الخميس 18 أبريل 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أيمن عبد المجيد

شبح الحرب




بعض المحللين يري أنه لابد أن تنشب حرب ما.. لكي يتم لئم آثار الأزمة الاقتصادية الدولية.. وأساس الفكرة هو أن الأزمات الاقتصادية الكبيرة والعالمية من هذا النوع تتطلب في غرف المؤامرات حروبا تدير الماكينات الهائلة.. لكي تعوض الخسائر.. وتعيد التوازن للقوي التي اهتزت.

والحروب المقصودة هنا ليست تلك التي يمكن أن تكون علي نطاق محدود.. حتي ولو كان صاخباً.. وإنما حروب تشهد اصطداماً بين قوي كبيرة.. وتؤدي إلي تدمير.. وإلي تأثير علي علاقات التفاعل بين مراكز الثقل الدولية.. ومن ثم فإن الحرب المنتظرة التي تنطبق عليها مواصفات من هذا النوع قد تكون هي الحرب التي تخص ملف إيران.

وتلوح الآن في الأفق بوادر أزمة كبيرة في جنوب شرق آسيا بين الكوريتين.. الشمالية والجنوبية... الشمالية أغرقت سفينة للجنوبية.. وأدي هذا إلي تصعيد جنوبي وتهديد بأن تدفع الشمالية الثمن.. فردت الشمالية بقطع العلاقات.. وبدأت ظاهرياً وعملياً استعدادات للحرب.

واقعياً، هذه المنطقة هي نقطة تقاطع علاقات ومعادلات حامية بين الغرب والشرق بمعناه الجديد.. معناه الصيني.. في معسكر كوريا الجنوبية تقف الولايات المتحدة حليفاً وثيقاً... ولديها قاعدة فيها 28 ألف جندي.. وقد أيد البيت الأبيض الإجراءات التي اتخذتها كوريا الجنوبية في اتجاه التصعيد مع الشمالية.. والصين هي السند الأهم والأقوي لكوريا الشمالية.. وهي لا تريد عملاً يؤدي إلي هز واقع بيونج يانج.. وعلي الجانب الآخر تقف اليابان أيضا إلي جانب كوريا الجنوبية.

هل هذه هي الحرب المقصودة؟.. لست أدري.. ولو نشبت حرب في ذلك الإقليم فسوف تكون لها آثار خطيرة.. ولكني أعتقد أن توازن القوي بين الصين والولايات المتحدة وتقاطع المصالح بين البلدين والحرب الاقتصادية غير المعلنة بين كليهما.. تلك التي تحقق فيها الصين مكاسب مهولة.. هذا التوازن قد لا يقود إلي تغيير في موازين القوي في الظهير الكوري للصين.. بقدر ما يمكن أن تستخدمه الولايات المتحدة كورقة ضغط مؤثرة جدا في مواقف الصين من الصراع الأمريكي الإيراني.

معادلة (هذه لك.. وتلك لي).. قد تدفع الصين إلي أن توقف معوقاتها في مواجهة التحركات الأمريكية في الملف الإيراني.. حماية لمصالحها في كوريا الشمالية.. وربما كان العكس صحيحاً أيضاً... لكن المؤكد أن هناك عض أصابع متبادلاً بين القوتين الأكبر اقتصادياً.. سوف تكون له آثار علي تفاعلات الشرق الأوسط.

مجموعات مختلفة من المفكرين في الغرب والولايات المتحدة قدروا في كتابات نشرت منذ العام 2008 حين اندلعت الأزمة المالية الدولية التي تحولت إلي أزمة اقتصادية عالمية.. قدروا أن وضعية الولايات المتحدة في أعقاب تلك الأزمة الاقتصادية تتغير.. وأن موقفها كقوة عالمية غير خاضعة للمنافسة سوف يتبدل في أعقاب الأزمة.. ربما بصعود أكبر للصين.. ومع انكفاء الميزان التجاري بين واشنطن وبكين لصالح بكين بعشرات المليارات من الدولارات.. فضلا عن الأموال الصينية المستثمرة في السندات الأمريكية.

فوكوياما قال إن الولايات المتحدة لن تعود كما كانت. وقد تكون رؤيته غير صائبة في ضوء أنه حكم من قبل بنهاية التاريخ.. ولم ينته بل ربما دخل مرحلة بداية جديدة.. والفيلسوف البريطاني جون جراي بان قال إن ما يجري الآن أكثر من غليان أزمة مالية دولية.. بل تحول تاريخي في موازين القوي العالمية.. وأضاف: لقد ولي عصر القيادة الأمريكية إلي غير رجعة.

ولو كانت هذه التحليلات وتلك الرؤي صحيحة.. فإن القاعدة هي أن الأفيال لا تسقط في صمت.. بل إن سقوطها يكون مدويا ومدمرا.. خاصة إذا كانت تقاوم.. وتري أن من حقها الدفاع عن مكانتها غير المسبوقة تاريخيا.. والأهم أن المدي الزمني لتحقق تلك التوقعات لا يكون بين ليلة وضحاها أو بين عام وآخر.. هذه تغييرات تستغرق سنين.. وربما كان ما يجري في إقليم الكوريتين فصلاً قصيراً في كتاب ضخم.. وقد لا يكون أكثر من سطر.. سوف يتلوه غيره.. حين يتم تبادل الأوراق بين المتصارعين: الصين والولايات المتحدة.
 دعنا ننظر ما قد يجري.

الموقع الالكتروني : www.abkamal.net

البريد الالكتروني :  [email protected]

 
 
 
التعليقات