الخميس 25 أبريل 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أيمن عبد المجيد

تحليل مباراة القمة




لنحلل مباراة الأهلي والزمالك بطريقة مختلفة.
سعر التذاكر كان كالتالي: ألف جنيه للمقصورة، و15 جنيهاً للدرجة الثالثة، وبينهما تذاكر بفئات: 500و100و50 و30 .. الجمهور الأغلب هو بالطبع الذي يذهب إلي الدرجة الثالثة.. لابد أن كل مشجع سوف يتكلف علي الأقل 25 جنيها لكي يستمتع بالمباراة.. بافتراض إنفاق 10 جنيهات علي المواصلات وربما وجبة خفيفة ويجوز شراء علم وعلبة سجائر من نوع محلي.

لم يتحدث أحد عن التفاوت الطبقي بين الجماهير، ولم يقل أحد إن علي اتحاد الكرة أن يساوي بين كل المشجعين، أو لوح أحد بأن مشجعي الدرجة الثالثة سوف يهجمون علي المقصورة لاحتلال مقاعدها سعياً وراء العدالة الاجتماعية في ملاعب الكرة.. إذ لا توجد شيوعية في الفرجة.

الـ25 جنيهاً تساوي بالمقاييس العادية ربع أجر موظفي مراكز المعلومات في المحليات.. تلك التي اندهش من أنها عند هذا المستوي رئيس الوزراء.. وهم فئة قليلة من الموظفين المؤقتين.. يخالفون وضع الأغلبية الأعم من موظفي الجهاز الإداري للدولة الذين لا يقل الحد الأدني لأجورهم عن 300 جنيه الآن.

والمعني أنه بالتأكيد ومهما بلغ جنون التشجيع بشخص ما فإنه لا يمكن أن ينفق 25 جنيهاً من أجل مباراة إلا إذا كان يملك علي الأقل عشرة أمثالها.. ناهيك عن كونه غالباً يحمل تليفوناً محمولاً.. له قيمته.. ونفقاته المستمرة.. بخلاف أمور أخري.

المباراة نفسها تعبير عن حالة اقتصادية يتم تجاهلها.. وتجاوز حقائقها.. بل إنها تجسيد أكيد للتطور الذي جري في المجتمع المصري.. نحو سبع قنوات تنقل المباراة علي الهواء مباشرة.. تدفع كل منها علي الأقل 8 ملايين جنيه في السنة نظير البث.. وتحصل علي الإيراد من الإعلانات.. الشركات المصرية (في الأغلب الخاصة وفي الأقل العامة) تنفق علي الإعلان في مختلف وسائل الإعلام نحو 2.5 مليار جنيه في السنة.. وهي لا تفعل ذلك إلا لكي تحصل علي خمسة أضعاف قيمة هذا المبلغ علي الأقل.

المباراة، ومثلها كل الأنشطة المثيلة حول العالم، هي توظيف للمتعة التي تجذب الجماهير في تنمية الاستهلاك ومعدلاته وتنمية عمليات التسويق.

حول الملعب صراع رهيب بين مجموعة هائلة من العلامات التجارية فوق لوحات الإعلان التي ينقلها التليفزيون من داخل الاستاد.. والملعب نفسه جزء من بنية تحتية تتطور في المنشآت الرياضية المصرية.. تنافسه مجموعة موازية من الملاعب في مختلف أنحاء مصر.. منها مثلاً ملعب المكس.. وعلي صدور وظهور وأرجل وأكتاف لاعبي الأهلي والزمالك تطاحن بين خمس علامات تجارية.. في: الاتصالات ومواد البناء وصناعات غذائية.

ملايين أخري كانت تلهث بين الأشواط وقبلها وأثناء سير المباراة معبرة عن حالة اقتصادية وصناعية مذهلة.. بالتأكيد.. قطاع الاتصالات يتنافس بعنف.. قطاع المشروبات.. الحلويات.. ماركات أجهزة كهربائية مصرية.. سيارات صنعت في مصر.. مواد بناء مصرية.. قطاع الصناعات الغذائية.. وعلامات مستوردة قليلة.

مشاهد الملعب، وتواجد البنات إلي جانب البنين، ومستوي ملابس الناس الذين يمثلون قطاعاً حقيقياً من الطبقة المتوسطة، واختلاف طرق التشجيع، وقيم الإعلان التي تخاطب الشباب وانطلاقه إلي روح العصر.. علامات أخري تشير إلي تغير جوهري في تركيبة المجتمع.

المباراة نفسها تعبير عن صناعة متكاملة ومعقدة.. لا ننفرد بها.. ولكنها موجودة ومستقرة.. وتنمو.. وتتحول إلي الاحتراف المزدهر يوماً تلو آخر.. صناعة تمثل عناقاً ما بين الرياضة والإعلام والأمن والمواصلات.. وتجسد انبساطاً حقيقياً يتمتع به الناس في مختلف أنحاء مصر والعالم العربي.. بغض النظر عن أن حسام حسن كان يحلم بأن يفوز علي الأهلي الذي فاز واقعياً بالدوري للمرة السادسة علي التوالي.

خلاصة المزاج العام في هذه المباراة مختلفة تماماً عن الخلاصات التي تحاول ترويجها نفس وسائل الإعلام تقريباً التي نقلت المباراة.. أو بعض القنوات علي الأقل.. تناقض رهيب.. سوف يسميه المتحذلقون نوعاً من هروب الناس من واقعهم.. أو أياً من تلك الترديدات الغريبة التي تتجاهل حقائق الأمور.

ومبروك الدوري للأهلي.
 
الموقع الالكتروني :  www.abkamal.net
البريد الالكتروني   :  [email protected]