السبت 20 أبريل 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أيمن عبد المجيد

6 أيام فى أرض كنعان




رام الله المحتلة - أيمن عبدالمجيد
«التفتيش العارى» جريمة صهيونية لكسر الإرادة  و«الأمعاء الخاوية» تقاوم.. و«ضمير العالم» غائب
 
«أطل عليكم من زنزانة معتمة بعد أن ابتلع الاحتلال ٣١ عاما من عمرى لاستنير بكم، منذ العام ١٩٨٣ لم يدخلها غير الظلم والقهر، أطل عليكم لأتأكد أننى ما زلت حيا موجودا، فهل يعقل ألا ألمس كفى أمى منذ ثلاثة عقود وهى على بعد قبلة منى؟! ووالدى يوارى الثرى من دون أن أودعه ؟! وعائلتى تكبر وتتسع ولا علاقة معرفية لى بها؟».

من أين نبدأ؟من هذه الأسئلة الممزوجة بحجم الألم ورائحة الموت وطعم المعاناة، التى تفوح من رسالة ماهر يونس لأمه الحاجة «وداد» بعد ٣١ عاما من الأسر الذى لا يعرف له نهاية، أم من عبرات تجمدت فى مقلتى الحاجة سميرة أم لشهيد وأسيرين، جاهدت ألا تذرفها وهى تتذكر مشهد طفلها صابر أبن الخمسة عشر عاما وهو مدرج فى دمائه بقذيفة عيار ٨٠٠ مضاد للمدرعات أطلقها على صدره الاحتلال الصهيونى متذرعاً بأنه  كان يحمل حجرا!! ومعاناتها لسنوات بحثا عن تصريح بزيارة لشقيقيه الأسيرين رمزى ومحمد. . أم نبدأ من زوجة تتساءل أين حقوق الإنسان التى يتشدق بها الغرب وأين نخوة العرب من التفتيش «العارى» لزوجات وشقيقات وأمهات الأسرى اللاتى يجبرن على خلع ملابسهن فى غرفة يعلم الله وحده من يشاهدها ويصور ما بداخلها عبر الكاميرات كشرط للسماح لهن بزيارة ذويهن المعتقلين من عشرات السنين؟، ربما  من أم حكم على أبنها بثلاثة  مؤبدات وقطعت قدميه داخل السجن، وما زالت « أم ناهض» ٧٥ عاما، تكافح لزيارة أبنها لتحضن عينيها ما تبقى من جسده القابع على كرسى متحرك، تعرض بيتها للبيع، تحلم بأن تراه خارج القضبان أملا فى أن يشارك فى تشييع جثمانها بعد الرحيل، فقد أنهكتها المعاناة وبلغت من الكبر عتيا.

هل نبدأ من سجان محتل بغيض مجرد من الأنسانية، يأبى أن يتحرر أسراه حتى بالموت، فيسجن جثامين المتوفين فى مقابر «الأرقام» لاستكمال عقوبات ومؤبدات لم تسعفهم أعمارهم المعذبة على استيفائها؟ أم من داخل زنازين الأسر، ام من فتيات ينتظرن خطابهم الأسرى عشرات السنوات، يرفضن فسخ خطبتهن وأن ألتهم الأسر سنوات العمر، وأنحنى الظهر واشتعل الشعر شيبا فى سنوات الانتظار، عن معركة الأمعاء الخاوية نتحدث، عن زوجات وأبناء يدفعن ثمناً مضاعفاً وإن كانوا طلاقاء، ما أكثرها الأسئلة الممزوجة بحجم المعاناة، ورائحة الموت وطعم الجوع، وظلمة الأسر، وألم سوط السجان، سأحملها ممن التقيتهم من المعذبين  خلال زيارتى لرام الله المحتل، سألقى بها على ضمير العالم عله ينتفض من ثباته العميق، وإن كان الصمود هو عنوان أحفاد كنعان وأن أغمض عنهم العالم عينيه، وصم أذانه حزر الموت من صاعقة أنينهم، سمعت نظرات  عيونهم تقول فى لحظة سكنت فيها شفاههم وصمته ألسنتهم: لن يهزمنا ألم ولن يقتل القهر فينا الأمل.

