الجمعة 29 مارس 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
احمد باشا

الدم المصري




في بداية العام الحالي استشهد الجندي المصري أحمد شعبان برصاص حركة حماس الغادر.. بينما كان يؤدي واجبه علي حدود بلده.. يحميه وفقا للمهام المكلف بها.. وحسبما يقتضي دوره الوطني.. ووفق ما ينبغي عليه أن يفعل بينما هو يرتدي ثوب الميدان.

استشهد أحمد شعبان ثلاث مرات.. مرة حين قتلته حركة حماس.. ومرة حين شككت وسائل الإعلام المصرية المغرضة في أن حماس هي التي اغتالته وطلبت من الرأي العام أن يهدأ.. فلما لم يهدأ كان أن تجاهلت الأمر ونسيته.. ومرة ثالثة حين نسينا أحمد شعبان وأرادت وسائل الإعلام نفسها أن ننتفض من أجل الجريمة البشعة التي ارتكبت بحق القاتل المصري في لبنان.. الذي مثَّل فقراء سُنة في قرية لبنانية بجثته بعد أن قتل أربعة واغتصب فتاة.

إن الدماء المصرية أغلي من أن تهدر.. ولكن ما تعريف هذه المحطات وتلك الصحف للدماء المصرية.. هل كان الجندي الذي يؤدي واجبه من بلد آخر.. وهل كان القاتل الذي مثَّل القتلة بجثته من مصر أكثر من غيره؟

لست أدعو أبدًا إلي التخلي عن حق القانون فيما جري في القاتل المصري في القرية اللبنانية السنية.. هذا فعل بشع.. يقتضي التدخل القانوني لكي نعرف من السلطات القانونية كيف حدث هذا.. ولماذا لم يحم الشاب حتي يحاكم بطريقة عادلة وينال عقابه الرادع.. أيا ما كان؟

ولكنني أتساءل: ماذا نفعل في إعلامنا بهذه القصة؟ ماذا نريد منها؟ ما الهدف من هذه الضغوط المتوالية.. وإلي ماذا تسعي؟ هل مثلاً علينا أن نعلن الحرب علي لبنان.. هل ينبغي أن نقطع العلاقات الدبلوماسية معها فورًا.. هل لابد أن تلهث السفارة.. أو حتي وزارة الخارجية.. وراء كل مصري يتقدم إلي خطبة فتاة لبنانية.. وتسعي إلي أن توفق مقصده.. وأن تضغط علي الأسرة اللبنانية لكي توافق علي زواجه.. ولماذا لم تسخن الدماء في عروقنا بنفس الدرجة حين سقط الشهيد المصري علي الحدود برصاص حماس؟

أعرف أنني أسبح ضد التيار.. وأنه تيار جارف وعنيف.. الوقوف في وجهه كمن يضع نفسه في قلب تسونامي باطش.. ولكن صوت العقل يجب أن يسمع.. الجريمة التي ارتكبت في حق القاتل المصري في لبنان بشعة وغير مقبولة.. ولابد أن نسعي إلي ملاحقة كل من ساعد عليها وساهم فيها.. ولكن في نهاية الأمر هذه جريمة وقعت ليس علي الإطلاق لأن المجني عليه مصري الجنسية.. الأهالي في القرية اللبنانية السنية لم يفعلوا هذا بعد أن تحققوا من جواز سفره.. المجرمون مثَّلوا بجثته بعد أن تم تسهيل هذا لهم.. وليس لأن السفارة المصرية لم تكن لديها قنصلية مثلاً في القرية.

لا أدافع عن سفارة أو وزارة وإنما أتصور أنني أحمي مصالح شعب ودولة.. إنما أريد أن نضع معيارًا للمعالجات الإعلامية لمثل هذه الوقائع.. إن ملايين المصريين يعيشون في الخارج.. وأغلبهم غير مسجلين لدي السفارات.. يعملون ويهربون أو ينجحون أو يتم استيفادهم بالطلب من دول بعينها.. طيف هائل من النوعيات والألوان والشخصيات.. لا تتابع أحوالهم الصحف إلا حين تقع لأحدهم مشكلة ما.. أو حين يصطدم أحدهم بالقانون في البلد الذي يعيش فيه.. ونحن نظن أن علي الدول الأخري ألا تطبق القانون علي أبنائنا لأنهم مصريون.

المصريون في الخارج فيهم العلماء وفيهم الأساتذة وفيهم الأكفاء وفيهم النابهون الذين يثيرون الفخر.. كما أن فيهم من يتاجر في المخدرات.. ومن يقتل.. ومن يتهرب من نظام التأشيرات والإقامة.. ومن ينضم إلي العصابات.. كل منهم حر فيما يفعل.. ويتحمل جريرة ما يقوم به.. الشوفينية هنا تضر كل هؤلاء المصريين.. خاصة الصالحين وليس الطالحين.. وتصرفات وسائل الإعلام في مصر التي تطعن في الدول ـ بسبب وقائع تجري يوميًا ـ يمكن أن تعوق وجود المصريين في بعض الدول من الأصل.

انتبهوا أيها السادة.. فإن الدم المصري غال جدًا.. ولابد من حمايته وصيانته والدفاع عنه.. ولكن مصالح بقية المصريين ومصالح مصر كلها أكبر من طيش وسائل إعلام بعينها.. خصوصًا ونحن نري هذه التفرقة في المعاملة الإعلامية بين شهيد قتلته حماس.. وقاتل مثَّلت بجثته ـ في فعل بشع ـ مجموعة من الفقراء السنة في قرية لبنانية.
 
الموقع الالكتروني :  www.abkamal.net
البريد الالكتروني  :   [email protected]