السبت 20 أبريل 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أيمن عبد المجيد

الرشوة مفسدة للمجتمع مهلكة للأمم




الشيخ - عزت ياسين إمام
إن مما يدمى القلوب ويشعر بالخوف من عذاب علام الغيوب انتشار آفة الرشوة التى هى من أشد الآفات خطراً على مجتمعات المسلمين، وهذه الآفة الخطيرة بينها ربنا جل وعلا فى كتابه، ووجه إلى التحذير منها وأمر باجتنابها رسولنا ـ صلى الله عليه وسلم ـ ونبه إلى خطرها، وأشار إلى لعن صاحبها، أعاذنا الله واياكم من شرها وضررها وسوء عاقبتها فالرشوة متى فشت فى مجتمع من المجتمعات حكم عليه أنه مجتمع فاسد، ينحدر إلى الدمار، نعم أخى المسلم: لقد حمل الله تعالى الانسان الأمانة، ومنها أمانة المال، فإذا ضيعها كان فى ذلك فساد المجتمع واختلال نظامه، وتفكك عراه وأواصره لذا حرم الله على عباده كل ما يكون سببا لضياعها أو نقصها، فحرم الرشوة، وهى: عبارة عن بذل المال للتوصل به الى باطل، اما بإعطاء الباذل ما ليس من حقه، أو بإعفائه من حق واجب عليه، وهى ـ أيضا ـ ما يمده المحتاج من مصانعة ومال ونحوه لنيل حاجة متعذرة، أو هى: ما يدفعه ظالم لأخذ حق ليس له، أو لتفويت حق على صاحبه انتقاما منه ومكرا به، أو للحصول على مناصب ليس جديرا بها، أو عمل ليس أهلا له، وهى: ضرب من ضروب أكل أموال الناس بالباطل، وهى ما حقه للبركة ومزيلة لها، يقول الله تعالى فى سورة البقرة: «ولا تأكلوا أموالكم بينكم بالباطل وتدلوا بها إلى الحكام لتأكلوا فريقا من أموال الناس بالإثم وأنتم تعلمون»، أي: لا تدلوا بأموالكم إلى الحاكم، لا تصانعوهم بها وهو يعنى تقديم الخدمات لهم التى يحتاجونها فى حياتهم، ولا ترشوهم ليقتطعوا لكم حقا لغيركم وأنتم تعلمون أنه لا يحل لكم وفى الحديث عن أبى أمامه رضى الله عنه قال: قال رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ: «من شفع لأخيه بشفاعة فأهدى له عليها هدية فقد أتى بابا عظيما من أبواب الربا»، وياليت الأمر عند هذا فحسب، بل إن النبى ـ صلى الله عليه وسلم ـ يلعن آكل الربا واللعن هو الطرد من رحمة الله أى أن صاحبه لن يدخل الجنة فعن أبى هريرة رضى الله عنه قال: «لعن رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ الراشى والمرتشى والرائش» أى الوسيط بينهما ومعلوم أن اللعن لا يكون إلا على ذنب عظيم، ومنكر كبير، عياذا بك اللهم أخى المسلم لقد أصبحت الرشوة فى عصرنا الحالى بابا مفتوحا على مصراعيه، فلا يكاد الشخص فى كثير من البلاد الإسلامية يقضى حاجة أو ينجز عملا يخصه إلا بواحد من ثلاثة أمور: وساطة أو جاه، أو دفع رشوة، وبمرور الوقت صارت الرشوة عرفا بين الناس، وقد كثرت أسئلة الناس عنها والإلحاح على التحايل عليها.
ومن صورها: الرشوة للحصول على وظيفة فى أى جهة من الجهات الرسمية أو غيرها من الوظائف الخاصة، أو دفع رشوة للنقل من مكان إلى مكان، أو دفع رشوة من أجل الحصول على علاوة لا يستحقها، أو إعطاء الطالب هدية لاستاذه من أجل انجاحه فى الامتحفان، أو دفع رشوة من أجل الحصول على شهادة أو مؤهل لا يستحقه طالبه، أو دفع رشوة لتيسير أمر من الأمور التى يمنعها القانون، إلى غير ذلك من أشكالها الأخرى وكما تعددت أشكالها تنوعت أسماؤها فتارة يسمونها «إكرامية»، وتارة يطلقون عليها «حلاوة» وتارة يسمونها «هدية» أو «تحية» أو «وهبة» أو «بقشيش» والنبى ـ صلى الله عليه وسلم ـ حرم كل هذا ففى الحديث الذى رواه البخارى ومسلم عن أبى حميد الساعدى قال: «استعمل رسول