بصوت مفعم بالحزن، متقطع وتنهديدات تقذف بما داخل الصدر من حمم الفراق، وعبرات تلمع فى مقلتيها تجاهد ألا تذرفها، قالت «كان يوماً غائما من أيام العام ٢٠٠٠، الانتفاضة تغطى كل أرجاء الأرض الفلسطينية ضد الاحتلال، شعرت بقلبى ينقبض فأيقنت أن مكروهاً أصاب أحد أبنائى، وما هى إلا ساعات وجاءنى الخبر، ابنك صابر أطلق عليه جنود الاحتلال النار، أسرعت إلى مستشفى رام الله وقلبى ينتفض، فإذا بأبنى مدرج فى دمائه ورزقه الله الشهادة، قتله الاحتلال بطلق نارى فى الصدر، قتلوه برصاص مدفع ٨٠٠ وهو رصاص مخصص للدروع، تمزق قلب ابنى وانفجر صدره، هكذا قال التقرير الطبى، لكن ماذا قال الاحتلال قالوا كان يلقى الحجارة، فبالله عليك يا ضمير العالم هل تقابل الحجارة برصاص مدفع مضاد للدبابات؟، وليتهم اكتفوا بجريمتهم بل اعتقلوا ولدى رمزى ومحمد».

نظرت الحاجة سميرة من رام الله المحتلة بالضفة الغربية إلى صورة تجمع ابنها الشهيد صابر سليمان ١٥ عاما، وشقيقيه الأسيرين محمد ورمزى، لمعت العبرات فى مقلتيها، ثم تنهدت بحرقة «صابر قتلوه، ورمزى أعتقلوه من حفل زفافه، دفعته العائلة للزواج ليدخل الفرح بيتنا وينجب طفلا يخفف عنى رحيل عمه، لكن الاحتلال لم يسمح لنا بالفرح، اعتقل ليلة زفافه قبل أن يدخل بعروسه، وهو الأن بعد ١١ عاما من الاعتقال مصاب بمرض فى عينه ويتطلب زرع قرنية، لكنهم لا يوفرون له علاجا، وشقيقه محمد حكموا عليه بثلاثة مؤبدات وأصيب هو الأخر بالتهاب رئوى ولا يقدمون لهما علاجا، أعانى لأشهر وألجأ للصليب الأحمر لأتمكن من زيارتهما وأناشد العالم بأن يتم توفير العلاج لهما وغيرهما من الأسرى المرضى فى سجون الاحتلال».

بعد اشهر من المعاناة لزيارة إبنى يسمحون لى بـ١٥ دقيقة فقط، أراهم خلف حائط من الزجاج لا يسمح لى بلمسهما أو احتضانهما، قلبى ينتفض أتحدث مع محمد عبر هاتف أما رمزى فقد أهمل الاحتلال علاجه داخل السجن حتى فقد سمعه، وبصره مهدد مالم يجر زراعة قرنية» تتساءل الحاجة سميرة « لماذا لا يطلقون سراح إبنى يتهمونهما بقتل جندى إسرائيلي؟! ألم يقتل الاحتلال شقيقهما صابر وهو طفل لم يرتكب ذنبا؟! أم دمنا حلال ودمهم حرام؟! أنهم محتلون ونحن أصحاب الأرض.

فى الثالث من إبريل من العام الجارى، وفى عيد ميلاد ابنته البكر نسمة، تمدد الأسير ناهض الأقرع على سرير بعيادة سجن الرملة الإسرائيلى، نسمة لم تحتفل بعيد ميلادها منذ أن قبع أبوها خلف القضبان، ١٠ سنوات فى اسره الأول، واسره الثانى المتواصل منذ ٦ سنوات، لكنه إليوم سيرسل لها بهدية فى عيد ميلادها، قدمه إليسرى ستتحرر من سجن الاحتلال تاركة ما تبقى من جسد يعانى، ستذوب فى تراب رام الله لتلحق بشقيقتها القدم اليمنى التى اختلطت بتراب غزة، فكل من غزة ورام الله جزء من وطن محتل، نسمة لم تحتفل بعيد ميلادها، بل تبكى قدم أبيها المبتورة وتشارك مشيعيها فى جنازتها الصغيرة.

