الثلاثاء 23 أبريل 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أيمن عبد المجيد

البومة والعصفورة




مشهد متكرر تجده في عديد من الأفلام المصرية.. أو في ألعاب العبث بين الأطفال.. شخص يحاول أن يبعد أنظار آخر عن أمر مهم.. يقول له: انظر إلي العصفورة.. وتكتمل الخدعة حين يشخص الآخر ببصره إلي العصفورة الوهمية فلا يجدها.. وعندما ينتبه.. فإن من خدعه يكون قد حقق غرضه بالفعل.

وفي عالم الاحتيال تتأسس بعض عمليات النصب علي فخاخ من هذا النوع.. بحيث يفقد الضحية الانتباه ولو لثوانٍ.. بعدها يكتشف أنه وقع.. حافظته استولت عليها أصابع خفيفة.. جيوبه خوت مما فيها.. وعقله أصبح أسيرًا لمأزق لم يكن في الحسبان.. فإذا كان مسافرًا فإنه سيتورط في البحث عن لص ربما كان عضوًا في عصابة أو مافيا.

وفي السياسة والصحافة هناك من يريد من الآخرين أن ينظروا إلي العصفورة.. أو ربما إلي غراب.. علي أمل أن تتغير الأجندة ولو لثوانٍ.. يكون خلالها المخادع الماكر قد سرق اللحظة.. واختطف الوهلة.. فيحدث فقدان في التركيز.. ويكون المخدوع هو الساذج.. سقط في الفخ.. وانتهي الأمر.. وأثمن المسروقات هو الوقت.. وأعظم السرقات هي التي يضيع فيها الهدف الأهم للفرد.

ليس عيبًا أن تتعلم.. فإذا كنت فيما مضي تشيح ببصرك لوهلة بحثًا عن عصفورة وهمية.. وتعطي جهدًا لأمور صغيرة علي حساب أولويات كبيرة... أو تنشغل بالرسل بدلاً من الرسائل ومرسليها.. أو تحيد عن طريق رئيسي من أجل اشتباك في حارة.. فاعلم أن الزمن كفيل بأن يراكم الخبرة.. وإذا كان الشاطر قد وقع يومًا فإن وقوعه لا ينفي شطارته.

لم يعد الجواب يقرأ من عنوانه.. بل إن عليك أولاً أن تفض الرسالة بتروٍ.. وتعرف مضمون ما فيها باسترخاء.. وتتأكد من مرسلها بدقة.. ثم تقرر إن كنت سوف ترد بهدوء.. أو تضعها في سلة المهملات ببرود.. أو حتي تنقلها إلي ملف المؤجلات بطريقة روتينية.. أو - في أفضل الأحوال - أن تعيد الرسالة مع عبارة من كلمتين وابتسامة: رسالتك وصلت.. أو توفر في الكلمات وتكتفي متكبرًا بكلمة وحيدة هي: نظر.

(خديعة العصفورة) هدفها تشتيت الذهن.. وتفريق الجهد.. وبعثرة الطاقة.. لأن المخادع يعرف أن الذهن عالي التركيز (ثروة).. والجهد الموحد (كنز).. وترشيد الطاقة (منهج علمي) في إدارة المعارك.. لاسيما حين تكون الصراعات بين عقول جبارة.. بعض أصحابها لديهم نفوس غدارة.. خصوصًا عندما يكون الصراع علي المستقبل.

وقد يكون توصيف الأمر بأنه (خديعة العصفورة) رقيقًا أكثر من اللازم.. مقارنة بقذارة وانحطاط ما يجري علي الساحة الآن.. خصوصًا أن الإعلام يستخدم يوميا وعلي مدار الساعة في مثل هذا النوع من العبث.. المسألة تطورت.. فيها مثلاً من يكلف بلطجية بأن يقطعوا الطريق علي المحترمين.. ومن يدفع أجرًا لـ(بلانة) لكي تقذف بلاها علي شخص لا يعرفها ولم يرها في حياته.. ومن يفتعل الوقيعة.. أو يثير الفتن.. ومن يطلق الشائعات علي أهل الأصول.. إذا ما طالعت الصحف وشاهدت البرامج في كل يوم سوف تجد أمثلة لكل ذلك.

إن حاملي الرسائل ليسوا سوي (بوسطجية) لا يعرفون فيما يستخدمون.. لا تنظر إلي العصافير التي كلفوا بأن يشيروا إليها.. اربت علي أكتافهم.. وانظر أبعد منهم إلي (البومة) التي أرسلتهم.. أو (الوطواط) الذي بعث بهم.. وحتي لو كانت السيدة الآتية من حارة عشوائية قد أساءت إلي ملابسك بـ(ماء وسخ).. لا تنشغل.. نظفها.. أو غيرها.. في السياسة ليس مهمًا ماذا تلبس.. المهم تحقيق الهدف وتأصيل الجوهر.. لا الانشغال بالمظهر.

لكن انتبه.. أن عليك في بعض الأحيان أن توحي بأنك وقعت فعلاً في (الخديعة التافهة).. وأن تقبل الإيحاء بأنك حقا تبحث عن العصفورة.. بل تطير وراءها.. وتتقافز علي الأغصان موحيا أنك تحاول اصطيادها.. ذلك أن قواعد اللعبة هي أن تسمح حينًا بأن يسجل الآخرون عليك نقطة ولو عابرة.. وأن تخسر جولة.. أن تفهمهم أنهم نجحوا في إشغالك.. حتي لا تستفزهم لما هو أبعد.. فمن فشل في إيذائك بـ(بلانة) ألقت علي ملابسك (ماء وسخ).. قد يخاطر بكل شيء، وبما في ذلك بنفسه، ويبعث لك بمسجل خطر يلقي علي وجهك (ماء نار).
 
الموقع الالكتروني :  www.abkamal.net
البريد الالكتروني   : [email protected]