الخميس 25 أبريل 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أيمن عبد المجيد

سكين البصل.. والاعتصامات




روي لي أستاذنا الدكتور فوزي فهمي نصيحة عن أستاذه وأستاذنا الناقد الكبير المرحوم الدكتور محمد مندور أنه ـ أي د.فوزي ـ حين كان (في مقتبل عمره) يقوم بنقد عمل مسرحي ما بقدر من القسوة فإنه يقول له (لا تستخدم سكين البصل وإنما مبضع الجراح).. وقد استفاد الدكتور فوزي من نصيحة رائده حتي صار جراحاً صاحب مدرسة ومناهج في الاستخدام المتنوع للمباضع.

وفي السياسة والصحافة، كما في النقد الفني، وبالإجمال في كل مجريات الحياة، تتنوع الأساليب بتنوع الأشخاص ـ والدول ـ والأهداف والتفاعلات، وكما أن هناك سكيناً للبصل ومبضعاً للجراح.. فإن هناك ساطوراً للحم وريشة للفنان.. أو خيطاً للتقطيب وزراعة للأعضاء.. وأحياناً تصادف من قد يضحي بالمريض ومن قد يقرر الانتحار بالطبيب.. سمعة أو عمراً.

في السياسة توجد بدائل ما بين حلول القوة الناعمة والقوة الصريحة.. والدعاية الفاضحة والإعلام الذكي.. والقرار الحاسم والقرار المتدرج.. القسوة العاقلة والعنف الغشيم والقتل الرحيم.. أو الهدهدة الحوارية.. والليونة المستمعة والمتفاوضة.. وبما في ذلك أحياناً الإيحاء بالرضوخ للضغوط والاستجابة لها.

وتختلف الأمور حسب أساليب المناورة من أجل تحقيق الأهداف.. أو افتقاد الفاعل للقدرة علي المناورة من الأصل.. أو أن هذا الفاعل لديه الإمكانية والموهبة والعقل الذي يمكنه من الاختيار بين البدائل وتوقيتات استخدامها.. متي يختار أن يكون ناعماً سلساً.. ومتي عليه أن يتقدم بخنجر للطعن.. متي عليه أن يتقبل المطالبات ومتي عليه أن يرفضها كلياً أو جزئيا؟

صانع القرار الحكيم، أي قرار، وبعد التشخيص، يلجأ أولاً إلي العلاج الدوائي، لا يستنفد أوراقه من اللحظة الأولي، خاصة إذا كانت حالة الملف تسمح.. أو إن شئت التقريب إلي الذهن: حالة المريض.. فأي ملف متفجر أو ملف عادي يحتاج إلي معالجة.. هو مريض ينتظر أن يعود إلي صحته.. أو حتي إنسان مصح يريد أن ترتقي قوته.

المشكلة في هذه الأيام، ليست في مصر وحدها، وإنما في عديد من دول العالم، هي أن قطاعات من الرأي العام تريد القفز إلي أسلوب (ساطور اللحم) فوراً.. سواء كان الأمر يتعلق بأمر خارجي أو شأن داخلي.

وذات مرة في مرحلتي الأولي مع مرض ضغط الدم المرتفع.. ذهبت إلي طبيبي أطلب رأيه في دواء اقترحه علي صديق مريض بنفس الداء.. فقال لي الأستاذ الدكتور جمال شوقي: إن هذا الدواء المقترح يشبه الدبابة.. في حين أن مستوي مرضي ـ وقتها ـ كان يحتاج إلي المواجهة بدواء كما لو كان بندقية.. الآن أنا أعالج ضغط الدم بهذه الدبابة ولا أظن أنه كان من الواجب اللجوء إليها قبل خمس سنوات.. وربما أحتاج إلي صاروخ في مرحلة تالية.

الحكومة كانت تتعامل بأريحية، مع الاعتصامات المبتذلة علي أرصفة شارع مجلس الشعب.. وبغض النظر عن كونها اعتصامات مبررة.. تتحمل الحكومة مسئوليتها أو هي نتجت عن مشكلات في القطاع الخاص.. تعبر عن ظلم بين أو تزيد في المطالب.. وسواء كانت أريحية الحكومة مفرطة.. أو فسرها البعض علي أنها عدم قدرة.. وسواء كانت الاعتصامات مشاهد مقبولة في إطار الحراك الديمقراطي.. أو تمثل دعاية سياسية سيئة.. وسواء كانت فرصة للتنفيس.. أو ترك المشاهد الجذابة لوسائل الإعلام.. أيا ما كان هذا.. فإن ما جري في يوم الأحد حين اقتحم المعتصمون من عمال شركة أمونسيتو مجلس الشعب.. كان أمراً يستوجب التوقف والحسم.. واللجوء إلي التدخل الجراحي الذي يعيد الأمور إلي نصابها.

الاعتصامات يمكن قبولها تعبيراً عن الرأي، كما أن من حق العمال المتفاوضين أن يرفضوا حلولاً عرضت عليهم ويريدوا أكثر منها.. لكن التعدي بالاقتحام علي مبني له صفة دستورية أو أي مبني آخر.. ينقل فعل الاعتصام من حالة التعبير عن الرأي المقبولة والقانونية.. إلي الفوضي واجبة المواجهة.

أما وأن هذا الاعتصام قد انتقل إلي مرحلة غير مقبولة وضد الاستقرار وبما يخالف الأصول.. فإن المواجهة الحاسمة مع مثل هذا السلوك لابد أن نؤيدها.. حتي لا يصبح هذا الأسلوب منهجا متكرراً.. وفي ذات الوقت.. فإن علي الحكومة أن تسعي جادة إلي حل هذه المشكلة قبل أن يعود أصحابها إلي الاعتصام في مكان آخر.
 الموقع الإلكترونى :  www.abkamal.net
 البريد الإلكترونى : [email protected]