تنظر أم ناهض إلى صورتها التى تقف فيها ممشوقة القوام، رغم سنوات عمرها الخمسة والسبعين، إلى جوار نصف أبنها ناهض ٤٦ عاما، المحمول على كرسى متحرك، بلا قدمين، تبتلع ريقها تقفذ علامات الحزن من تجاعيد وجهها الذى حفرته معاناة السنين، تتذكر جنازة قدم فلزة كبدها، الملفوفة فى كفن محمولة لتوارى الثرى فى مقبرة البيرة برام الله، تلوح بكفيها «الحمد الله أن ابنى ما زال حيا، أريد أن أراه خارج السجن مع زوجته وأبنائه، الصهاينة حاكمين عليه بثلاثة مؤبدات، قلبى ينفطر عليه، كيف يعيش بلا قدمين داخل السجن، من سيساعده فى دخول الحمام، كان يتكئ على قدمه إليسرى رغم الألم بعد بتر قدمه اليمنى واليوم بلا قدمين».

١٠ سنوات قضاها ناهض فى سجون الاحتلال بعد اسره الأول عام ١٩٨٣ ليفرج عنه ١٩٩٣ ضمن من اطلق سراحهم عقب توقيع اتفاقية أوسلو، تقول أم ناهض بصوت منهك لا يخلو من حدة «ابنى أسرته إسرائيل أول مرة وعمره ١٦ سنة، وبعد ١٠ سنوات خرج من الأسر، وعاش فى غزة وإسرائيل تتهمه بتفجير دبابة إسرائيلية على حدود غزة، أصيب فى قدمه إليمنى فى أحداث غزة التى أطلقت فيها حماس النار على الفتحاوية فى الانقلاب وبترت ساقه اليمنى وعند هروبه لدخول رام الله عبر جسر الأردن اعتقلته إسرائيل بتهمة تفجير الدبابة وأطلق جنود الاحتلال النار على قدمه اليسرى، عام ٢٠٠٧ وطيلة تلك المدة لم يقدموا له علاجا كافيا وظل يعانى حتى قطعوا رجله إليسرى فى السجن، كيف سيقضى ٧٥ سنة فى السجن ثلاث مؤبدات؟! أتمنى أن يبيعونى بيتى يأخذون عنى اى شئ ويخرجوه يشوف عياله، أين العالم الذى انتفض من أجل الجندى الإسرائيلى شاليط وأسرته، أليس نحن أيضاً أهل ولنا أبناء أسرى؟! قلبى ينفطر عليه».

يبلغ عدد الأسرى فى سجون الاحتلال لحظة كتابة التحقيق ٤٩٠٠ أسير بحسب إحصائيات وزارة شئون الأسرى ونادى الأسير الفلسطينى، وتتغير الأعداد بشكل دائم نتيجة اعتقال الاحتلال لمزيد من المقاومين وصدور أحكام بحق المعتقلين، بينهم ٤٥٦ أسيرا صادر بحقهم أحكام تفوق الـ٢٠ عاما و٥١٥ أسيرا صادر بحقهم مؤبدات ٢٥ عاما وبعضهم تتجاوز الأحكام ٥ مؤبدات لاتهامهم بقتل أكثر من جندى إسرائيلى.

 طرقات على باب بيت الرجبى بمدينة الخليل تقطع سكون الليل، لا ينتظر جنود الاحتلال فتح الباب يتم اقتحام المنزل، ينتزع الطفل يحيى الرجبى ١٣ عاما من حضن أمه يوضع فى السيارة الجيب بحسب نادى الاسير مع الطفلة فاطمة عوض ١٥ عام، ليظلا بلا ماء ولا طعام يتعرضان للتعذيب ١٨ ساعة فى مقر التحقيق قبل ايداعهم السجن، فى انتهاك صارخ لاتفاقيات جنيف والاتفاقيات العالمية لحقوق الطفل، يعتقل الاحتلال الإسرائيلى ١٩٤طفلا بدون اى ضمانات لعدالة أو رعاية صحية، يقول رياض الأشقر مدير مركز أسرى فلسطين للدراسات أن الاحتلال أعتقل وديع مسودة وهو طفل من الخليل لم يتجاوز عمره الخمس سنوات، مشيرا الى ما يمارس بحق الأطفال من تعذيب وحرمان من النوم والطعام ومحاولات تجنيد للعمل لحساب الاحتلال.

