الخميس 28 مارس 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
احمد باشا

عملية تخريب البلد ـ 2




ليست المشكلة هي أن وسائل الإعلام المصرية متواطئة في مؤامرة.. أو لا تدري أنها تمارس التخريب.. متعمدة.. أو لديها حسن نية.. تلهو أو تعبث.. المحصلة الأخيرة هي الأمر المهم.. وعنوان تلك المحصلة هو (تخريب يسفر عن خراب).. وإن التحف كل من مارسه بشعارات حرية الإعلام.

سواء كان السبب أن هناك دولاً (معروفة بالاسم) تلعب في أفنية مصر.. أو أن هناك جماعات مصالح تستخدم الإعلان في تحقيق مراميها.. أو كان الواقع ناتجًا فقط عن صراع طاحن علي ميزانيات الإعلان المقدرة بـ2.5 مليار جنيه سنوياً.. أو وصلنا إلي ما نحن فيه بسبب سوء الأحوال المهنية وعدم بلوغ سن النضج بعد قرنين من ممارسة الصحافة و75 سنة إذاعة وخمسين سنة تليفزيون.. ووقوف إعلامنا في مرحلة ما قبل الفطام.. كل هذا ليس هو الذي يعنينا الآن.. مجمل القول إن (الطفولة الإعلامية) التي تضرب بـ(شقاوتها) أو (سذاجتها) آفاق البلد.. تمثل أذي حقيقيًا ومدمرًا.. لا أظن أنه أصبح مقبولاً.. ولكل مجتمع حليم يجب اتقاء تصرفه إذا غضب.

كل بلدان العالم الديمقراطي عرفت حرية الإعلام.. ولكنها لم تدمر نفسها بحيويته.. في الولايات المتحدة إعلام حر لكنه لا يقول كلامًا في الهواء الطلق.. وفي بريطانيا إعلام حر لكنه يقيد نفسه بالقيم والقانون.. وفي فرنسا إعلام حر لكنه لا يمكن أن يتنازل عن مواصفات الدولة الفرنسية.. وفي تركيا إعلام حر يخدم أهداف العثمانية.. وفي إسرائيل إعلام حر لا يترك سرًا إلا ويكشفه ولكنه يعمل من أجل إسرائيل.. لست أدري لماذا اختار إعلامنا في السنوات الخمس الأخيرة نموذج الإعلام العراقي بعد الغزو في 2003 لكي يتبع خطاه.. ويمضي علي نهجه.. ويتعامل مع البلد كأنه مجتمع ليس له صاحب.. حتي حين اقترب الإعلام العراقي من أعتاب النضج بقي إعلامنا في مرحلته.

ما علينا، لنفترض أنها فترة وعدت، مرحلة ومرت، لنقل إن الإعلاميين قد حققوا الشهرة والاتساع وبقي أن يتخيروا الأدوار.. وأنهم تخطوا مرحلة الفنانة التي تسعي إلي الشهرة عبر مشاهد لن تتذكرها في تاريخها فيما بعد، وأنه قد حان وقت التمييز بين الأدوار وطرق الأداء.

لا أعتقد أبدًا أنه يمكن في الفترة المقبلة التعايش مع الإعلام بنفس الأسلوب الذي كانت عليه الأمور منذ عام 2005، ولا أظن أن بلدًا سوف يخوض فترة سياسية مهمة.. تشهد انتخابات برلمانية ثم انتخابات رئاسية.. سوف يكون قادرًا بأي شكل علي استيعاب هذا الاهتراء في التعامل مع حرية الإعلام.. سيكون ذلك لعبًا بالشرر.. وقذفًا بالنار.. وإلقاء بالمجتمع في أتون الجحيم.. كما لو أننا نلهو فوق حمم بركان.. وكلي يقين أن هذه الخيارات ليست مقبولة في بلد يحدد مصيره ويريد أن يحافظ علي استقراره.

إن المعضلة لها أكثر من وجه.. الأول: إن بعض الإعلاميين ـــ صحفيين أو تليفزيونيين أو أصحاب وسائل أو بائعي وسائل ـــ يظن أنه لا يمكن تطبيق القانون خشية الاتهام بالإساءة إلي حرية الإعلام.. وهذا ظن واه.. الاستناد إليه لن يحمي العابثين.. إذ قد يفاجأ صاحب قلم مضي بعيدًا بأن يجد نفسه أمام تهمة لم تخطر له علي بال وغير متوقعة إطلاقًا.

الثاني: إن بعض الإعلاميين ـ من أي نوع ـ يعتقد أنه يمكن أن يجري تبديل للمواقع.. وأنه يجوز في فترات التحول أن يكون هناك موسم انتقالات.. من الخاص إلي العام ومن العام إلي الخاص.. وأنه من أجل هذا يمكنه أن يقوم ببعض الحروب الإعلامية ذات الغرض.. هؤلاء لا يستوعبون حقائق الدولة المصرية.. السياسيون الذين يملكون القرار ـ لا أقول شبه القرار ـ ينظرون إلي تلك الألعاب علي أنها تصفية حسابات شخصية.

الثالث: إن بعض الإعلاميين ـ من أي نوع ـ يقدم نفسه أداة تستخدم في تصفيات خلفية.. ذات أغراض سياسية.. أن هؤلاء لا يدركون أن الأعشاب تدوسها الأفيال.. وأن أوهي الارتباطات هي تلك التي تنبني في الخفاء.. وأن من يحركونهم هم أول من سوف يبيعونهم.. وينكرون أي علاقة بهم.

الرابع: إن بعض الإعلاميين ـ من أي نوع ـ يعتقد أنه يمكن أن يواصل جني الأرباح من بورصة الصخب الإعلامي.. بطريقة شريفة أو غير شريفة.. إلي الأبد.. ولا يدرك أن مؤشر البورصة يصعد ويهبط حسب حركة التداول.. وأن الأرباح لابد أن تكون شريفة المصدر وإلا فإنها مهما تم التغاضي عنها.. فإنها سوف تكون حبلاً علي رقبة من تحصلها في لحظة ما.. والله حليم ستار الخامس: إن بعض الإعلاميين ـ من أي نوع ـ يعتقد أن الرأي العام لا يدري.. وأنه يمكن خداعه إلي الأبد.. وقد يبدو ذلك صحيحًا.. لكنه ليس صحيحا إلي نهاية العمر.. ففي لحظة بعينها يجد الرأي العام من يعينه علي أن يكتشف الحقائق.. وتنهار المصداقية الوهمية.. وتنهدر الأكاذيب كاشفة عن مثالب إن تبد لكم تسؤكم.

إن علي الإعلام أن يقبض بيده علي مصيره.. بدلاً من أن يجد مصيره بيد غيره.. حتي دون أن يظهر غيره هذا في أي صورة.. وقتها سوف تنكشف الأظهر.. ويبين أن الاستنادات واهية.. وأن المهنية التي تم تجاهلها كان ينبغي التمسك بأحبالها.. يجب ألا يدفع الإعلام المجتمع إلي حالة الطوفان.. هذا الطوفان لو جاء، نحن جميعًا نعرف ما هي القاعدة الأساسية فيه.. سوف يضع المجتمع الإعلام تحت قدميه ولو كان يظن أنه من أقرب أبنائه.

ونواصل غدًا

الموقع الإليكترونى: www.abkamal.net
البريد الإليكترونى: [email protected]