الثلاثاء 16 أبريل 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أيمن عبد المجيد

عصفور الشعب.. يكف عن التغريد




عمل نجم فى معسكرات الجيش الإنجليزى متنقلا بين مهن كثيرة وفى فايد وهى إحدى مدن القنال التى كان يحتلها الإنجليز التقى بعمال المطابع الشيوعيين.. وكان فى ذلك الحين قد علم نفسه القراءة والكتابة وبدأت معاناته الطويلة تكتسب معنى. واشترك مع الآلاف فى المظاهرات التى اجتاحت مصر سنة 1946 وتشكلت أثناءها اللجنة الوطنية العليا للطلبة والعمال.
قال نجم عن هذه المرحلة: كانت أهم قراءاتى فى ذلك التاريخ هى رواية الأم لـ«مكسيم غوركى» وهى مرتبطة فى ذهنى ببداية وعيى الحقيقى والعلمى بحقائق هذا العالم, والأسباب الموضوعية لقسوته ومرارته. ولم أكن قد كتبت شعرا حقيقيا حتى ذلك الحين وانما كانت أغان عاطفية تدور فى اطار الهجر والبعد ومشكلات الحب الاذاعية التى لم تنته حتى الآن... وكنت فى ذلك الحين أحب ابنة عمتى وأتمناها, لكن الوضع الطبقى حال دون اتمام الزواج لأنهم أغنياء.
وخرج الشاعر مع 90000 ألف عامل مصرى من المعسكرات الإنجليزية بعد أن قاطعوا العمل فيها على اثر إلغاء المعاهدة، وكان يعمل بائعا حينئذ فعرض عليه قائد المعسكر أن يبقى وإلا فلن يحصل على بضائعه، «ولكننى تركتها وذهبت».
وفى الفترة ما بين 51 و 56 اشتغل شاعرنا عاملا فى السكك الحديدية. وبعد معركة السويس قررت الحكومة المصرية أن تستولى على القاعدة البريطانية الموجودة فى منطقة القنال وعلى كل ممتلكات الجيش هناك. وكانت ورش وابورات الزقازيق تقوم فى ذلك الحين بالدور الأساسى لان وابورات الإسماعيلية والسويس وبور سعيد ضربت جميعا فى العدوان. وبدأنا عملية نقل المعدات. وشهدت فى هذه الفترة أكبر عملية نهب وخطف شهدتها أو سمعت عنها فى حياتى كلها.أخذ كبار الضباط والمديرون ينقلون المعدات وقطع الغيار إلى بيوتهم... وفقدت أعصابى وسجلت احتجاجى أكثر من مرة... وفى النهاية نقلت إلى وزارة الشئون الاجتماعية بعد أن تعلمت درسا كبيرا.أن القضية الوطنية لا تنفصل عن القضية الاجتماعية, كنت مقهورا وأرى القهر من حولى أشكالا ونماذج...كان هؤلاء الكبار منهمكين فى نهب الورش, بينما يموت الفقراء كل يوم، دفاعا عن مصر.
بعدها بسنوات عمل بأحد المعسكرات الإنجليزية وساعد الفدائيين فى عملياتهم، بعد إلغاء المعاهدة المصرية الإنجليزية دعت الحركة الوطنية العاملين بالمعسكرات الإنجليزية إلى تركها فاستجاب نجم للدعوة وعينته حكومة الوفد كعامل بورش النقل الميكانيكى وفى تلك الفترة قام بعض المسئولين بسرقة المعدات من الورشة وعندما اعترضهم اتهموه بجريمة تزوير استمارات شراء مما أدى إلى الحكم عليه 3 سنوات بسجن قره ميدان(اكد احمد فؤاد نجم فى أحد البرامج انه فعلا كان مذنبا) حيث تعرف هناك على أخوه السادس (على محمد عزت نجم) وفى السنة الأخيرة له فى السجن اشترك فى مسابقة الكتاب الأول التى ينظمها المجلس الأعلى لرعاية الآداب والفنون وفاز بالجائزة وبعدها صدر الديوان الأول له من شعر العامية المصرية (صور من الحياة والسجن) وكتبت له المقدمة سهير القلماوى ليشتهر وهو فى السجن.
عُين موظف بمنظمة تضامن الشعوب الآسيوية الأفريقية وأصبح أحد شعراء الإذاعة المصرية وأقام فى غرفة على سطح أحد البيوت فى حى بولاق الدكرور بعد ذلك تعرف على الشيخ إمام فى حارة خوش قدم (معناها بالتركية قدم الخير) أو حوش آدم بالعامية ليقرر أن يسكن معه ويرتبط به حتى أصبحوا ثنائى معروفا وأصبحت الحارة ملتقى المثقفين. وقد نجحا فى إثارة الشعب وحفز هممه قديما ضد الاستعمار ثم ضد الديكتاتورية الحاكمة ثم ضد غيبة الوعى الشعبي، وقال نجم عن رفيق حياته انه(أول موسيقى تم حبسه فى المعتقلات من أجل موسيقاه وإذا كان الشعر يمكن فهم معناه فهل اكتشف هؤلاء أن موسيقى إمام تسبهم وتفضحهم) وقد انفصل هذا الثنائى بعد فترة واتهم الشيخ إمام قرينه أحمد فؤاد بأنه كان يحب الزعامة وفرض الرأى وانه حصد الشهرة بفضله ولولاه ما كان نجم. ويرى أحمد فؤاد نجم أن العامية أهم شعر عند المصريين لأنهم شعب متكلم فصيح وأن العامية المصرية أكبر من أن تكون لهجة وأكبر من أن تكون لغة. فالعامية المصرية روح وهى من وجهة نظره أنها أهم إنجاز حضارى للشعب المصرى واحمد فؤاد نجم شاعر متدفق الموهبة فقد ألف العديد من الاغانى والتى تعبر جميعها عن رفضه للظلم وحبه الفياض لمصر واستيعابه الكامل للواقع الأليم. توفى فى 3/12/2013 عن عمر يناهز الـ84 عاما.