الأحد 22 سبتمبر 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أيمن عبد المجيد

التحليل النفسى لقيادات الإخوان المسلمين .. محمد بديع 2 الحلقة 20 ـ المزدوج




كتب: د/ على الشامى
يقول الكاتب والفيلسوف اليونانى نيكوس كازانتاكيس: «ما أن نولد حتى تبدأ محاولاتنا فى أن نخلق ونبتكر أى أن نجعل للمادة حياة»، أى نولد فى كل لحظة، لذا جاهر البعض ولا أبالغ إن قلت إن هدف الكثيرين فى هذه الحياة هو الخلود، فى الأجسام الحية الفانية يتصارع هذان التياران، الصاعد نحو التركيب، نحو الحياة، نحو الخلود، الهابط نحو التحلل، نحو المادة، ويقول «نيكوس» أيضا فى وصف هذين التيارين: «هذان التياران كلاهما مقدس»، إلى هنا انتهى كلام كازانتاكيس، ويقول الطبيب النفسى والمفكر النمساوى الشهير سيجموند فرويد: «إن الإنسان يحمل داخله – أى فى النفس اللاواعية – رغبتين إحداهما هى رغبة البناء، ودعاها «الإيروس»، والأخرى رغبة الهدم وسماها «الثانتوس»، وفى بدء مشروعه العلمى أكد سيجموند فرويد على أن الإنسان تحركه الدوافع طبقا لغرائزه الجنسية فقط، تعرض بعدها لانتقادات شديدة ورفض أشد فى الأوساط العلمية والطبية أجبرته على تعديل آرائه فى نهاية حياته إلى مفهوم أقل حدة، وهو أن الجنس هنا المقصود به كل صور البناء والحياة، وأن العدوان والتدمير المقصود به كل الصور السلبية والهدم والرذائل حتى المعنوية منها، بل وخصوصا المعنوية منها والتى يمكن أن تندرج تحت هذا اللواء.

