الثلاثاء 16 أبريل 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أيمن عبد المجيد

الحاكم والسجَّان




لا يريد الدكتور سيار الجميل، المفكر العراقي المعروف، إلا أن يثري الحوار، بمناسبة المناقشة حول موضوع (الديكتاتور العادل) الذي رأيت أن العراق يحتاجه.. وأنه ضرورة لإنقاذه.. وهكذا فإنه عاد وعلق من جديد علي مقالي بالأمس: (عراق يكوي القلب).. وكنت قد ناقشت فيه تعليقًا له.. فيما يلي نص ما قال مجددًا.. ولي بالطبع تعليق عليه:

عزيزي (.....) عبدالله كمال:

سررت جدًا لهذا الجدل الحيوي الذي أتمني أن يكون حوارًا رائعًا.. وأشكرك صديقي العزيز علي هذه الوقفة الدقيقة علي بعض الأفكار التي طرحتها.. ودعني أتوقف أنا الآخر نقطة بعد أخري متسائلاً أو مجيبًا، خصوصًا في «موضوع» غاية في الأهمية، كونه يخص الرؤية بالنسبة لمستقبلنا. أولاً: لا يمكن مقارنة الأوضاع الماليزية ــ برغم كل تنوعاتها ــ بالأوضاع التي عليها مجتمعات إسلامية أخري مثل الباكستان أو أفغانستان أو العراق أو إيران.. أو غيرها.. الماليزيون مسالمون، لهم القدرة علي الاستجابة للتحديات، وهم يعملون بصمت، وصحيح أن مجتمعهم متنوع، ولكن لم يمر بمخاضات صعبة نتجت عنها تناقضات لا أول لها ولا آخر، كما حدث في مجتمعاتنا العربية، وعليه لا يمكنني مقارنة مهاتير محمد بصدام حسين، فلكل منهما شخصيته ومواصفاته وكيفية أدوات الحكم لديه.. إن العراق كما قلت استثناء ليس في المنطقة فحسب، بل في بيئات العالم.. كنت أتمني أن يتأهل عراقي واحد ويمتلك مؤهلات مهاتير ليكون باستطاعته قيادة الدفة الصعبة.

ثانيًا: ومثلما هو مهاتير وصدام كذلك هو العراق إزاء الهند.. صحيح أن تعقيدات الهند لا يمكن أن تحل بسهولة، ولكن جاء بعد المؤسس غاندي كل من نهرو وابنته أنديرا ورافقهما تطور بناء سياسي بمؤسسات قائمة بذاتها.. كما هو حال محمد علي جناح في باكستان، أو أتاتورك في تركيا.. في حين أن العراق الذي تأسست دولته الحديثة عام 1921، وعلي يد الملك فيصل الأول.. لم يتطور سياسيًا، خصوصًا بعد العام 1958 جراء المشكلات الصعبة التي ألمت به علي أيدي الحكام العسكريين فتوالدت تناقضات لا يمكن تخيلها.. في الهند لم نجد الدولة تجنح لهذا الدين أو ذاك المذهب، ولكن في العراق حلت الفجائع مذ انقسم المجتمع نصفين لأسباب مذهبية وطائفية.

ثالثًا: وهل تعتقد عزيزي أن البيئة السياسية العراقية قد أفرزت من يحكمه اليوم؟ لقد رحل صدام بعد أن أفرغ العراق من كل السياسيين المستقلين أو المعارضين أو المناوئين أو حتي الصامتين.. كان العراق يعيش فراغًا سياسيًا مع غليان اجتماعي وكبت نفسي ورعب جماعي.. صدقني إن هؤلاء اليوم لم يفرزهم الواقع، بقدر ما كان من تنصيب الأمريكان لهم.. وهل تعتقد عزيزي أن الولايات المتحدة الأمريكية تعجز عن الإتيان بكفاءات ورجالات ونسوة، إذ ثمة نخب بمختلف التخصصات من العراقيين ينتشرون في العالم.. وكان أغلبهم ينتظر دوره، ولكنهم أبعدوا وهمشوا وأقصوا ضمن أجندة واضحة.. وإن العراقيين قادرون علي بلورة نخبة جديدة من بينهم، إذا منحوا دورهم.. إن العراق الذي ترونه ممزقًا ومتأخرًا وضعيفًا.. سيضع نفسه علي الطريق الصحيح إذا ما تولي شأنه النظام والقانون.

