الخميس 28 مارس 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
احمد باشا

مصر .. في حرب (7)




تفترض هذه السلسلة من الأعمدة أن الدولة قد استجابت للنداءات التي تطالبها بخوض حرب.. ومن ثم أتخيل كيف ستكون أجواء البلد.

لم يطرح أحد في هذه (المعمعة) التي سبقت ذهاب الجنود إلي الحرب: هل نحن مستعدون حقاً للحرب؟.. ولم يكن المقصود بالسؤال هو القدرة العسكرية.. فالجميع كان يثق فيها بالتأكيد.. ولكن المقصود هو: هل الأوضاع الاجتماعية والداخلية المختلفة التي خلقها إعلام منفلت ونخبة متخبطة.. يمكن أن تساند بالفعل جيشاً فرضت عليه الظروف أن يحارب؟

لم نجد صدي للإجابة عن السؤال في تفاعلات البلد.. بعد أن تبين أننا في الطريق إلي حرب.. وانشغل الجميع كل فيما يخصه.. ويحقق مراميه وأهدافه.. وتحرك الكافة علي أساس نفس الأجندات التي كانت مستقرة وتنفذ قبل اتخاذ قرار الحرب.. وبذات الأساليب.

وجد وزير التضامن علي المصيلحي في المناخ ما يعينه علي أن يواجه انتقادات عنيفة بخصوص مستوي رغيف الخبز.. وقال في تصريحات علنية: (الذين ينتقدون الرغيف الآن عليهم أن يعرفوا أن جنودنا يأكلون (الجراية) علي الجبهة).. ولم يكن يدرك أن الأمور اختلفت الآن عما قبل.. وأنه قد انتهي زمن الجراية.. وجاءه اتصال تليفوني ناصح يقول له: لا تتدخل في هذا الأمر يافندم.. الرغيف مسئولية المحافظين.

وعاد مجلس الوزراء للاجتماع.. لمناقشة ملابسات الأوضاع الداخلية والاستعداد للظروف الجديدة.. ووجد رئيس الوزراء أمامه عدداً هائلاً من أعضاء الحكومة يؤكدون له أن كل شيء تمام.. وأن خطط الأحوال الطارئة تنفذ علي قدم وساق.. ولا خوف أبداً من أي ثغرة في أي أمر.. ومن ثم كان أن صدر بيان عن الاجتماع بعد ست ساعات من النقاش.. استنفدها عدد من الوزراء في توقيع البوستة الخاصة بمكاتبهم.. وقال البيان: كل شيء تمام.. نطمئن الشعب. وتصدر التعبير المطمئن نشرات الأخبار ومانشيتات الصحف القومية.. ولكن القارئ لم يجد ما يلبي احتياجه للمعلومات.. في حين راحت كاميرات برامج التوك شو تتصيد طوابير مختلفة في أماكن عديدة من القاهرة.. إذ عادة لا تخرج بعيداً عنها.. حتي يمكن لفرق الإعداد أن تنهي مونتاج التقارير قبل موعد الإذاعة.. ووجد المذيعون في التقارير عن الطوابير فرصة لكي يدينوا الحكومة التي لم تستعد للحرب.

(بربشت) المذيعة مني الشاذلي بعينيها متجاهلة ما يشير إليه ذلك في قاموس لغة الجسد.. وقالت: إنها حائرة ما بين الصور التي أعدها فريق الإعداد وبيان الحكومة.. وأضافت أن أحوال الناس ليست علي ما يرام.. وأنها قلقة جداً بشأن نقص الأغذية.. وتراجع مخزون المؤن.. وقالت: كيف نحارب والمخازن خاوية.. وراح عدد من المدونين علي موقع تويتر يكتبون نقلاً عنها: كيف نحارب والمخازن خاوية؟.. وحظي هذا السطر بعمليات إعادة تدوين بالألوف (ريتويت).. وكتب آخرون: فلنؤجل الحرب؟.. وقال غيرهم: لماذا نحارب أصلاً؟

انزعج المصيلحي من أقوال مني.. وبينما كانت تتلقي عشرات الاتصالات الهاتفية التي نجح فريق الاعداد في تدبيرها.. كان أن تمكن الوزير أخيراً من أن يجد وسيلة للاتصال بالاستوديو.. وهاجم المذيعة.. وطالبها بمراعاة المسئولية الوطنية.. وأكد أن كل شيء تمام.. ولما لم تجد المذيعة عليه رداً لأنها ليست لديها معلومات من الأصل.. كان أن قطعت عليه الاتصال.. وأردفت: شكراً يافندم علي التليفون.. ثم (بربشت) للمشاهدين وقالت: أفلح إن صدق!

في ذات الوقت كان فريق برنامج (مصر من كام يوم) في التليفزيون الرسمي يتابع حلقة العاشرة.. وأصر المذيعون علي المزايدة علي مني الشاذلي اقتناعاً منهم بأنها قد استحوذت علي الجمهور ولا يمكن أن يقل مستوي انتقادهم للحكومة عن نفس الدرجة.. وحدث خلاف حاد في الاستوديو بين المذيعين وفريق الإعداد.. والأخير لديه تعليمات صارمة من الوزير.. وبدا أن المذيع الذي عليه الدور في الظهور قد اقتنع.. ولكنه ما أن أمسك الهواء حتي راح يصب جام غضب مفتعل علي الحكومة التي خوت مخازنها.. غير مكترث بما يتلقاه من تحذيرات في (الإير بيس).. أي السماعة التي تأتيه بالتعليمات من (كنترول الاستوديو).

وكان موقع اليوم السابع يعيش أجواء تبعات (استقالة مسببة) كتبتها محررة تغطي شئون وزارة الكهرباء.. وكيف فشل رئيس تحرير الموقع في أن يقنع المحررة بالبعد عن الاستقالة المسببة وأن تكتب استقالة بدون أسباب.. ووجد أن عليه أن يغطي علي كل هذا بمزيد من الأنشطه الإخبارية اللاهثة.. وراح (اليوم السابع) يبث أي أخبار عن الحرب.. من أي مصدر.. ومن أي جريدة مترجمة.. ربما يدفع هذا المحررين إلي أن ينكبوا علي أمر آخر.. ولاحق هذا بقدر هائل من المكافآت المالية التي أغدق بها علي العاملين لأنهم نجحوا في تحقيق مزيد من السبق. في صباح اليوم التالي صدرت صحيفة خاصة بقصة خبرية مهمة جداً (المصري اليوم تنقل قصص الجنود علي الجبهة.. محرر من المصري اليوم يتسلل إلي الكتائب ويسجل الحالة المعنوية للجنود.. أحمد حسنين: أنا خائف.. محمد عبدالسلام: أنا تائه.. نادي بطرس: لماذا أنا هنا؟).

البقية غداً
الموقع الالكتروني :  www.abkamal.net
البريد الالكتروني   :  [email protected]