الخميس 25 أبريل 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أيمن عبد المجيد

الفاجومى.. وأنا




يا سادة يا كرام.. صلوا على خير الأنام.. الحلم فى العلم.. بكرة اللى جاى أخضر.. والشعر فى الحلم فارس بيتمخطر..
راكب حصان السبق.. شاهر.. حسام قاطع.. رايح يجيب النبأ.. زى النهار.. ساطع.. ويطلع الفجر.. فوق السحاب لا غبر..
ياسامع الشعر.. فكر.. تشوف أكتر.. وحدوه ويكمل أبو النجوم قصيدته.. حكايتنا كانت من قديم الأزل.. لكن حكايتى مع عمنا الشاعر الكبير أحمد فؤاد نجم أحد أبرز شعراء العامية على الإطلاق فى النصف الثانى من القرن العشرين.. شاعر الشعب الذى مثل أحد  الظواهر الشعرية السياسية المصرية وأحد أبرز السياسيين  المناضلين الذين دفعوا أثمانًا من أجل التعبير عن الروح الاجتجاجية لهذا الوطن منذ نكسة 67 وحتى قبل رحيله.. أما حكايتى مع عم أحمد كمحاكنا نناديه.. بدأت أتعرف على نجم الإنسان عندما توليت رئاسة تحرير جريدة الشروق وكمانت تدرس فى أواخر التسعينيات وهى غير الشروق التى تصدر الآن..
وبحكم الانتماء والتربية فى مدرسة الصحافة المشاغبة المتمردة روزاليوسف.. ولأننى كنت قد قطعت عهدًا على نفسى أن أكون صانعًا لصحافة تنتمى للبسطاء والسواد الأعظم من المصريين لا تنافق سلطة ولا تخشى رئيسًا وتكون الجريدة من أجل القارئ فقط معبرة عن همومه وآلامه وآماله وأحلامه.. لا تنافق مسئولًا ولا ترتمى فى أحضان حزب ولا تكون بوقًا للتوريث الذى كان موضة فى هذا التوقيت.. قفز إلى ذهنى أحمد فؤاد نجم.. نصير البسطاء.. الثورى الذى حفظنا أشعاره وكنا نرددها فى الجامعة.. المصرى الأصيل الذى لم ينفصل عن طبقة الكادحين بل كان يحيا بينهم.. أحضرت رقم التليفون واتصلت بشاعرنا الكبير.. مساء الفل يا عم أحمد.. فجاءنى صوته مرحبًا أهلًا.. أهلاً.. إزيك عامل إيه.. الصحة تمام.. انت فين.. ترحيبه الشديد وحنو صوته وكأنه يعرفنى منذ زمن بعيد وقبل هذه  المحادثة أربكنى وأصابنى بحالة من الذهول فلم أرد عليه.. باغتنى قائلًا انت «رحت فين» قلت أيوه يا عم أحمد معاك.. قاللى أنا كنت هاقفل التليفون «افتكرت الخط قطع».. أبداً يا عم أحمد أنا صلاح نويرة ومسئول عن جرنال اسمه الشروق.. رد الشاعر الرقيق ابن البلد ايه يابنى انت مكسوف تقول رئيس التحرير..
