الجمعة 19 أبريل 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أيمن عبد المجيد

ارتباك قبل الاجتماع الثلاثى لسد «النهضة»




ارتباك حكومى شديد قبل ساعات من اجتماعات خبراء اللجنة الثلاثية لتقييم سد النهضة بالعاصمة السودانية الخرطوم التى يعقبها اجتماع لوزراء المياه بالدول الثلاث مصر واثيوبيا والسودان والمقرر له الأحد المقبل فى العاصمة السودانية الخرطوم، وحيث طالب عدد من الخبراء الفنيين والقانونيين والسياسيين أيضا بضرورة اتخاذ حكومة الدكتور الببلاوى موقفا رسميا بالانسحاب الفورى من المفاوضات فى حال رفض اثيوبيا وقف اعمال الانشاءات من 3 الى 6 أشهر لحين الانتهاء من المفاوضات الجارية، وذلك ردًا على تصريحات الرئيس السودانى عمر البشير والذى أفقد الاجتماع القادم مضمونه بل وشرعيته بإعلانه موقفا سياسيًا بالانضمام إلى الجانب الاثيوبى وتبنى وجهة نظر حكومة أديس أبابا كاملة فيما يخص سد النهضة، وهو ما يتناقض مع الموقف الذى تلعبه السودان على المستوى الدولى فى تقريب وجهات النظر ولعب دور الحكم بين مصر والسودان فى اجتماعات التفاوض على سد النهضة.
وأكدت مصادر مطلعة بملف حوض النيل لـ«روزاليوسف» أن وزير الموارد المائية والرى استعرض مع الوفد المصرى المشارك فى اجتماعات الخرطوم كيفية الرد على تصريحات الرئيس السودانى والموقف المصرى فى ضوء هذا الاعلان الذى أفقد الجانب السودانى دوره المحايد فى الاجتماعات، والذى كان مسئولا عن تقريب وجهات النظر بين الجانبين وليس اتخاذ موقف مع طرف ضد آخر، بينما لم تقرر مصر بعد امكانية الانسحاب من المفاوضات واعتذارها عن حضور الاجتماع.
وأكد د.هانى رسلان رئيس وحدة السودان وحوض النيل فى مركز الاهرام للدراسات السياسية والإستراتيجية أن الرئيس السودانى عمر البشير  مثير للدهشة، وهذا هو أقل تعبير بعدما نصب نفسه متحدثا رسميا للاثيوبيين وتبنى وجهة نظرهم، بل ولم يقتصر موقفه على إعلان تأييد السودان المطلق للسد، بل تخطى ذلك بقوله بأن السد سوف يحمل النفع لكل شعوب المنطقة ولإخواننا المصريين، وهو ما يؤكد أن هدفه فقط ارضاء الاثيوبيين بتسويق سياساتهم نظير مصالحه فى مفاوضاته مع جنوب السودان والتى أصبحت تحت رعاية كاملة من أديس أبابا.
وأضاف رسلان أن البشير وقع بلسانه فى حديثه عن السد بقوله أن الأمر ليس فقط سياسيا وانما عن قناعة وهو مايؤكد اعترافه بوجود موقف سياسى وليس مبنيًا على تقديره للمنافع والاضرار التى أكد عليها كبار المتخصصين المشهود لهم فى دولة السودان نفسها ومن بينهم 2 من وزراء المياه السابقين بالسودان والمشهود لهم بالكفاءة والخبرة فى هذا الملف  ورغم وجود تحفظات ومعارضة شديدة لاستكمال السد وانقسام بين السودانيين انفسهم إلا أن البشير يعطى شيك على بياض للاثيوبيين للتحكم بمياه النيل كاملة وفرض سطوتهم على شعبه.
ولفت إلى أن تصريحاته لها الانعكاس المباشر والتأثير البالغ على اجتماعات 8 ديسمبر، فإنه من المفترض حسب موقفه يسعى لتقريب وجهات النظر يلعب دور الوساطة وتوفيق الآراء، ولهذا كان أمرًا غير مفهوم بتحدثه عن  دولة أخرى بما يخالف رأيها الرسمى، وذلك بقوله إن السد يحقق النفع لمصر، ورغم الجانب المصرى من خلال دراسات العلماء المتخصصين فى السدود بح صوته فى تدوين المخاطر جراء اتمام اعمال السد. إلا أن بالنسبة للرئيس السودانى فإن مباركته لاستكمال السد اندفاعا منه وراء منافع سياسية لكسب ود الاثيوبيين فى مفاوضاته مع جنوب السودان التى ترعاها حكومة أديس أبابا، كما أن اثيوبيا لها قوات فى ابيى وهى منطقة تمثل بالغ الحرج لنظام البشير،  وبالتالى فإن تصريحاته عن سد النهضة تعبر عن موقف سياسى نتاج تفاعلات ومشاكل تدار خارج الخرطوم فى أديس أبابا.