وفى الفترة الأخيرة ابتليت بلادنا ليس فقط بطوفان من النوع الثانى الهدمى والتدميرى بل بتمكن هذا الطوفان لفترة من مقدرات البلاد ومفاصلها، أما الطوفان فهو جماعة إرهابية هى الإخوان، أما الابتلاء فهو مشروعها المقصود به التمكين لها فى جميع أرجاء الدولة المصرية فيما عرف اعلاميا بمشروع «الأخونة»، وقام على هذا المشروع الخطير الغريب عن مصر مجموعة من الشخصيات أغرقت البلاد فى فوضى لا مثيل لها، حتى لفظت مصر شعبيا هذا الكيان الإرهابى الغريب النبت، نهدف هنا بالأساس لمحاولة فهم ما يدور فى نفوسهم، وبعض الديناميات لهذه الشخصيات التى تقود الجماعة الإرهابية، ما التكوين النفسى لهذه الشخصيات؟ هل هى شخصيات سوية أم بها خلل ما؟ سنحاول جاهدين بلا إفراط ولا تفريط أن نوغل برفق فى تحليل نفسى بسيط لهذه الشخصيات التى ظلت طوال عام كامل من حكم الإخوان تطل على الساحة تحت الأضواء حتى أفول نجم الجماعة، فضلا عن سيطرتها على مقاليد الأمور بالدولة بعد ثورة 30 يونيو.
سبق أن تحدثنا فى الحلقة السابقة عن بعض ملامح شخصية محمد بديع المرشد العام الثامن لجماعة الإخوان المحظورة وعن تفاصيل نفسية تحكم السلوك العام له كإخوانى والخاص له بشكل شخص، لك أن تتخيله فى هذا الموقع العجيب ابن يرتدى قناع الأب أو شخص يمارس دور الأبوة ودور البنوة فى نفس الوقت، يحضرنى مشاهد من رواية / فيلم «القاهرة 30» - «فضيحة فى القاهرة» كما حمل غلاف إحدى طبعات الرواية العديدة للروائى العظيم نجيب محفوظ - يظهر فيه محجوب عبد الدايم الشاب المتطلع بلا أخلاقيات أمام سكرتير الوزير وفيه يعامل السكرتير بصلف ويتعامل بعدها بمنتهى التزلف والنفاق للوزير، الدور المزدوج الذى يمارسه بديع هنا خطير جدا فهو مؤشر مهم على الشخصية السيكوباتية والتى عرضنا لها فى الحلقة السابقة وفى حلقات أخرى متناولين ملامحها الأساسية والتى يتصف بها أعضاء الجماعة بلا استثناء، الملمح السيكوباتى هنا مؤسس للشخصية المزدوجة فلا توجد شخصية سوية أو أقرب إلى السواء تميل بأى شكل من الأشكال إلى ذلك الشكل من السلوك أو أن تمارس هذا الدور المعقد، أعنى الابن فى الخفاء و الأب العلنى.
نقطة أخرى خطيرة بل لنقل شديدة الخطورة فى ملامح شخصية بديع فكما أسلفنا فكرة الصراع الأوديبى وحدوثه على عدة مستويات أو قيام بديع – على المستوى النفسى بعدة أدوار – هناك أيضا أمر سبق ذكره عند الحديث عن الشاطر فى الحلقة الأولى من هذه السلسلة وهى «رهاب المثلية» وهو أمر يحدث على المستوى النفسى بالطبع كما نؤكد دوما وأشرنا إليه عند حديثنا عن المخلوع مرسى، ولكن يبقى تفرد وضع بديع هنا، فى حالة الشاطر كان هو الطرف الأقوى وفقط وفى حالة مرسى كان هو الطرف الأضعف وفقط، أما فى حالة بديع هو يمارس الدورين تقريبا على قدم المساواة فهو يكاد ينسحق بين الأمرين أو بين التجربتين وهو أمر مجهد على المستوى النفسى جدا وأعود لتفصيل ما أجملناه، فرهاب المثليه هنا هو خشية طرفين متناحرين كلاهما للآخر تنتهى بتخلص أحدهما من الآخر، هنا أمر ملفت جدا فالانتخابات التى أتت ببديع مرشدا عاما هى أول انتخابات فى تاريخ مكتب الارشاد، أكاد أقول إن إصرار الشاطر على الانتخاب لتصعيد بديع والإطاحة بالمرشد السابق محمد عاكف – وهو اللقب الذى لم يحصل عليه مرشد آخر فى حياته ربما إلا بديع نفسه - إن اعتبرنا محمود عزت هو المرشد الحالى – أكاد أقول: إن هذا التصعيد يكاد يكون بمثابة حرق لبديع، وللتفسير أقول عندما تريد أن ترمى بشىء من فوق جبل لابد فى البداية أن تصعد به لأعلى قمة فى الجبل ثم تلقيه، وفى الواقع السياسى إذا أردت حرق أحدهم – سياسيا – وهو شخص محبوب فوله منصب تنفيذى، فالاحتكاك بالناس تنزل به من علياء المحبة إلى سفح الواقع ليتخلص من رداء الإلوهية ويصير بشرا يسهل حرقه سياسيا، وكأن المطلوب على مستوى اللاوعى على الأقل أن تحرق هذه الورقة تجد هذه الانتخابات المخالفة للأعراف العامة لتولى المنصب - المرشد العام - وعلى الرغم من تذمر التنظيم الدولى وعدم موافقتهم نهائيا على الاسم – بديع – لتولى هذا المنصب المهم وعلى الرغم من إحداث انشقاق لم يحدث من قبل فى تاريخ الجماعة، محمد حبيب وأبو الفتوح والعريان جميعهم تذمروا، حبيب وأبو الفتوح تخليا عن مكتب الإرشاد مكتفين بعضويتها فى الجماعة وأظهرا حالة من العداء تجاه القيادات الحالية، كل هذا لم يمنع الشاطر من تصعيد بديع بهذا الشكل الدرامى وكما فعل الشاطر - الطرف الأقوى - تجاه مرسى ودفعه لحرقه فى السياسة فعل بديع نفس الدور تجاه مرسى أيضا ! فبديع المرشد كان هو الحاكم الفعلى أو لنقل الحاكم الإعلامى أو الرمزى بحكم الموقع، فكان لابد من حرق مرسى سياسيا لاشعوريا على الرغم من أن عملية الحرق السياسى والإعلامى بطبيعة الحال لا تؤدى إلى انهيار مرسى فحسب ولكن تجر خلفها الجماعة سياسيا واجتماعيا وتخاطر بالتنظيم ككل إلا أن ذلك لم يمنع بديع أبدا، وهنا يتسق ملمح آخر تحدثنا عنه فى الحلقة السابقة وهو عقدة الخصاء / الأذى النفسى وهى هنا تنسحب على مكتب الإرشاد كرمز لجماعة الإخوان المسلمين، فالإخوان - الممثل للابن - وبعد أن كادوا أن يسقطوا الأب - الشكل القديم للدولة أو لنقل «الدولة العميقة» - أو للفوز بالأم – مصر- حدث ما كنا نتحدث عنه وهى حالة الخوف من الخصاء/ الأذى النفسى فلم يستطع الإبن الاكمال وأعاد تسليم البلاد للدولة العميقة، وأنا هنا لا أتحدث عن ارتباط الدولة العميقة بنظام ما أو بأشخاص محددين ولا أتحدث عن الإخوان وعلاقتهم بالنظام القديم مدحا أو قدحا فقط، نحن نقوم بتفسير الأمور على أسس نفسية بحتة وليس تأييدا لطرف على حساب آخر.
إذن فبعد أن جبن الإخوان وطاردتهم عقدة الخصاء/ الأذى النفسى وتراجعوا عن حل «عقدة أوديب» أصبحوا من جديد فى أتون الصراع الأوديبى المؤدى إلى القلق العصبى، ولتخفيفه – القلق العصابى – لابد من إثارة حيل دفاعية نفسية تنعكس على الشارع نراها يوميا على شاشات التلفزيون و ربما يراها البعض رؤيا العين فى تجمعاتهم الضئيلة الهزيلة مابين حين وآخر.
بديع إذن هذه الشخصية المعقدة الأب والابن فى نفس الوقت الطرف الأقوى والأضعف فى علاقة رهاب المثلية، فى ذات اللحظة هذه الشخصية الثرية المعقدة والتى نختم بالخضم الذى ألقيت فيه مع شخصيات أخرى فى حرب تكسير عظام مع طرف أقوى كالشاطر أو أضعف كمرسى مع أب كسيد قطب أو أبناء كأفراد جماعته مع أب آخر كالجيش و الدولة العميقة بل والنظام المباركى نفسه ومنفسون كالعريان وأبو الفتوح وحبيب وعاكف وأعضاء التنظيم الدولى ومؤيدون كالشاطر وغيره وهكذا تجد هناك حالة غريبة من الصراع، الكل يتصارع فى حرب تكسير العظام، أطلق عليها فرويد صراع الجميع ضد الجميع، فيا ترى أيهم أسبق استبصار جماعة ضالة بمرضها أم انتهاء حرب تكسير العظام وصراع الجميع ضد الجميع بنهاية أخالها حتمية ؟