على استحياء ما يصحش أقول كده فى حضرتك يا عم أحمد.. احنا عاوزينك تشارك معانا فى الجرنال وبصراحة نستفيد ونتعلم منك.. قال وماله تعالى فى مجلس قيادة السطوح نشوف الحكاية.. طيب العنوان يا عم أحمد بص يا سيدى انت تيجى المقطم عند مساكن الزلزال وتوصل عند السوق وتقول عايز نجم.. بس كده.. أه الناس هنا تجيبك لغاية البيت!!.. طيب امتى يا عم أحمد.. زى ما انت عاوز.. ينفع دلوقتى.. تعالى يا سيدي.. كفاية رخامة.. وبالفعل ذهبت وعندما وصلت إلى السوق سألت بائع الطماطم عن الأستاذ أحمد فؤاد نجم قاللى قصدك عم أحمد قلت آه.. قال تعالى وترك عربة الطماطم وأمام إحدى البنايات توقف وقال عم أحمد ساكن فى البلوك ده آخر دور.. وكرر الدور الأخير.. وقبل أن أقول له شكرًا قال سلام عليك.. صعدت السلالم ووصلت إلى الدور الأخير وجدت باب شقة مفتوحًا «ندهت» يا عم أحمد يا عم أحمد.. خرجت لى سيدة بسيطة وقالت لي انت عاوز نجم قلت آه.. قالت لى اطلع ع السلم الحديد ده هو فوق نظرت إلى السلم الحديد الذى يشبه سلم المطافئ وأعلاه فتحة صغيرة تظهر منها السماء.. صعدت بصعوبة فوجدت نفسى على السطوح ووجدت على يسارى غرفة بسيطة الباب مفتوح الغرفة خالية لا يوجد بها سوى كنبة بلدى وتربيزة صغيرة وكرسى وفى ركن من الغرفة عدة الشاى وعم أحمد قاعد على الأرض مفترشًا حصيرة بلاستيك ومتكئاً على مسند الكنبة.
قام عم أحمد بشوشًا أهلًا أهلًا انت صلاح أيوه.. ثم أردف الترمواى دلك ع السلم ابتسمت وشرحت له أفكارى بالنسبة للجريدة ورجوته أن يكمل حلقات الفاجومى التى أوقف نشرها فى روزاليوسف قاللى أنا شامم كده ريحة روزاليوسف.. قلت يا عم أحمد احنا بنتكلم عن جريدة الشروق وبصراحة يا عم أحمد أنا محتاج تكون معانا مستشار للتحرير قال فكرة الجرنال اللى اتكلمت عنه والأفكار حلوة وأنا معاك بس هاتدفعوا فلوس ولا بلوشى قلت يا عم أحمد لسه بنبدأ وها تكون حاجة بسيطة..
ضحك وقال الأفكار عجبتنى وكنت هوافق بلوشي.. شفت انت طلعت عبيط!!
ضحكنا.. وباغتنى عم أحمد قائلًا «عارف عادل عمل ايه»؟!
يقصد عادل حمودة.. التزمت الصمت لأننى كنت أعلم بحكم وجودى فى سكرتارية روزاليوسف الفنية.. أن عادل أوقف نشر حلقات الفاجومى لأنه رأى أن نجم قال كل ما عنده وليس لديه جديد.. وبعد أن تمت الإطاحة بعادل حمودة من روزاليوسف وتم نقله إلى الأهرام كاتبًا متفرغًا كنوع من التكريم إلا أنه كان تكريمًا باردًا وكتب عادل حمودة مقالًا فى الأهرام تحت عنوان «الجياد لا تباع فى السوبر ماركت» هاجم عادل قبول نجم حفل التكريم الذى أقامه نجيب  ساويرس بمناسبة بلوغه عامه السبعين. وقال حمودة إن نجم جزء من تاريخ هذا الوطن ومن ثم ليس من حقه أن يتصرف دون مشورتنا مطالبًا نجم بالعودة إلى أهله وناسه.. ولمحت الغضب فى وجه عم أحمد موجهًا كلامه لى أنا استأذن عشان نجيب عاوز يكرمني.. وفى هذا التوقيت أصدر عادل حمودة كتابه أنا والجنزورى بعد تركه رئاسة الوزراء يحكى فيه قصة إطاحة الجنزورى بعادل حمودة من روزاليوسف من وجهة نظره..
مد عم أحمد يده وأخرج من تحت الحصيرة كراسة وبها صفحة من جريدة  وقال اتفضل اقرأ.. وكانت الصفحة بها مقال لبلال فضل يتسائل فى المقالة هل كتب عادل حمودة كتابه ليقنع القارئ أن رئيس وزراء مصر السابق د. كمال الجنزورى قاد ضده حملة شرسة وقام بنزع سلاحه وتركه مجردًا منه فى العراء حسب نص تعبير عادل حمودة؟! وما هى العقوبة التى أوقعها الدكتور الجنزورى عليه ويجيب بلال على ذلك بأنه تم نقل عادل حمودة الذى كان نائبًا لرئيس تحرير روزاليوسف التى توزع من 80 إلى 100 ألف نسخة «للأمانة وللتاريخ عادل حمودة كان مسئولًا مسئولية كاملة، عن تحرير روزاليوسف بل كان هو رئيس التحرير من الباطن» إلى كاتب متفرغ فى أكبر صحيفة يومية قومية سنًا ومكانة وبدلًا من أن تكون سمعته المهنية بأنه كاتب شغوف بالإثارة والفرقعات أصبح كاتبًا بالأهرام ورأسه برأس أنور عبد الملك وأنيس منصور ومصطفى محمود وأحمد بهجت وغيرهم.. ويضيف بلال إذا كان عادل حمودة يعتبر الكتابة فى الأهرام عقوبة جنزورية فما الذى رماه عليها.
