الجمعة 19 أبريل 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أيمن عبد المجيد

مبارك ونتانياهو




إما أن «الوف بن» الكاتب الإسرائيلي المعروف لم يقرأ تصريحات الرئيس مبارك في روما.. أو أنه قد تجاهل التعامل معها عمداً.. لكي يكتب «تدليساً» مقاله في صحيفة «هاآرتس» يوم الأربعاء.. حيث أوحي بأن العلاقة بين مصر وإسرائيل عموماً.. وبين مبارك ونتانياهو خصوصاً: «سمن علي عسل»!

مبارك، لمن لم يذكر، كشف في روما أمام الصحافة أن نتانياهو قال كلاماً له قبل أن يسافر مبارك إلي الولايات المتحدة منذ عدة أشهر.. وقدم عهوداً.. وأبدي استعداداً.. وعرض أفكاراً.. بشأن التقدم في عملية التفاوض من أجل التسوية بين الفلسطينيين والإسرائيليين.. وقال مبارك: تعقيباً علي تصرفات نتانياهو لكن شيئاً من هذا لم يحدث.

ولمن لم يذكر فإن مبارك: اعتبر ما يفعله نتانياهو «مماطلة».. وقد قال بوضوح: إن المماطلة ستؤدي إلي مزيد من الشعور بالظلم.. وأن هناك من يريد ألا تنتهي القضية وأن نستغرق فيها ستين عاماً أخري.. وأن هذه الحالة سوف تؤدي إلي أن يتهدد العالم كله بالإرهاب.. وليس فقط الشرق الأوسط أو المنطقة العربية.. وهو ما تطرقت إليه هنا قبل ثلاثة أيام تحت عنوان «مقولة مبارك المهمة».

هذه إدانة واضحة جداً لنتانياهو.. وفي عمق مضمونها هي تحميل له بمسئولية تهديد العالم كله بأخطار الإرهاب.. وإن كان يتحمل معه آخرون جزءاً من المسئولية لأنهم لا يسعون قدماً في اتجاه إنهاء حالة المماطلة.. لكن الكاتب الإسرائيلي الذي لم يقرأ أو تعمد ألا يقرأ.. إنما راح يتغني بعلاقات طيبة بين مبارك ونتانياهو.. وأن مبارك قابله أربع مرات.. بل ادعي أن مبارك يقول لمساعديه: إنه واثق من أن نتانياهو سوف يقوم بالكثير من أجل السلام «!!» ولست أعرف من أين أتي الكاتب المدلس بهذه التعليقات غير الموثقة.. وأمامنا تصريح طازج للرئيس عمره أيام.. وعلني وأمام العشرات من الكاميرات والمحطات ومراسلي الصحف.

نتانياهو هو الذي جاء.. وهو الذي طرح أفكاراً.. وفي كل مرة يأتي إلي هنا لم أجد الرئيس يخرج لكي يدلي بتصريحات بعد اللقاء.. وعناوين المناقشات التي تدور تكون خلاصتها المصرية: أفلح إن صدق.. وفي كل الأحوال لا يفلح نتانياهو ولا يصدق.. وعدم الصدق لا يمكن أن يكون صفة رجل دولة محترم.

إن التواصل المصري، مع أي حكومة إسرائيلية، يكون له في كل الأحوال هدفان.. ليس فيهما أن تظهر العلاقات بين مصر وإسرائيل علي أنها كما يريد الوف بن أن يصورها «سمن علي عسل».. الهدف الأول هو ألا تبدو مصر وكأنها هي التي تسد أذنيها عن الآخرين.. أياً ما كانت مواقفهم.. ومن ثم فإنها تسحب منهم فرصة الادعاء بأن المصريين لا يريدون تفاوضاً ولا سلاماً.. والهدف الثاني هو الاستماع إلي ما لدي الآخرين من حيث المضمون.. لعل لديهم أفكاراً يمكن البناء عليها.. ولعل هذا يفيد المصلحة الفلسطينية.

وتريد الصحافة الإسرائيلية، سواء كان من خلال الوف بن أو عشرات غيره أن توحي في إطار حملة مخططة أن مصر وإسرائيل في معسكر واحد.. تجاه الخطر الإيراني.. وهذا كلام ليس له منطق ولا أساس له من الصحة.. لسنا حلفاء.. بل جيران بينهم معاهدة سلام لابد من احترام بنودها.. ولا يمكن بناء مواقف سياسية مشتركة كما تدعي إسرائيل وصحفها.. وإلا كانت مصر قد توقفت عن التصعيد المستمر في جهودها من أجل إخلاء منطقة الشرق الأوسط من الأسلحة النووية.. وبما في ذلك إسرائيل.. وإلا لم يكن مبارك قد حمّل مماطلة نتانياهو مخاطر الإرهاب القائم والمتوقع.

ويدعي ألوف بن أن الصحافة الإسرائيلية لا تتناول الشئون المصرية الداخلية وقضية الخلافة والحكم.. وأن هذا نوع من عرابين الصداقة بين مصر وإسرائيل.. وهذا كلام تخالفه الوقائع.. ليس فقط لأن أكثر الشائعات حول صحة الرئيس حين كان يعالج في ألمانيا صدرت من صحف إسرائيل.. وليس فقط لأن عشرات من المقالات والتقارير تتناول الشأن الداخلي المصري في صحافة إسرائيل وبما في ذلك نفس العدد من «هاآرتس» الذي نشر فيه مقال الوف بن.. ولكن أيضاً لأنه لا يضير مصر أن يدور مثل هذا الكلام في الصحف الإسرائيلية.. فالمصريون يعرفون طبيعة نوايا إسرائيل.. حتي لو كان عدد من الصحف المصرية ينجرف لكي ينقل عن صحافة إسرائيل ما تكتب بشأن مصر وما فيها.

إن تعريف العلاقة المصرية- الإسرائيلية وفق ما أفهمه هو أنها علاقة بين جيران بينهما اتفاق سلام.. حقائق جغرافية وقانونية لا يمكن إنكارها.. وأياً ما كانت المواقف التي ترسخ هذا التعريف.. فإن الوف بن ومن يشابهونه إنما يمارسون عبثاً خبيثاً.. لا ينطلي علي عاقل حين يصورون تلك العلاقة علي أنها «سمن علي عسل بين أصدقاء».
الموقع الالكتروني :  www.abkamal.net
البريد الالكتروني  :  [email protected]