وأوضح رسلان أن السودان أصبح يلعب دور مدافع عن السد لصالح الاثيوبيين، ومع تغافل الأضرار التى سوف تحدث نتيجة  تغييرات هيدرولوجية وجغرافية سينتج عنها تحكم اثيوبيا فى المياه الواردة الى دولتى المصب «مصر والسودان: بالكامل، وخاصة بالنظر للسدود الثلاثة الأخرى على النيل وحيث سيتم الحاقهم اجباريًا خلف سد النهضة  لمعالجة أزمة الإطماء،  وامتلاء خزان السد بالطمى.
أكد رسلان تعجبه من استمرار حكومة الببلاوى فى المفاوضات حتى الآن والتى تمنح الاثيوبيين مزيدًا من الوقت لترديد الأكاذيب وشرعية لاستكمال هذا المنشأ غير مكتمل الدراسات والمواصفات الفنية، وأنه وفقا لدراسة محاكاة النموذج الرياضى لسد النهضة والتى أجرتها كلية الهندسة بجامعة القاهرة، فإن السد معرض للانهيار بنسبة كبيرة، وهو ما له تأثير مدمر على السودان واغراقها وهدم سد مروى أيضا بنسبة 90%، وحيث إن الضغط الأرضى للمياه التى سيتم تخزينها بواقع 74 مليار متر مكعب من المياه يعرض المنطقة لتكون من أنشط مناطق الزلازل وهو ما سيعمل على تهديد السد بالانهار، وفى هذه الحالة سيدمر كل السدود الاثيوبية على النيل الأزرق، وستتجه موجة عالية من المياه بارتفاع 16 مترًا الى الخرطوم لتغرقها خلال اربعة أيام وتدمر فى طريقها سد «مروى» السودانى وتصل الى السد العالى خلال 18 يوما ذات الموجة، إلا أن السد العالى قادر على الصمود أمامها فى حال عدم انخفاض مستوى المياه ببحيرة ناصر عند نصف السعة القصوى مع فتح مفايض توشكى الأربعة لتصريف المياه الزائدة.
وشدد رسلان على أن الحلول التى أعلنت عنها الشركة الايطالية المنفذة لمشروع بناء سد النهضة بحقن التربة بمواد اسمنتية فى مواجهة اهتزازات القشرة الأرضية التى تعرض السد للانهيار غير موثوق بها خاصة أن التصميمات والدراسات الخاصة بالمنشأ ككل غير مكتملة وغير دقيقة.
السفيرة منى عمر مساعد وزير الخارجية السابق للشؤون الافريقية طالبت بضرورة تبنى موقف مصرى موحد واضح والبعد عن المواقف المتباينة وخاصة فى التصريحات الحكومية ما بين تأكيدات على خطورة السد واستكمال بنائه على مصر بشكل مدمر وأخرى حول أن السد يحمل الكثير من المنافع والخير لمصر، ولفتت إلى أنه ليس أمامنا خيار إلا السلم والتعاون وهذه هى مصر التى تسعى للسلام دائما مهما كلفها الأمر.
وشددت على أن التناول العاطفى لقضية أمن مصر المائى وعلاقاتها مع دول حوض النيل يضر كثيرًا بالملف، ولابد من وجود خطاب اعلامى محايد فى هذا الشأن.
ومن جانب آخر وضعت مجموعة حوض النيل التى شكلتها كلية الهندسة بجامعة القاهرة بعضوية وزير الرى الأسبق د.محمد نصر الدين علام أجندة تفاوض حول سد النهضة لضمان تحقيق المنفعة المشتركة والتى شملت عددًا من  البنود تبدأ بتقليل السعة التخزينية للسد وبما يقلل آثاره السلبية على مصر. وتحقيق توافق حول سياسات تشغيل السد الأصغر الذى يتم التوافق عليه بين الدول الثلاث وخاصة فى سنوات الجفاف وبما يقلل احتمالات العجز فى حصتى مصر والسودان المائية وأيضا تحقيق توافق حول عدد سنوات تخزين المياه أمام سد النهضة، والتوافق حول الضمانات الفنية للسلامة الإنشائية للسد، وكذلك الاتفاق حول آلية لفض المنازعات فى حالة الاختلاف حول أى بند أو أكثر من بنود التفاوض، ووقف إنشاءات السد حتى يتم انتهاء التفاوض وتحقيق التوافق المنشود مع تحديد فترة زمنية للتفاوض لا تتعدى ٣ - ٦ أشهر.