وأضاف نجم العديد مما لا نستطيع ذكره احترامًا لقيمة وقامة عادل حمودة ووفاء وإخلاصًا لذكرى أحمد فؤاد نجم..
وكانت بداية أزمة عادل حمودة مع الدكتور الجنزورى صورة مركبة للجنزورى باستخدام الجرافيك.. اعترض عليها الجنزورى ولم تعجبه وبعد حوالى شهرين من صدور كتاب عادل حمودة أنا والجنزورى أصدر نجم كتابه «أنا بقى وعادل حمودة».
ووجدت نفسى فى موقف صعب لأن عادل حمودة يمثل لى قيمة وأستاذ فى الصحافة وأحد رواد روزاليوسف وتلميذ صلاح حافظ النجيب وأحمد فؤاد نجم هو الشاعر الثائر والعبقرى والإنسان الذى أحبه وكيف أقول له إننا لن نكون مسرحًا لمعركة بين صحفى بقيمة حمودة وشاعر فى قامة نجم... وبذكاء وفطنة لا حظ نجم الحيرة على وجهى فقال لى «خلاص كلمتين كانوا محشورين في زوري وخلاص نسيت كل حاجة.. حبيت تنفست الصعداء ووقفت أمام المشهد مبهورًا وكم هى طيبة قلب الرجل وكيف نسى غضبه وتجاوز الحدث.. وبدأت أتقرب أكثر لأتعرف على نجم الإنسان.. وجلسنا نتحدث عن الأبواب الجديدة، وفجأنى عم أحمد وقدم لى عددًا من محبيه ومريديه ليكونوا ضمن فريق العمل بالجريدة وقال هاكتب الفاجومى 2وكنت خائفًا من مواعيد عم أحمد وتسليم الحلقات لكن هذا الفاجومى الشاعر الثورى العبقرى كان يفاجأنى بالتزامه الشديد وتقديمه للحلقات فى موعدها ويأتى من المقطم إلى مقر الجريدة بالعجوزة ليسلم حلقة الفاجومى 2 ونناقش موضوعات العدد الجديد يجلس بين الشباب فتراه أكثرهم شباباً وحماسًا وتدفقًا فى الأفكار وكان يعكس حماسه بل يصيبك بعدوى وبسبب هذا الحماس تم إنذارى وتم تحويلى للرفت من روزاليوسف بسبب الأفكار التى نكتبها ووقوفنا ضد التطبيع مع الكيان الصهيونى ولهذا قصة أخرى..
وأنا أسترجع شريط الذكريات وبداية العلاقة الإنسانية مع عم أحمد أتذكر جزءاً من قصيدته.. والبداية برضه «لازم» بيجى يوم.. توصل نهاية .. مهما زاد الرأسمال.. الهلاك هو المآل.. والتاريخ هو اللى قال.. لعبة الموت فى الحياة».. وبالمناسبة عنوان هذا المقال كان عنوان كتاب عن عم أحمد والجزء الإنسانى فى حياته.. أوجاعه.. حبه.. أحلامه وكان بيننا اتفاق على أن يكتب مقدمة الكتاب.. ولكنه فجأنا ورحل.. رحم الله القلب الطيب المناضل الثائر أحمد فؤاد نجم الذى قضى 18 عامًا من عمره فى السجون.
مر الكلام.. زى الحسام.. يقطع مكان ما يمر.. أما المديح سهل ومريح.. يخدع صحيح ويعز.. والكلمة دين.. من غير ايدين.. بس الوفا.. ع الحر.