صحافة الميكروباص والتاكسي الليموزين
عبد الله كمال
الشيء بالشيء يذكر.. وعلي ذكر «المصري اليوم» تأتي سيرة «الشروق».. وإذا كنت كتبت بالأمس عن صلاح دياب فلابد من التوقف اليوم عند ما يقوم به إبراهيم المعلم.. والمشترك بين الاثنين أن جريدتيهما من منبع واحد وإن اختلفت الأساليب.. وأن كلتيهما منبر للإخوان ومحمد البرادعي وإن تبدلت طرق المعالجة.
في افتتاح معرض الكتاب الأخير، وصف لي مثقف كبير، جريدة (المصري اليوم) بأنها «تشبه الميكروباص»، أي عابر في الشارع يمكن أن يشير له.. فيقف الميكروباص في أي مكان ويركب.. وعلي قدر ما أدهشني الوصف البليغ فإن ما أذهلني أنه يأتي من صاحب قلم يكتب بالفعل علي صفحات هذا الميكروباص.
في المقابل تحاول «الشروق» أن تبدو كما لو أنها ليموزين متأنقة، لا يركبها إلا علية الركاب، لكنها في النهاية (تاكسي) وإن تبدل عليها السائقون.. تصف نفسها بأنها طائرة.. لكنها لم تحلق بعد.. ولا ينتظر لها ذلك.. حين تقررت كمشروع تخلت عن (شعبوية) الميكروباص، ولم تشتبك مع الصحافة القومية في معارك التشويه، وراحت تقدم نفسها علي أنها مطبوعة (رصينة)، وهذه الرصانة هي بيت خديعتها الكبري.
إبراهيم المعلم، كناشر كبير، صاحب مشروع محدد الملامح، نحا في السنوات الخمس الأخيرة إلي أن يكون منبرًا صريحًا لكل المنتوج الثقافي المضاد لتوجه الدولة برمته، يقول بدوره لمن يلتقيهم من مسئولي الدولة إنه ليس ضد الدولة.. وأنه يريد مد الجسور.. وهو بدوره المسئول عن سياسة الجريدة بغض النظر عن الزملاء رؤساء التحرير.. إلي الدرجة التي تدعوه لأن يكون موجودًا بدورية شبه يومية في (ديسك الجورنال) بل الاتصال للاستفسار عن أخبار بنفسه.
المنبع المشترك للصحيفتين، لم يمنع «الشروق» من أن تتجه إلي أن تكون جريدة راديكالية تجمع رموز التيارات القومية الإسلاموية.. فهي منذ البداية منبر لكل من حسنين هيكل، وجميل مطر، وفهمي هويدي، وسلامة أحمد سلامة، وفاروق جويدة، وعلاء الأسواني، وضياء رشوان.. فضلاً عن طلال سلمان وعزمي بشارة وأحمد ماهر السيد ومحمد السماك وحمدي قنديل.
الميكروباص يميل الآن، ربما بفعل الصدفة، إلي كتاب من جيل أقل عمرًا، لكن التاكسي الليموزين اختارت أن تكون جريدة جيل كبار السن، وبالتالي فهي بدون محرك، وإن ارتفع صوت الصخب في داخلها.. وإذا كانت تبدو هادئة نوعًا في صفحتها الأولي.. فإن مقالات الرأي فيها هي أعنف ما يكتب في الصحافة المصرية ضد الدولة المصرية.. تقرأ فيها صوت سوريا وصوت حزب الله وصوت حماس.. وبالطبع إيران وقطر.. ومن ثم هي تركز في الأغلب علي السياسة الخارجية المصرية.. وتشويه منتوجها.. في حين تركز الميكروباص علي قضايا الداخل.
حمدي قنديل مثلاً كتب كلامًا قبل أيام وصف فيه وزير الخارجية بما لا يجوز تكراره، وعلاء الأسواني يواصل كل أسبوع الانشغال بتشويه جهاز الأمن، وفي الطريق يمر طلال سلمان التابع إلي دمشق لانتقاد دور مصر، ومن ثم يكتب فهمي هويدي إما تأييدًا لتركيا وإيران أو شتائم مستمرة في مصر.. أو عبارات سمجة قليلة الذوق مثل تلك التي كتبها بالأمس عن الرئيس.
وتتسم صحيفة الميكروباص بأنها انتقائية في أخبارها، أما التاكسي الفاخر التي فقدت محركها، فهي منهدمة الأخبار، تحظي بتكذيبات متوالية، وتهرب من التوثيق إلي أن تنسب لمصادر مجهولة معلومة غريبة الأطوار.. تشم فيها رائحة معينة.. وإذا أردت أن تعرف بعض التوجهات الأمريكية في المنطقة لابد أن تقرأ أخبار جريدة «الشروق» مجهولة المصدر أولاً. وليس عليك أن تندهش من تناقض هذه السمة مع مواصفات خط الجريدة الراديكالي.
بالأمس نقلت «الشروق» عن روبرت فيسك وصفه لسجن طرة المصري بأنه جوانتانامو العرب، ويحسب لها بالطبع أنها ترفعت عن وصفه بأنه سجن (أبوغريب).. فهي لا تتعمد الإثارة(!!!) ومن ثم تجدها تطرح سؤالاً مهمًا في المنتدي الإلكتروني لها:
مصر وحزب الله.. أيهما علي صواب؟ وبالطبع لا يمكن أن تعتبر الجريدة تقصد المساواة بين دولة كبيرة وحزب ممول إيرانيًا.. أو أنها ترغب في أن تشكك في موقف مصر وتطرح صواب موقفها للنقاش.
الميكروباص صحيفة معنية بأن تحدث جلبًا وحوادث في الطريق العام، لكن «الشروق» معنية بأن تقوم بأربعة أدوار فيها انسجام رغم تناقضها الظاهر: منبر للراديكالية ــ وعاء لقوي اقتصادية بعينها ــ تحديدًا شركات استثمار وسمسرة ــ نشر أخبار أمريكية محددة ومتناثرة ــ العمل ضد توجهات الدولة المصرية من خلال مقالات الرأي.. كلها تقريبًا.. باستثناء بعض الكتابات.. وبحيث يكون هذا في إطار يدعي الرصانة.. ولكنه مليء بالثقوب.. وكل هذا يتسق تمامًا مع ما يبيعه إبراهيم المعلم في دار الشروق.
وأهم ما تمثله (التاكسي الليموزين) الآن هو أنها المصدر الأول للنقل في الصحافة الأجنبية، وقد كانت هي المنبر الأول والأهم الذي دشن حالة البرادعي في مصر، قبل أن يختطفه الميكروباص.
الموقع الالكتروني : www.abkamal.net
البلايد الالكتروني : [email protected]