فى فلسطين الجميع يدفع ثمن الصمود ومواجهة الاحتلال لتحرير الأرض، لا فرق بين اطفال ونساء ومعاقين ومرضى ومقاومين اشداء، فبين الاسرى فى سجون الاحتلال ١٣ فتاة، و١٥٠٠ معتقل مريض بينهم معاقون بلا رعاية، تقول الإحصائيات التقريبية أن الشعب الفلسطينى تعرض لـ ٨٥٠ ألف حالة اعتقال منذ بداية الاحتلال فى ١٩٤٨، وبلغ عدد المعتقلين قبل اتفاقية أوسلو « تحديد» المبادئ التى أنشئت بمقتضاها السلطة الفلسطينية قرابة ٩ آلاف اسير أفرج عن عدد منهم بعد أوسلو وفى اتفاق غزة أريحا برعاية مصر عام ١٩٩٤ أفرج الاحتلال عن ٤٤٥٠ اسيرا منهم ٥٥٠ أفرج عنهم شريطة استكمال العقوبة فى سجن أريحا تحت تصرف السلطة الفلسطينية.

 خارج القضبان هناك من الأبناء والزوجات من يدفع ثمن غياب الأب والزوج والأبناء، « أننى فى انتظارك» تقول خالدة حمدان ابنة الـ ٣٥ عاما « هذا الوعد أحرص على تأكيده لزوجى محمد مصلح الذى اعتقله الاحتلال منذ ١٦ عاما، ما زلنا عروسين لم يمض على زفافنا ١٢ شهرا عندما اعتقل الاحتلال زوجى لانضمامه للمقاومة الفلسطينية، وحكموا عليه بالسجن مدى الحياة، لكنى سأظل انتظره مدى الحياة فقد ضحى من أجل الوطن، الاحتلال يحاول قهرنا ويمنعنى من زيارته بلا أسباب وعند السؤال يقال لأسباب أمنية، لكنى سأواصل محاولات الزيارة لأقول له أنى انتظرك».
ليست خالدة وحدها التى تضحى بريعان شبابها، تنتظر لسنوات على أمل لقاء قد لا يأتى فهناك الكثير من الفتيات اللاتى يكتب الاحتلال قصص مأسيهن، فى انتظار زوج أو خطيب غيبه الأسر، فيروز ٢٨ عاما إحداهن، اعتقل الاحتلال أبن عمها طارق ٣١ عاما، لم تفاجأ بعد الخطوبه باعتقال حبيبها، بل اعتقل عام ٢٠٠٥ قبل ان ترتبط به وبعد ٥ سنوات من اسره والحكم عليه بالسجن المؤبد أصرت فيروز أن تحقق حلمهما بالارتباط، تم خطبتهما ووكل طارق القابع خلف قضبان الاحتلال والده عبر الصليب الأحمر لعقد قرانه على ابنة عمه الجميلة فيروز. . تقول علا شقيقة فيروز: حاولت الأسرة إثناءها عن ذلك القرار خشية على مستقبلها خاصة أن طارق محكوم عليه بالمؤبد لكنها أصرت على عقد القران وانتظاره، مر عليه بالسجن ٨ سنوات لم تره فيها سوى ثلاث مرات وهى الآن ما زالت فى انتظاره زوجة عذراء، ومع وفاة والدى خشينا عليها من الزمن وحاولنا إقناعها بالانفصال بذات طريقة الزواج، فقد يسرقها العمر ولا يخرج طارق وتظل بلا زوج ولا ابناء، وفى النهاية الأسير عندما يخرج مهما كانت سنه يتزوج من فتيات صغيرات ويجد آلاف الأسر التى ترحب به، وقد تتحول الزوجة التى انتظرت سنوات إلى زوجة ثانية ولا تستطيع ان تشكو، وأخيراً أنفصلت بالأمس بتوكيل لأبيه عبر الصليب الأحمر لكنها تغلق غرفتها على نفسها وتبكيه.

داخل السجون تتعرض الأسيرات الى التفتيش العارى الذى تجبر فيه الأسيرة على خلع ملابسها قطعة قطعة امام مجندات صهيونيات حتى تقفن عاريات كما ولدتهن أمهاتهن، لتمرر أجهزة التفتيش على اجزاء الجسد بشكل استفزازى ومهين ويتكرر ذلك كلما نقلت الأسيرة من والى المحكمة ام من سجن لآخر» تقول احدى الأسيرات المحررات مضيفة «أخطر ما فى التفتيش العارى الذى تعرضت له وغيرى من الأسيرات هو ان الاحتلال قد يضع كاميرات خفية فى الغرفة لتصويرنا ونشر فيديوهات على الإنترنت لكسر إرادتنا والحط من كرامة عائلاتنا وهم يعلمون اثر ذلك عند العرب والمسلمين وسبق ان صور جنود بكاميرا الهاتف المحمول زميلة لى ونشروا الصور على شبكة الإنترنت ثم قال الاحتلال هذا تصرف فردى.

