الجمعة 19 أبريل 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أيمن عبد المجيد

أصدقاؤنا في اليونان




من أثينا :

رحلة ليست مقررة من قبل.. مفاجئة نوعا ما.. لكنها ليست مدهشة أو غريبة.. لها سياق ويمكن فهمها وسبر أغوارها.

كان من المفترض أن يعود الرئيس مبارك من إيطاليا إلي القاهرة مباشرة يوم أمس الخميس.. لكن ترتيبات جرت مساء الثلاثاء وصباح الأربعاء غيرت الجدول.. وتقرر أن يمر الرئيس علي اليونان وأن يلتقي صديقه رئيس الوزراء جورج باباندريو، العائد مهرولاً من بيروت حيث كان يلقي محاضرة.

العنصر الشخصي في العلاقات الدولية مهم جداً في سياقات تواصلات مبارك مع قادة الدول. كلام مثل هذا المديح الرائع الذي قاله بيرلسكوني في مبارك يوم الأربعاء لا يعود فقط إلي التقدير السياسي وإنما إلي التفاعل الإنساني بين الرئيسين.. وإلي الكيمياء التي جرت بين اثنين من البشر.

نموذج مثل هذا تجده مع ساركوزي وقبله كان مع شيراك.. ومع عاهل السعودية الملك عبدالله وأمير الكويت الشيخ جابر.. ومع رئيس الصين.. ورئيس اليمن.. وحتي مع بعض زعماء إسرائيل. والتفاعل الإنساني لا ينبني علي أساس الإعجاب الشخصي، وإنما علي تقدير خصائص وتصرفات الأفراد.. أنت تعجب بالشيم وتقدر الصفات.. ومنها مثلا الصدق في التعامل.. الوضوح.. تبصير الأصدقاء بما يحيط بهم.. الوفاء بالوعد.. والتقارب المستمر في كل الأوقات وأن يجد الصديق صديقه وقت الشدة كما وجده وقت الرخاء.

اليونان الآن في شدة وكرب. مبارك زارها قبل عامين تقريباً حين كان الرخاء يعم كل شيء.. ووعود مستثمري اليونان بالعمل في مصر تفوق التخيل.. واحلام المصانع التي ستبني واتفاقيات التجارة لا يمكن حصرها.. كان اللقاء بين مبارك ومستثمري اليونان متوهجا وفعالا. وقد مضي هذا الزمن وانقضي.. وصارت المظاهرات تضرب الشارع اليوناني بسبب التوترات الاقتصادية ورفض الرأي العام لإجراءات التقشف ومعاناته من الكارثة المالية.. وفي هذا التوقيت يسافر الرئيس مبارك إلي اليونان.

الرسالة هي: يا أصدقاءنا نحن معكم.. ندعمكم.. نساندكم.. اذا كنا نستطيع أن نوصي بمساندتكم من اشقائنا أو أصدقائنا فإننا بالتأكيد سوف نفعل.. وإذا كان مطلوبا منا أي جهد يمكن أن نقوم به ذاتيا فسوف يكون حاضراً فوراً.

هكذا قابل مبارك بالأمس رئيس اليونان ورئيس الوزراء.. ولم يعد إلي مصر بدون أن يبذل جهدا إضافيا.. في سياق ترسيخه للعلاقات المصرية في أفقها الأوروبي الدافئ. وكما يلحظ الجميع فإن مصر تستثمر جهدها علي نطاق واسع في اتجاه تواصلاتها المتوسطية.. هناك دفء أقل في بقية أجزاء أوروبا. لكن المعادلة رابحة. ففي رصيد مصر هذا التميز في العلاقات مع فرنسا وإسبانيا وإيطاليا واليونان وألمانيا والبرتغال وغيرها.

لقد أدهشنا قبل عامين اللقاء الذي عقده مبارك مع زعيم المعارضة وقتها جورج باباندريو وكنا نتساءل ما هي دوافع مبارك للقاء زعيم حزب خارج الحكم؟ ما حاجاتنا إلي ذلك؟ أليس عليه أن يوفر ساعة لأمر آخر؟ ثم تثبت الوقائع أمورا أخري.. إنه الاستثمار الإنساني والسياسي الممتد في العلاقات الدولية والشخصية. فالتواصل بين باباندريو ومبارك له جذور منذ سنوات طويلة وربما يعود إلي العلاقة مع أبيه اندرياس باباندريو، وقد جاءت اللحظة التي يقف فيها الصديق مبارك إلي جانب صديقه رئيس الوزراء في وقت الشدة.

إن ما بين مصر واليونان علاقات ممتدة وعميقة ومتواصلة منذ ألفي عام.. نحن شركاء الحضارة منذ 20 قرنا.. وجيران المتوسط منذ تاريخ بعيد. والتفاعل بين بلدينا ممزوج بالإنساني والأسري والسياسي والاجتماعي.. لا بل وبالعواطف والأساطير.. وبالأمس كان مبارك يضيف إلي هذا التاريخ ويرسخ فصلا في قصة الألفيتين بين البلدين.
 
الموقع الالكتروني :  www.abkamal.net
البريد الالكتروني   :  [email protected]