الجمعة 29 مارس 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
احمد باشا

الدم المصري (4) نحن لا نفهم العرب




و(نحن) هنا لا أعني بها الدولة.. فمؤسساتها عامرة بالخبرات المتراكمة والمنظمة التي تعرف كل شاردة وواردة في تركيبة الدول العربية المختلفة ومجتمعاتها.. (نحن) أقصد بها نخبة مصر وعقولها وصحفييها وإعلامييها.. الذين لا يوجد بينهم وفيهم إلمام شامل.. ولا حتي جزئي في الأغلب بما يعتمر في المجتمعات العربية.

كم مثقفاً مصرياً لديه إلمام بطبيعة التيارات المؤثرة في المجتمع السعودي؟ إن الصورة الذهنية النمطية في أغلبية العقول هي أن هذا المجتمع تحكمه الوهابية.. وهذا معني ليس صحيحاً الآن.. علي الإطلاق تقريباً.

كم مثقفاً مصرياً يعرف طبيعة التركيبة السياسية الحاكمة في سوريا، والعلاقات المتشابكة بين الأطراف، وانتماءات الصحف والاهتمامات المالية للقوي المختلفة؟ الصورة الذهنية لدي الغالبية هي أن سوريا دولة تعمل وفق أجندة القومية العربية.. فهل هذا سليم؟

كم محللاً مصرياً قادراً علي استيعاب المتغيرات المؤثرة في تركيبة المجتمع القطري، ودور السلفية فيه، والتوازن الهش بين التحركات الرسمية القطرية في اتجاه إسرائيل والولايات المتحدة وبين هذه التأثيرات السلفية؟

كم باحثاً مصرياً يمكن القول إنه متخصص في شئون السودان.. يعرف تركيبات القبائل في كل إقليم ويدرك أبعاد العلاقات بينها.. ولديه تصور متكامل عن مستقبل الدولة هناك.. بل علي الأقل يكون ملماً بجغرافيتها المعقدة؟

كم ناقداً مصرياً مطلعاً علي الحركة الأدبية العربية بشموليتها، لديه إلمام بأسماء الروائيين والأجيال الجديدة من الشعراء وكتاب القصة القصيرة، والحركة الفنية بمختلف تنوعات مجالاتها.. نجوم السينما والتليفزيون والغناء والفن التشكيلي.. وكم مرة كتب عن هذا؟

كم خبيراً مصرياً يدرك أبعاد ما يجري في العراق، وطبيعة تكوينه الطائفي الجديد، ومكانة كل فريق، وحدود التأثير الإيراني، ومشكلة الأكراد، وتنويعة التوازنات، وما إذا كان ما يتم هناك هو بناء لديمقراطية حقيقية أم أنه مجرد شكلانية أو هي في الطريق بالعراق إلي عصر مختلف؟

كم مصرياً يعرف لبنان علي وجه اليقين، ويدرك أن المجتمع هناك أعقد من كليبات هيفاء ونانسي عجرم وخطابات حسن نصرالله.. وأن لبنان فيه سُنة وشيعة ومارون وطوائف كثيرة؟! كم سياسياً مصرياً يعرف طريقة توزيع المقاعد في البرلمان اللبناني؟

ومن ثم، وعلي الهامش، كم إعلامياً مصرياً، طالع الخريطة وبحث عن موقع القرية التي جري فيها الفعل البشع في جثمان القاتل المصري الذي مثلت به قرية سنية بأكملها، وأدرك أو حاول حتي أن يعرف عادات هذه القرية ومدي انتشار عادة الثأر فيها؟

أيضا، كم باحثاً مصرياً يعرف الأحزاب المغربية، وطبيعة مشكلة البوليساريو، وعلي ماذا يقوم نظام الملك، وما طبيعة العلاقة بين الجزائر والمغرب، والجزائر وإسبانيا، ومعدل النمو في الدولة المغربية ومستقبل اقتصادها؟

كم مذيعاً رياضياً من أولئك الذين تصدوا لملف العلاقات المصرية ـ الجزائرية يعرف خمساً من مدن الجزائر الرئيسية، ويدرك التعقيد الثقافي في المجتمع، والتشابك السياسي بين أطرافه، وحاول أن يفهم انتماءات الصحف ومصالحها وهو يحكم علي ما دار إبان الأزمة بين مصر والجزائر؟

الخلاصة: نحن لا نعرف العرب، نحن نعرف أنفسنا فقط، وحتي هذه فيها شك كبير.. وإذا ما حاولنا معرفة العرب فإننا نكون قشريين، وإذا تعمقنا نكون مشرقيين ونتجاهل المغرب بمعناه الواسع، ولو عرفنا هذا وذاك فإننا نتجاهل السودان والصومال وموريتانيا وسلطنة عمان.. بل أزعم أن الكثير من نخبتنا لا يعرف علي وجه اليقين ما حجم مصالحنا وتواجدنا وأعداد عمالتنا في كثير من الدول غير التقليدية.. فكيف بنا يمكن أن نتكلم عن ريادة ونطالب الدولة بإعمال عناصر القيادة.. أليست هذه الدولة تعبيراً عنا؟

ارفع شعار «مصر أولاً».. وارفض التضحية بالذات من أجل الغير.. وإنما التضحية تكون من أجل الصالح الوطني.. ولكن التعرف علي المجتمعات العربية يعاني لدينا من قصور رهيب.. ونقصان خطير.. يؤثر بالتأكيد في طريقة تعاملنا مع الأشقاء العرب.. وفهمنا لمبررات المواقف.. ومن ثم في ردود الأفعال التي يجب أن نتخذها تجاه هذا الأمر أو تلك المشكلة.. أيا ما كانت.

كيف تقود من لا تعرف.. وكيف تمارس الريادة علي من لا تستوعب متغيراتهم.. مرة أخري أتحدث عن المجتمع ونخبته.. وأما الدولة فهي تعرف بالفعل الدول العربية ومجتمعاتها بدقة.

ونواصل غداً.

الموقع الالكتروني :  www.abkamal.net

البريد الالكتروني : [email protected]