الخميس 18 أبريل 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أيمن عبد المجيد

عمليه تخريب البلد-1




حسنًا.. كان يمكن أن تستمر الحلقات التي تتخيل ما الذي يمكن أن يحدث لو أن البلد أعلن عن (خوض حرب ما) عشرين يومًا أخري.. لكنني أكتفي بسبع فقط.. وأعتذر إلي من طالبوني بأن أحولها إلي رواية (خيالية واقعية).. وأتأسف إلي من استمتعوا بالسخرية المريرة.. لا هذه (الرواية) كانت مسعاي ولا تلك (السخرية) كانت مقصدي.. ولا حتي التسلية اللذيذة كانت ما أرمي إليه.. الهدف أبعد من هذا بكثير.

والهدف سؤال: هل نحن مستعدون حقًا لأي حرب؟ لا أعني، كما قلت، القوة العسكرية فهذه نثق فيها وفي إمكانياتها.. ونحن نقدر العملية البنائية التدريبية التحديثية التي يتطور بها جيش مصر.. وقدرته علي حماية البلد.. ولكن ما أعنيه هو: هل هذا البلد قادر علي خوض حرب بحالته المجتمعية تلك.. حتي لو كنا نملك ترسانة فيها ألف رأس نووي؟

فيما بين 1967 و1973، صعدت الروح الوطنية المصرية بقدرة معدن هذا الشعب.. كان المصريون يتظاهرون في الشارع من أجل أن يحرروا الأرض.. وانكشفت الأصالة الحقيقية مظهرة أن في نفوس الناس (وطنية) و(إرادة) و(صلادة).. استطاعت أن تصهر الحديد في أفران الإصرار المصري.. أن تهدم سدودًا.. وأن تقيم جسورًا.. وأن تطيح حصونًا.. وأن تلتهم الأرض والعدو فوقها.. فتحقق النصر.. وثبت أن ذلك الشعب قادر علي صنع المعجزات.. حتي حين احتشدت خلف العدو وناصرته قوة عظمي كانت ترسل له السلاح من قلب المصنع إلي ميدان المعركة.. بشحومه.
ما يفعله الإعلام المنفلت، والنخبة المتخبطة، الآن، نقيض هذا تمامًا.. تخريب متعمد.. يفت في عضد البشر.. يهد عزيمتهم.. يجعلهم في حالة شك في انتمائهم.. يحطم معنوياتهم.. يحلق بأرواحهم بعيدًا عن البلد.. يخسف بالإرادة في سابع أرض.. الإحباط يسود الحياة.. يدمر الأمل.. يقصف قيمة العمل.. ويسفه الوطنية.. ويكرس الطائفية.. ويلعب بعقول الرأي العام في اتجاهات بعيدة تمامًا عن المصالح الحقيقية للمجتمع.

فيما مضي، وفي العصر الاشتراكي، كان هناك تعبير (الجبهة الداخلية)، وقد مل منه الكثيرون.. لكنه كان يشير إلي ضرورة تماسك البناء الداخلي للبلد.. في مواجهة العدوان الخارجي.. وفي مواجهة ما يمكن أن يحتل تلك الجبهة داخليًا.. أو يسيء إليها.. وإذا كان لا يوجد مبرر لاستعادة المصطلح من زمن مضي.. فإن من الضروري أن نؤكد تمسكنا بمصطلح يليق بعصر مختلف.. (الترابط الداخلي).. أو لنخففه أكثر ونقول: (الانسجام الداخلي).

إن الإعلام المنفلت، والنخبة المتخبطة التي تعتلي هذا الإعلام، إنما يحولون المجتمع إلي شذرات متناثرة.. متفرقات متضادة.. جزر منعزلة.. فئات متحاربة.. الفقراء ضد الأغنياء.. الموظفون ضد الإدارات.. العمال ضد الشركات.. الناخبون ضد النواب.. الأقباط ضد مواطنيهم.. الإخوان ضد الحزب الوطني.. المواطن ضد الشرطة.. المحامون ضد القضاة.. الجميع ضد الحكومة.. وهلم جرا.

لقد جري استسهال حاد ومتعمد في ترسيخ الاستقطاب بين عناصر المجتمع وفئاته.. وتحريضه علي أن يكون ضد نفسه.. وتثويره في مواجهة ذاته.. وليت هذا تحول إلي طاقة من أجل شحن ماكينات الناس في الاتجاه الصائب نحو التحديث والتطوير.. واستنهاض الهمم.. وترقية المستوي.. لكن للأسف يطفئ الإعلام ـ بتنوع وسائله ـ في كل يوم شمعة.. ويقطف في كل يوم زهرة.. ويدمر في كل يوم حقلاً.. ويحرق في كل ساعة أرضًا.. ويحبط في كل دقيقة عشرات من البشر.

كيف يمكن أن ننهض بهذه الطريقة وفي ذلك المناخ؟ كيف يمكن أن نحارب حين تنشب حرب إذا كان الجيش سوف يجد ظهيره المجتمعي مهترئًا.. وجسد البلد مثخنًا بطعنات الخناجر التي يحملها أبناؤه؟ إن أقوي الجيوش لا يمكن أن تصون بلدا يتعرض لعملية تخريب مستمرة من إعلامه ونخبته.. فالدفاعات تنشأ أولاً في النفوس.. والأسلحة لابد أن تشيد في داخل البشر قبل أن تتحصن بها المطارات والكتائب والفرق.. والروح المعنوية هي أساس أي نصر.. النصر حليف من يؤمن به.. وأكاليل الغار تتوج رءوس من يرغبون فيها وليس من يهزمون قبل أن تبدأ المعركة.. ولا أعتقد أن الرأي العام المصري في حالة تجعله يثق في إمكانية أي انتصار من أي نوع.. سواء كان مدنيًا أو غيره.

نحن نخوض الغمار بالاندحار.. نمضي نحو التنافس برءوس مطأطأة.. وندخل أي سجال بروح منكسرة.. ولا نقبل علي أي سباق.. نخشي التسابق أصلاً.. لأن أجهزة الإعلام والنخبة المثقفة حطمت السيقان التي يفترض بها أن تجري في المضامير.. أصابونا بالإعاقة.. وجعلونا جرحي حرب قبل أن تنشب.. وفجروا بيننا حربًا أهلية بدون نيران.. ولكن آثارها المدمرة فوق تخيل البشر.. ولو دبرها عدو متآمر منذ قرون ما أفلح في أن يحرز ذات النتائج.

لقد نفد الصبر.. وفاض الكيل.. وهذه ليست قناعاتي وحدي.. ولا أعتقد أبدًا أنه من المقبول أن يستمر الحال علي ما هو عليه.

ونواصل غدًا

الموقع الإليكترونى: www.abkamal.net
البريد الإليكترونى : [email protected]