ـ الله صلى الله عليه وسلم ـ رجلا من الأزد يقال له ابن اللتبية على الصدقة، فلما قدم قال: هذا لكم، وهذا أهدى لى، قال: فقام رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ على المنبر فحمد الله وأثنى عليه وقال: «ما بال عامل أبعثه فيقول: هذا لكم وهذا أهدى لى! أفلا جلس فى بيت أبيه «أوفى بيت أمه» حتى تأتيه هديته، والذى نفس محمد بيده لاينال أحد منكم شيئا إلا جاء به يوم القيامة يحمله على عنقه، بعير له رغاء، أو بقرة لها خوار، أو شاه تيعر ثم رفع يديه حتى رأينا عفرتى إبطيه ـ أى بياض إبيطيه ـ ثم قال: «اللهم هل بلغت؟» مرتين «قال النووى رحمه الله: فى الحديث بيان أن هدايا العمال حرام وغلول، لأنه كان فى ولايته وأمانته.. والعامل يطلق فى عصرنا الحاضر على الموظفين والعمال والمسئولين وغيرهم ممن بيدهم قضاء مصالح الناس، وقال النبى ـ صلى الله عليه وسلم ـ: «من استعملناه على عمل فرزقناه رزقا ـ أى منحناه راتبا ـ فما أخذه بعد ذلك فهو غلول أى خيانة».
وياليت الأمر يقف عند هذا الحد بل إن للرشوة أثارا خطيرة على الفرد والمجتمع، ومنها اضعاف وازع الإيمان عند المسلم: فالذى يتعامل بالرشوة تضعف فى قلبه رقابة الله واطلاعه عليه، وأنه محاسبه ومجازيه عن كل صغيرة وكبيرة، ومنها تدمير المبادئ والاخلاقيات الكريمة للمجتمع المسلم وسيطرة حب النفس، وانتشار أمراض القلوب من الحسد والضغينة، والبغضاء، والغل ومن أعظم اثارها توسيد الأمر الى غير أهله: فعن أبى هريرة رضى الله عنه قال: «بينما كان النبى ـ صلى الله عليه وسلم ـ يحدث إذ جاء أعرابى فقال متى الساعة؟ قال إذا ضيعت الأمانة فانتظر الساعة، قال كيف اضاعتها؟ قال: إذا وسد الأمر إلى غير أهله فانتظر الساعة» رواه البخارى، فالإنسان حينما يدفع رشوة للحصول على وظيفة معينة لس أهلا لها، ولا تتوافر فيه مقوماتها وشروطها، يترتب على ذلك القصور فى العمل والانتاج، وإهدار الموارد، والرشوة سبب مباشر لعدم اجابة الدعاء، لأن الحرام يوصد أبواب السماء أمام الداعى ففى صحيح مسلم حين ذكر النبى ـ صلى الله عليه وسلم ـ الرجل يطيل السفر أشعت أغير يمد يديه إلى السماء يارب، ومطعمه من حرام، ومشربه من حرام، وملبسه من حرام، وغذى بالحرام فأنى يستجاب لذلك، والرشوة سبب مباشر لدخول النار، ففى صحيح البخارى: إن رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ قال: «إن رجالا يتخوضون فى مال الله بغير حق فلهم النار يوم القيامة»، وعن ابن مسعود رضى الله عنه قال: «إن الله عز وجل قسم بينكم أخلاقكم كما قسم بينكم أرزاقكم، وان الله عز وجل يعطى الدنيا من يجب ومن لا يجب، ولا يعطى الدين إلا من أحب، فمن أعطاه الله الدين فقد أحبه، والذى نفسى بيده لا يسلم عبد حتى يسلم قلبه ولسانه، ولا يؤمن حتى يأمن جاره بوائقه، ولا يكسب مالا من حرام فينفق منه فيبارك فيه، ولا يتصدق به فيقبل منه، ولا يتركه خلف ظهره إلا كان زاده إلى النار».
والخلاصة: أنه ما فشت الرشوة فى أمة إلا وحل فيها الغش محل النصح، والخيانة محل الأمانة، والخوف محل الأمن، والظلم محل العدل، فالرشوة مهدرة للحقوق، معطلة للمصالح، مجرئة للظلمة والمفسدين، ما فشت فى مجتمع إلا وأنت بهلاكه، قال تعالى: «وتعاونوا على البر والتقوى ولا تعاونوا على الإثم والعدوان واتقوا الله إن الله شديد العقاب» فجدير بنا نحن المسلمون أن نتعاون على الخير لكى نعلى ديننا ووطننا ونعيد لمصر ريادتها ومكانتها المستحقة.
 
إمام وخطيب مسجد الخازندارة بشبرا