وأكد الدكتور محمد نصر الدين علام، وزير الرى الأسبق، أن التباعد السودانى عن الموقف المصرى لن يؤدى إلا إلى مزيد من إضاعة الوقت واستمرار إثيوبيا فى بناء السد ورغم أن الأضرار ستكون على السودان قبل مصر مطالبا الجانب السودانى بمراجعة موقفه الذى يسبب ضررًا مباشرًا لمصر وضعفًا مقصودًا فى موقفها السياسى التفاوضى مع أثيوبيا، والعودة للتمسك بالشراكة الاستراتيجية التى هى فى صالح البلدين.
ومن جانبه أعلن د.محمود أبوزيد وزير الموارد المائية والرى الأسبق تبنى المجلس العربى للمياه  تنفيذ مشروع قافلة مصرية  شعبية فى دول النيل الشرقى شمال وجنوب السودان وإثيوبيا للتواصل مع الشعوب مباشرة واعادة بناء الثقة بين المجتمعات على الأرض، وذلك فضلاً عن  تنفيذ مشروع تعزيز العلاقة بين الجمعيات الأهلية والإعلام فى دول النيل الخمس عن طريق ورش عمل حقلية، وإنشاء (مرصد) الإعلام المائى لتبادل المواد الاعلامية على مستوى حوض النيل مدعم بقاعدة بيانات معلوماتية مائية، وتنفيذ دورات تدريبية تعقد داخل وخارج مصر لإعداد كوادر إعلامية متخصصة فى الشأن المائى وتمنح دبلومة، وتفعيل التبادل الاعلامى للمواد الاعلامية (صحافة ـ إذاعة ـ تليفزيون) وخاصةً الدراما التليفزيونية.
وأوضح أبوزيد أن المجلس العربى للمياه يعمل على سرعة تنفيذ التوصيات الناتجة عن ورشة عمل «تعزيز دور المنظمات الاهلية والمجتمع المدنى والاعلام فى ادارة الموارد المائية بدول النيل الشرقى لحوض نهر النيل، والتى تتضمن توقيع مذكرات تعاون بين المجلس العربى للمياه ومنتدى حوض النيل  والجمعيات الأهلية والهيئات الاعلامى وإشراك جمعيات مستخدمى المياه فى منظومة التواصل مع دول حوض النيل، وتشجيع تكوين فرق موسيقية وفنية بين دول النيل الشرقى وبما يدعم التواصل الشعبى بخلاف ما يدور على مستوى الحكومات.
يأتى هذا الارتباك فى الموقف المصرى فى الوقت الذى يتقدم فيه الإثيوبيون فى أعمال إنشاء السد، إذ أعلن فيه زادين ابرها، نائب رئيس المجلس الوطنى التنسيقى لبناء سد «النهضة»، فى إثيوبيا عن إنجاز 30% من مشروع بناء سد «النهضة»، الذى يعتبر هو الجهة المسئولة عن كل ما يتعلق ببناء سد «النهضة».
وقال ابرها، فى تصريحاته: إن «أعمال البناء فى مشروع سد النهضة تسير بوتيرة سريعة على مدار الـ24 ساعة»، ومضى قائلاً إن «العمل فى السد لم يتوقف حتى للحظة واحدة منذ بدء عمليات إنشائه.. وأعمال البناء تسير حسب الخطة الموضوعة له».
ولم يحدد المسئول الإثيوبى تاريخًا مفترضًا لاكتمال بناء السد، كما امتدح ابرها دعم المواطنين للمشروع من خلال شراء السندات المالية الخاصة به.
وأوضح أن «الدعم تجاوز حتى الآن 5.7 مليار بر إثيوبى - الدولار الواحد يعادل 19.4 بر إثيوبى- منها 22 مليون دولار أسهم بها إثيوبيون فى دول المهجر».