الخميس 25 أبريل 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أيمن عبد المجيد

ارفع رأسك «4» عيبنا.. هو ميزتنا




عندما تكون عائمًا فإنك غالبًا تضع رأسك في الماء.. تسمح فقط لنفسك بالتقاط الشهيق.. دون أن تري ما حولك.. لكنك تحتاج من وقت لآخر إلي أن ترفع رأسك.. وتنظر للأمام وتُبصر ما حولك.. فالحياة ليست هي فقط الماء الذي تسبح فيه.. وقد يكون مالحًا.. وقد يكون عذبًا.. وقد يكون هادئًا.. أو متلاطمًا.. ارفع رأسك لكي تعرف أنك تسبح في الاتجاه الصحيح.. وهذه المقالات محاولات لرفع الرأس خارج الماء.. بينما نحن نواصل السباحة.
ذكرت بالأمس أن خبيرًا عالميًا موثوقًا ومرموقًا هو جيم أونيل رئيس أبحاث مؤسسة (جولدمان ساكس) قال إنه يتوقع أن تكون ثلاث دول شرق أوسطية متميزة اقتصاديًا في المستقبل القريب.. وهي: مصر وإيران وتركيا.. وقد قال أونيل: إن تركيا سوف تكون أكبر الدول في معدلات النمو في أوروبا خلال العقد المقبل.. وقال إنه مندهش من إصرار إيران علي عزلتها لكن تقدمها الاقتصادي لافت.. وأنه يتوقع ــ بالإضافة إلي الدول الثلاث ــ أن يبزغ نجم نيجيريا.

نلاحظ في اختيارات أونيل أمرين: إنه اختار دولتين تتميزان بوفرة البترول (إيران ونيجيريا)، لكن الدولتين الأخريين (تركيا ومصر) لا تملكان نفس القدرات.. وأن الدول الأربع تتميز بأنها من النوع المتوسط من حيث حجم السكان.. إذ لم يضع أونيل في حسبانه دولاً ذات حجم صغير مثل قطر والإمارات علي الرغم مما يتوافر لديها من قدرات بترولية ووفرة مالية.. وهو في كل الأحوال تحدث عن أربع دول لديها مستويات مختلفة من التفاعل مع العولمة.. حيث تتصدر الدول الأربع تركيا وتليها مصر ونيجيريا.. وفي القائمة إيران علي الرغم من الحصار المفروض عليها والعقوبات التي تتعرض لها.

سوف أنحي جانبًا أن تحليل أونيل لم يهتم بالأوضاع السياسية في دولتين من الأربع علي الأقل.. ففي نيجيريا مخاطر انقسامات رهيبة فضلاً عن معدل جريمة عالٍ جدًا.. وأوضاع إيران برمتها قيد الخطر مع احتمالات التطور فيما يخص برنامجها النووي.. ولكني سوف أهتم بالموقف السكاني للدول الأربع.

خاصية (السوق الضخم) تعطي كلاً من هذه الدول الإمكانية لأن يكون اقتصادها قادرًا علي النمو وبناء نفسه والاعتماد علي ذاته.. بدون أن تعاني من مشكلات تؤثر عالميًا علي الدول الأخري التي يكون لديها اقتصادات قوية، ولكنها في نفس الوقت لا تملك أسواقًا كبيرة.. وأعتقد جازمًا أن أحد أهم عوامل قدرة مصر علي العبور باقتصادها من الأزمة العالمية الدولية كان له علاقة بحجم السوق في مصر.. مقارنة بالآخرين.

هل يعني هذا أن علينا أن نفاخر بتعدادنا السكاني بدلاً من أن ننتقده ونحاول حصار معدلات نموه المتضاعفة التي تؤدي لاحتمالات خطيرة؟ هل ندعو إلي التعايش مع مشكلتنا السكانية والاستفادة منها إلي أقصي حد؟ هل نتوقف عن لوم الزيادة السكانية؟

بالتأكيد نحن لدينا مشكلة خطيرة تؤثر علي الموارد وتوزيعها، ويبدو الأمر كما لو أن الأجيال الحالية تتعامل مع مقدرات البلد علي أنها لها وحدها وأنه لن يأتي أحد بعدنا.. لا نراعي من سيخلفنا.. بل لا نراعي أنفسنا.. الزحام يخنقنا.. والزيادة تلتهم كل تقدم.. ولا تساعد علي تحقيق أي تراكم.. يؤدي إلي الإحساس بثمار التطور رغم ضخامته.

في المقابل مثلاً، وليس حصرًا، تجد دولة مثل روسيا، تواجه احتمالات خطورة رهيبة، لأنها تعاني من تراجع المواليد مع قانونية الإجهاض، وارتفاع معدلات العزوف عن الزواج والإنجاب، ما يؤدي إلي أن المجتمع في اتجاهه إلي أن يكون هرمًا.. يعاني من ارتفاع معدلات سن المواطنين وعدم قدوم الوافدين من الأجيال الجديدة، وهو ما سوف يؤثر علي روسيا استراتيجيًا.

ونحن من جانبنا ندرك حجم المشكلة التي نعانيها.. ولكننا لم نتجاوز مساحة الإدراك فعلاً.. لا نتخذ إجراءً للسيطرة علي الزيادة السكانية.. تعوقنا مفاهيم ثقافية لا يتصدي لها أحد.. وقيود عقيدية تري أنه لا يمكن تقييد معدلات الإنجاب.. فضلاً عن الخشية من التبعات الاجتماعية التي قد تنجم من اتخاذ قرارات تعرقل زيادة عدد أفراد كل أسرة.

ولذا أري أنه علينا أن نواجه الأمر بنظرة جديدة.. فإما أن نتشجع ونتخذ قرارات واضحة تستمر خلال فترة انتقالية ــ مثلاً عشر سنوات ــ يمكن خلالها إحداث سيطرة صارمة علي معدلات الزيادة السكانية.. ونتحمل تبعات ذلك كله.. وهي في الأغلب تبعات وتذمرات اجتماعية.

أو أن نتقبل التعايش مع ميزتنا.. التي هي في نفس الوقت عيبنا.. أي معدلات النمو السكاني.. مع الخضوع في نفس الوقت لمعايير صارمة تحقق أقصي استفادة اقتصادية من هذا النمو السكاني.. إذ ما دمنا غير قادرين علي أن نسيطر عليه.. فلماذا لا نحوله إلي طاقة مفيدة.. خاصة إذا رآه الآخرون بالفعل من مميزاتنا؟!

وأكمل في هذا غدًا.
 
الموقع الالكتروني :   www.abkamal.net
البريد الالكتروني   :   [email protected]