الخميس 25 أبريل 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أيمن عبد المجيد

أسرار مهنية




أما وقد استجاب مجلس الوزراء بسرعة لما طالبت به هنا في مقال الأسبوع الماضي.. تحت عنوان (ساعة زيادة).. بخصوص التوقيت الصيفي.. وضرورة إعادة دراسته.. فإنني أشكر المجلس علي تلك الاستجابة.. خصوصًا أن الأمر طرح علي الاجتماع الحكومي التالي للمقال.. وتقرر أن يتم تعديل تشريعي لتطبيق الاستجابة.

وشكري لا يتعلق بالاستجابة لاقتراح كتبته.. في كثير من الأحيان يحدث هذا.. ولكنني أرغب في أن أضع خطًا حول وتحت هذا الموقف.. لكي أشير إلي أكثر من نقطة.

أولاً: فيما يخص مسألة التوقيت الصيفي.. قال بيان الحكومة علي لسان المتحدث د.مجدي راضي.. تقريبًا ما طرحته في المقال.. إذ ذكر ما يلي: «وكان الهدف من الأخذ بالتوقيت الصيفي تأثيره علي دورة الاستهلاك، ومن ثم دفع النمو الاقتصادي، حيث يتيح فترة أطول لممارسة الأنشطة، إلا أنه حينما طبقت مصر هذا النظام صدر ليكون خمسة أشهر فقط في مقابل 7 أشهر في باقي الدول المستخدمة للنظام، بينما في العام المقبل ستكون مقسمة إلي جزءين قبل وبعد شهر رمضان، وهو ما يتنافي مع استقرار التوازن البيولوجي لجسم الإنسان».

انتهي كلامه.. وإحقاقًا للحق.. ينبغي أن أشير إلي أنني كنت قد بنيت المقال علي مضمون افتتاحية لجريدة «الفايننشيال تايمز».. انتقدت فيه التوقيت الصيفي في بريطانيا وتأثيره علي التوازن البيولوجي للإنسان.. ومن ثم ناقشت حالة مصر.

ثانيًا: أريد أن أكشف بعضًا من أسرار الصحافة.. لمن يقولون إن الصحف تخضع للتوجيه.. ذلك أن هناك عدة طرق لكي يدفع الكاتب لقرار ما.. ومنها أن يكون قد عرف أن هناك تفكيرًا ما في قرار ما فيستبقه.. بحيث يبدو كما لو أنه دعا إليه.. وتلك (شطارة فيها نوع من الغش وبعض الفهلوة).. ومنها أن يكون قد اطلع بالفعل ومباشرة علي نوايا صناع القرار واقتنع بضرورة تهيئة الرأي العام لأمر ما.. وهذه مفهومة.. ولكن لابد أن يصارح الكاتب قارئه بأبعاد الأمر.. وأنه أطلع.. حتي لا يكون في ذلك بعض من الغش أيضًا.. ومنها أن يكون ما يطرحه من بناء تفكيره.. باعتبار الصحافة من آليات تفكير المجتمع.. بشرط ألا يكون معبرًا عن مصالح من أي نوع.

وفي الحالة الأخيرة، حالة التوقيت الصيفي، وهي ليست مهولة علي أي حال، كان هذا الاقتراح من بناء تفكيري.. وإن كان أحد دوافعي للأمر، هو أنني كنت قد علمت في العام الماضي بخطأ في تطبيق قانون التوقيت الصيفي لفت نظر الحكومة إليه النائب الدكتور زكريا عزمي.

النقطة الثالثة التي أريد أن أتطرق لها.. هي أن الحكومة تثبت بهذه الواقعة أنها تقرأ الصحف.. أو ربما قرأ غيرها الصحف.. وقال لها إن عليها أن تمضي في هذا الاتجاه.. أو حتي اقترح عليها.. وليس لدي شك أن الدولة بكل مؤسساتها تقرأ الصحف.. من كل نوع.. بعكس ما يعتقد كثيرون.. أولئك الذين يظنون أن المسئولين يعيشون في عزلة.. ولا يطالعون مجريات المجتمع.

لكن دعنا نكون صرحاء.. باعتبار أنني أناقش الكثيرين في مختلف الدوائر.. المشكلة ليست في أن هذا المسئول أو ذاك يقرأ.. وإنما في أنه غالبًا تصادفه مجموعة من المشكلات حين يقرأ.

مشكلة من نوع عدم دقة المعلومات التي يستند لها هذا الصحفي أو ذاك.. وحين يتم التحقق مما ورد في هذه الصحيفة أو تلك يتم اكتشاف معلومات لم ترد في المقال أو الخبر.. أو معلومات مناقضة تمامًا.. إذ يظن عدد من الصحفيين أن المسئول أسير صحيفة واحدة أو مصدر واحد للمعلومات.. وهذا غير سليم.

لا داعي هنا لأن أشير إلي الكتّاب الذين يكتبون بدون معلومات أصلاً.. أي يتخيلون أن المقال موضوع تعبير.. أو قطعة إنشاء.. وهؤلاء كثيرون جدًا.

ومشكلة من نوع أن بعض أصحاب الرأي لا يكونون موضوعيين في عرض آرائهم.. يستندون لرأي واحد.. لا يلجئون إلي قاعدة (الفقرة الثالثة)، أي تلك التي ينبغي أن يرد فيها رأي الطرف الآخر.. ومن ثم تبدو الكتابة لدي المسئول الذي يقرأ، كما لو أنها غير خالصة لوجه الصالح العام.

ومشكلة ثالثة، وهي أن الكاتب يكون صاحب مصلحة مباشرة أو غير مباشرة.. تم إخفاؤها فيما كتب من رأي.. ولا يوجد مسئول في مصر غير قادر علي أن يعرف أبعاد المصالح التي تفقد الكتابات موضوعيتها.. وتكشف أن من ورائها غرضًا.. ومن ثم تكون (مغرضة).

وأما المشكلة الرابعة فهي أن الكتّاب، وأيضًا الصحف، يموهون علي اتجاهاتهم.. أي يقولون إنهم غير منحازين في حين أنهم يعبرون عن انحيازات.. يقولون إنهم محايدون.. والحياد ليس موجودًا أصلاً.. أنا شخصيًا كاتب غير محايد.. وإن كنت أقول إنني اتسم بالموضوعية.. (الموضوعية تختلف عن الحياد).. لي موقفي الأيديولوجي المعلن.. ولو لم أقل هذا وأنا أعرض أفكاري أكون ممارسًا للغش التجاري.. وللأسف فإن مهنتنا تمارس هذا الغش ليل نهار.. وكم من كاتب يقول إنه معارض في حين يساند مصالح حكومية.

عمومًا.. شكرًا لمسألة التوقيت الصيفي، لأنها دفعتنا لأن نشير إلي تلك النقاط.. وشكرًا للحكومة لأنها استجابت لمقال يوم الجمعة الماضي في أول اجتماع لها.
اقرأ مقال : (ساعه زياده) المنشور يوم الجمعه الماضيه 

الموقع الإليكترونى: www.abkamal.net
البريد الإليكترونى:  [email protected]