأييده وتبنيه لفكرة تمثيل الأقليات، وهاجمه الأقباط هجوما ضاريا حيث إنه يعبث بوحدة الأمة التى بنيت بالجهد والدماء والدموع، لأنه لم ينزف قطرة دم ولا ذرف دمعة»، كما اتهمته صحيفة «وادى النيل» بتقربه للسياسة الإنجليزية وابتعاده عن تمثيل القبط.
وداخل لجنة الدستور أخذ «توفيق دوس» يفند مبررات الهجوم ضده فقال: «إن هذا التصوير جعل القبط يقومون رافضين ما طلب» وقال أيضا «بدأت حملة فى الجرائد غالبها من الأقباط ضد القائل بوجوب التمثيل».
ولما كان «الوفد» على رأس الرافضين للفكرة فقد قال «توفيق دوس» أيضا: «قامت ضجة كبرى من تلك الجماعة التى تسمى نفسها «الوفد المصرى» تنادى بعدم التمثيل وتشكك فى نوايا القائل به».
وبلغ الهجوم ذروته فى رفض الفكرة بذلك البيان الذى نشرته صحف الصباح يوم  12 مايو سنة 1922 باسم «الوفد المصرى» وتوقيع كل من «حمد الباسل» و«ويصا واصف» و«جورجى خياط» ومرقص حنا» و«مراد الشريعى» و«علوى الجزار» و«على الشمس» و«واصف غالي» «أربعة أقباط وأربعة مسلمين» جاء فيه: «إن اشتراط تمثيل الأقليات فى الدستور ليس فى الواقع مجرد تدعيم لمزاعم الإنجليز فيما يدعون من حق حماية الإقليات وإنما هو فوق ذلك إيهام بأن بين المصريين انقسامات وفروقا يريدون تسجيلها فى قانون مصر النظامى، «أى الدستور».
ليس فى البلاد أقلية ولا أكثرية وإنما الجميع مصريون، ولقد أثبتت الحوادث الأخيرة تلك الحقيقة التاريخية، وهى أن الأقباط والمسلمين لا يدينون إلا بدين واحد وهو دين الحرية والاستقلال».
عرف الناس ذلك قاطبة فكان اتحادنا وتضامننا موضع إعجاب العالم بأسره وأن من يطلب تنفيذ ما اشترطه «ملز وكرزون» وما احتفظت به إنجلترا فى تصريحها لمصر إنما يعمل على ترويج سياسة أعداء البلاد، وأن مصلحة الوطن تأبى أى محاولة يراد بها تقسيم أبنائها وتمييز بعضهم على بعض، وتأبى كرامته أن تحل القيود القانونية المصطنعة محل روابط الإخاء الدائم والمحبة الخالصة»، إنهم لا يريدون بكم إلا سوءا فاحذروهم.
وجاء الدور على الكنيسة القبطية لتعلن رأيها الحاسم!
وللدراسة بقية!