الثلاثاء 7 مايو 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أيمن عبد المجيد

ألف نيلة ونيلة




أن يتقدم عدد من المحامين، أي بعضًا ممن يفترض فيهم أنهم من فئات المجتمع المتعلمة، أي ممن يفترض فيهم أن يكونوا حصونًا للحقوق والحريات، ببلاغ لكي يطالبوا النائب العام بتحريك دعوي قضائية لمصادرة كتاب الثقافة العربية الأشهر «ألف ليلة وليلة».. فإن تلك مصيبة كبيرة.. يجب ألا يقل وصفها عن أنها «ألف نيلة ونيلة».

فإن كانوا سعاة شهرة، فهذه مصيبة كبيرة، وخيبة بالطن، واجتراء غير مقبول، واستغلال لآلية القانون لا ينبغي تمريره.. ولو كان الأمر بيدي لعاقبتهم بما يساوي عقوبة ارتكاب فعل شائن.

وإن كانوا يؤمنون حقا بما اقدموا عليه، فتلك كارثة، ومصيبة أعظم.. ليس فقط أكبر، ولا بد أن يحاكموا بتهمة الجهالة.. حتي لو كان الدستور يعطي الحق لأي مواطن في أن يمارس حقه في التقاضي.. فإن هذا فعل أحمق.. وإساءة للمجتمع.. وطعن في مستواه العقلي.. يمتد للأجيال التي سبقتنا إلي الحياة منذ نبع كتاب «ألف ليلة وليلة».. وإلي الآن.. وبالتالي فإن هؤلاء يجب أن يعاقبوا عما اقترفوه في حق كل فرد عربي من وقتها وحتي اللحظة.. وأقول منذ «نبع» الكتاب لأنه بالفعل كالنهر يجري في عقولنا منذ مئات السنين.

أي وصاية تلك، ومن الذي أعطاهم الحق، ومن خولهم أن يقرروا لنا ما الذي نقرأ وما الذي ليس علينا أن نقرأ، وكيف بهم لا يحترمون تراثنا، ولا يوقرون عقولنا، ويقررون أنهم يعرفون أفضل منا، وأن عليهم أن يراقبوا اخلاقنا، وأن يصوبوا لنا معارفنا؟! ولو كنت في مكان كل من اشتري نسخة من سلسلة الذخائر التي تصدرها قصور الثقافة وأصدرت فيها «ألف ليلة وليلة».. وأنفدوا ما وزع منها بشراء كل النسخ في 48 ساعة..لقاضيت كل محامٍ من هؤلاء بتهمة التعدي علي العقل.

لقد هجرنا هذا المناخ منذ سنوات، وكنا وقتها أصلا متأخرين في تجاوز هذه الأمور.. ولكن تبين أن المجتمع لم يزل يعتمر بظواهر ضد العصر.. تعبر عن اتجاهات مخجلة.. لا تليق ببلد يعيش في القرن الواحد والعشرين.. والأهم أنه وجد قبل أن توجد مختلف الدول.. ولو مررنا لمثل تلك العقليات ما تنحو إليه وما تفعله بهذا البلاغ الأحمق.. لفوجئنا بها بعد مطالبتها بمصادرة «ألف ليلة وليلة» تطالب بمصادرة لوحات المعابد الفرعونية.. ففيها ما قد يخدش «جهالتهم».

هذه العقلية هي نتاج نظام تعليم فاشل.. في الجامعة وقبلها.. وعلي أساتذة هؤلاء المحامين ومن علموهم.. أن يخجلوا لأنهم أنتجوا هذا النوع من الخريجين.. وليس علي أحد أن يحدثني هنا عن المناهج وحالة المدارس وزحام المدرجات في الجامعات.. فقيمة احترام العقل ومبدأ تقبل التراث الذي لا ينفي نقده وانتقاده ومبدأ حرية التفكير.. إنما هي أمور لا تحتاج إلا الي أن يتم تربية الأجيال عليها.. ولا تحتاج كتبا ومؤلفات وميزانيات.

وإذا كنا قد عانينا من قبل من هذا النوع من التفكير العقيم، الذي يتحول إلي قضايا حسبة فإننا نحمد الله أن المعاناة السابقة قد أنتجت قواعد قانونية وإجرائية تمنع تحريك دعاوي الحسبة المماثلة إلا عن طريق النيابة العامة.. التي لا شك أنها ستعامل هذا البلاغ بما ينبغي ويليق به.

غير أن انزعاجي الحقيقي والأهم هو أن النخبة المعنية بالدفاع عن حرية المجتمع، وعن حرية التفكير، وعن الحفاظ علي التراث من شبح المصادرة، والمعنية بالوقوف أمام مثل هذا النوع من الجهالة، لم تتحرك ولم تنشغل بالأمر.. لم توقع بيانا ولم تكتب انتقادا ورفضا.. فهي منشغلة بالصراعات السياسية الضيقة.. بل إن نقابة المحامين المفترض فيها الدفاع عن الحريات لم تصدر بيانًا ترفض فيه هذا السلوك الملتحف بالقانون.. وتلك «نيلة» إضافية فوق الألف التي ابتلانا بها هؤلاء المبلغون ضد الكتاب.
 
الموقع الالكتروني :  www.abkamal.net
البريد الالكتروني   : [email protected]