وفاء أبو غلمى زوجة الأسير عاهد ابو غلمى تؤكد رواية التفتيش العارى قائلة: «نعم الاحتلال يحاول إذلال الأسيرات والأسرى، بالتفتيش العارى وليس الأسيرات فقط بل يمارس ذلك النوع من التفتيش مع بعض اسر الاسرى الراغبين فى الزيارة لإذلالهم والضغط على الاسير نفسيا لكى يطلب من زوجته أو امه أو أخته عدم المجىء للزيارة حفاظا عليها من عيون المتلصصين وكاميرات المحتل» وتضيف وفاء «ليس هذا فقط الانتهاكات بل هناك المنع الأمنى فزوجى اعتقل عام ٢٠٠٦ وصدر ضده حكم بالسجن المؤبد بتهمة محاولة اغتيال وزير إسرائيلى، ويتم منعى من زيارته بزعم الأسباب الأمنية وتم تحديد إقامتى لمدة عامين ومنعى من مغادرة رام الله، وتقدم عضو عربى بالكنيست الإسرائيلى باستجواب لوزير الداخلية بسبب تحديد إقامتى، ابنى عمره ٦ سنوات ولم ير والده، وبعد عامين منحونى تصريح زيارة ثم إلغى وتظل الأسر من التاسعة صباحا حتى المساء فى البرد والحر حتى يتمكنوا من مشاهدت أبنائهم لعشر دقائق أو ١٥ دقيقة فقط فأين منظمات حقوق الإنسان الدولية من تلك الجرائم التى ترتكب بحق الشعب الفلسطينى؟».

يضيف يوسف 30 عام أحد شباب المقاومة: الجريمة الأكبر هى «مقابر الأرقام» حيث يسجن الاحتلال جثامين الأسرى بعد وفاتهم مانحاً كل جثمان رقم كودى حتى لا تستطيع المقاومة تحديد مكانه وتحرير رفاته وتتضاعف معاناة الأسر من أجل الحصول على جثة الأسير ليستقر فى مقابر اسرته معلوم المكان لزيارته في قبره .

فى مواجهة قمع الاحتلال يقاوم الاسرى بامعائهم الخاوية بالاضرابات المتكررة عن الطعام والتى صمد فيها الأسرى ٤٠ يوما محققين بذلك أطول إضراب عن الطعام صمود الأمعاء الخاوية يكسر صلف الاحتلال ويصفع ضمير العالم الغافل. صراع الإرادات خلف أسوار الاحتلال هناك صراع الإرادات، ينظم الاسرى انفسهم ويتولى الحاصلون على مؤهلات تعليم الآخرين، فقد دخلت السجن أمى لا اقرأ ولا اكتب ورغم تضييق الاحتلال ومنع دخول الأوراق والأقلام والكتب، ناضلنا لإدخالها عبر الصليب الأحمر تعلمت خلال ١٠ سنوات داخل السجن وأكملت بعد خروجى وإنا الآن حاصل على دكتوارة «أنه الدكتور فهد أبوالحاج نموذج لانتصار الإرادة الفلسطينية على زنازين وسجون المحتل.

حتى على فراش الموت لم تفقد أم الأسير الأمل ولم يقهر إرادتها اقتراب النهاية فكتبت لابنها تقول «جاهدت حتى آخر الأنفاس يا ولدى.. مازالت أزعم أننى سأراك يوما ما يئست يا فلذة الكبد...عشرون عاما تنقضى وأنا هنا أرنو لباب الدار يفتح فى الغد...إنى أصارع كى أراك فهل تجود بعودة ميمونة فى الموعد.. ظلت خطاك ترن فى أذنى هنا وأنا أحذرك جمرة فى الموقدى.. لا تبتئس فالحلم حلم صادق والسجن وهم زائل بعد الغد.. حتى وإن عادت خطاك إلى هنا ووجدتنى غادرت عبر المسجد.. سترفرف الروح المحبة فى العلا ويزول وهم الظالم المتبدد».