شكرًا جزيلاً لك عزيزي

وصباحكم رائع

سيار الجميل

انتهي التعليق.. ويا عزيزي الدكتور سيار نحن لسنا مختلفين واقعيًا.. إذ نريد هدفًا واحدًا.. ألا وهو (عراق مستقر).. وإن كنت لست علي قدر تفاؤلك الضمني الذي يتبدي في نهاية تعليقك الثاني، كما تبدي في نهاية تعليقك الأول.. وعلي الرغم من أن عبارتك الأخيرة هي (لب القصيد) الذي أسعي إليه.. إلا أنني سوف أناقش أفكارك من بدايتها.

أقدر بالطبع اختلاف المجتمعات.. وأن المقارنات قد لا تكون جائزة في أغلب الأحيان.. بل إن جوهر مقالاتي حول الديكتاتور العادل هو أن هناك خلافًا جوهريًا في تطبيق الديمقراطية، بحيث لا يمكن العثور علي ديمقراطيات متطابقة.. لقد لجأت السعودية إلي تنفيذ انتخابات علي المستوي المحلي.. فكان أن أدي هذا إلي وصول عدد هائل من أصحاب الاتجاهات المتطرفة إلي مقاعدها.. ولا أعتقد أن ذلك كان هو المقصد.

ولا يمكنني طبعًا أن أقارن بين ماليزيا والعراق.. لكنني كنت أشير إلي أن في البلدين تنويعات.. بل إن ماليزيا فيها تعقيدات قد تكون متضاعفة مقارنة بالعراق.. حيث الاختلاف بين الأعراق الثلاثة (الملاي والهنود والصينيين) متوازٍ مع إيمان كل عرق بديانة ضد الآخرين.. الإسلام والهندوسية والعقائد الصينية.. وأنت تعرف أن الصينيين كانوا يسيطرون علي الأوضاع الاقتصادية.. رغم أنهم أقلية.. وقد أدت خلفيات هذا التعقيد إلي انفصال سنغافورة عن ماليزيا في خمسينيات القرن الماضي.. وربما كان صعود سنغافورة أحد حوافز صعود ماليزيا، فيما بعد.

لا يمكن بالطبع أن نتجاهل جوهرية الاختلاف بين الثقافة الآسيوية والثقافة العربية.. تلك التي أدت إلي صنع ماليزيا التي أصبحت تبيع تنوعها.. وهذه التي أدت إلي صنع العراق الذي لا يمكن له أن يفاخر بما يجري فيه.. أو للدقة لنقل جوهرية الاختلاف ما بين الثقافة الإسلامية والثقافة الآسيوية.. فبعض الدول الآسيوية المسلمة لم تفلح في توظيف مقوماتها الآسيوية لصالح نهضتها.. ومن ذلك الوضع في باكستان.

لست بمقارن بين مهاتير وصدام، هذا أمر لا يمكن بداهة.. ولكنني لجأت إلي الحديث عن نموذج مهاتير لكي أدلل علي أنه من الممكن أن يكون هناك ديكتاتور عادل يحدث نهضة.. وفي رأيي أن مهاتير لم يكن حاكمًا صاحب مواصفات ديمقراطية.. أما صدام فهو لم يكن حاكمًا وإنما سجان قاهر.. يمارس شذوذه النفسي والسياسي وعبثه العقلي والخلقي.. وليس هذا هو ما أري أنه ضرورة للعراق الآن.


وأكمل تعليقي علي بقية ما قلت يا عزيزي الدكتور سيار غدًا.

الموقع الالكتروني : www.abkamal.net
البريد الالكتروني   : [email protected]