الجمعة 29 مارس 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
احمد باشا

نيس ـ المركز




من نيس:

كان آخر محافظ للقاهرة، يحرص كل صيف، علي أن يبشر القاهريين باقتراب تشغيل «نافورة النيل»، في المنطقة المواجهة لجاردن سيتي، هو الراحل يوسف صبري أبوطالب.. كنا نستمتع بتصريحات مكررة.. مكرورة.. تقول دائما إن هناك تنسيقًا بين جهات السياحة ومحافظة القاهرة والفنادق المطلة علي النيل.. ثم تعمل النافورة لبعض الوقت.. وتنطفئ بعد أيام.. إلي أن بقيت مطفأة منذ سنوات وحتي اليوم.

تذكرت هذه النافورة التي كانت رائعة، وأصبحت مقبرة خرسانية في عرض الماء، وتذكرت أطلال البحيرة الراكدة تحت أقدام تمثال رمسيس قبل أن يتم نقله مجددا إلي ميت رهينة.. وأنا أري الحيوية التي تتمتع بها نافورة وسط مدينة نيس في جنوب فرنسا.. حيث الروعة المزعجة.. والبهاء المقرف.. إذ كما تعلمون، وكما كتبت علي مدي يومين، فإنني لم أستمتع بما قيل إنه جمال وروعة مدينة نيس.

كيف تكون هذه النافورة الفرنسية رائعة.. وليس فيها صبية فقراء يستحمون في حوضها.. وكيف تكون أنيقة وهي لا يحيطها باعة جائلون بعضهم يبيع أكواب الشاي المغلي من مائها.. وكيف تكون جذابة وهي تعمل علي مدار الساعة بدون أن تتعطل.. ومن ثم تفقد ميزة مقارنتها بأكثر من نافورة قاهرية تحولت - والحمد لله - إلي مأوي للماء الآسن.. إن كان فيها أصلا ماء.. وليس أتربة وقاذورات.

وإذا كان صديقي محترف الأسفار قد قال لي إن «نيس» بلد كئيب لا قيمة له في أي رحلة إلي الخارج.. فإنني أعود وأعترف بأن معه حقاً.. بعد أن رصدت أول من أمس مدي السخافة التي تتميز بها «نيس - المحطة»، والقرف الذي بدت عليه «نيس - البلد».

الشوارع منظمة بطريقة مؤذية. العمارة متناسقة بشكل يسبب القذي في العين.. إذ اعتاد بصري علي التنافر بين المباني.. ثم إنني لم أستمتع برؤية عشوائيات مبهجة.. أو «حواري» مزبلة تشرح القلب.. أو شوارع مرتبكة.. ومن هنا وبكل جدية فإنني أطالب الرئيس الفرنسي ساركوزي بأن يعاقب مسئولي المحليات في «نيس - المركز» لأنهم أضافوا الكثير إلي إحساسنا بالغربة والاغتراب.. وقد كنا ضيوفهم .. ومن واجبات الضيافة أن نشعر أننا لسنا بعيدين عن البيئة التي ألفناها.

ولابد أنه علي الصحافة الفرنسية أن توجه لوما عنيفا إلي سكان نيس.. ذلك أنهم لم يتبرموا حين فرضت الحكومة وسلطات الأمن إجراءات صارمة بسد الشوارع حماية لمواكب الرؤساء المشاركين في قمة فرنسا - أفريقيا.. ما أدي إلي تعطيل المرور.. بل وتفريغ مبان كاملة من قاطنيها لكي يتم عقد المؤتمر.

هذه شعوب أوروبية متأخرة.. لا تعرف حقوقها.. وكان علي أهالي نيس أن تتظاهر أمام مبني المجلس المحلي لمدينة نيس اعتراضا.. وكان يجب أن أقرأ مقالات واضحة تتساءل ما الذي سوف تستفيده فرنسا من هذا المؤتمر الذي اضطر السكان والزائرين أيضا لأن يلفوا حول أنفسهم في الشوارع.. لكن ماذا تقول: إنهم مقهورون ولا يتمتعون بالحرية التي نتمتع بها.

بلد لا يطاق.. يعيش حالة هدوء بعد الثامنة. لا يسهر فيه الناس حتي الصباح.. للأسف لديهم أشغال في وقت مبكر من اليوم التالي.. ولهذا فإن المحلات تغلق أبوابها في وقت بعينه.. كما يحدث في كل المدن الأوروبية المقهورة.

وتبقي فقط المطاعم والمقاهي هي التي تعمل.. فالنظام الأحمق يكتم رغبات الناس.. كما لو أنه يسجنهم.. في حين أننا نتميز في المدن المصرية بالإتاحة.. وتتحمل الحكومة إرهاق المرافق علي مدار الساعة.

إن علينا أن نرسل فيلقا من الخبراء إلي فرنسا المتأخرة.. لكي نعلمهم كيف تكون الحياة في المدن.. خاصة إذا كانت سياحية.. علي أن يصطحب هذا الفيلق معه عددًا لا بأس به من الحيوانات الضالة وأكوام الزبالة.. وفريقًا من محترفي بعثرة الأوراق وأعقاب السجائر وجثث القطط في الطريق العام.. لعلهم يتعلمون الحضارة.. ولعلهم يستفيدون وينتقلون زمنيا إلي القرن الواحد والعشرين.

ونكمل غدا
 
الموقع الالكتروني :  www.abkamal.net
البريد الالكتروني   :   [email protected]