السبت 20 أبريل 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أيمن عبد المجيد

كل سنة وأنت طيب يا عم «نجيب»




اليوم يشعل أديبنا الكبير نجيب محفوظ 102 شمعة من عمره رغم رحيله قبل 7 سنوات إلا أن أسمه مازال يحتل صدارة المشهد الأدبى فى مصر والعالم العربى فلا تذكر الرواية إلا ويذكر أسم نجيب محفوظ، ولا يأتى موعد الإعلان عن أسم الفائز بجائزة نوبل إلا ونتذكر معه صاحب  «الثلاثية» وهو العربى الوحيد الذى حصل على نوبل فى الآداب وهو نفس اليوم الذى اختارته الجامعة الأمريكية فى القاهرة ليكون يوم الإعلان عن اسم الفائز بالجائزة التى تقدمها وتحمل اسمه، ونحن أيضا فى «روزاليوسف» نحتفل بذكرى ميلاد أديبنا الكبير الحاضر معنا دائما ونقول له: كل سنة وأنت طيب يا عم نجيب
 
استخدمها ولم يسمح لها باستخدامه
 
نجيب محفوظ: الصحافة عدو الأديب
 
على عكس معظم الأدباء احتفظ الراحل نجيب محفوظ منذ بداياته بمسافة واضحة بينه وبين الصحافة، ولم يغامر أبدا بالعمل فى مهنة المتاعب، ربما لأنه لم يشأ أن يكرر خطأ والده ويفرط فى الوظيفة «الميري» مهما كانت المغريات، فقد كان والده موظفاً بسيطاً باحدى الجهات الحكومية، ثم قرر أن يستقيل ويعمل فى مجال التجارة الحرة لييسر ظروفا أفضل لتربية أولاده الخمسة ومنهم نجيب الذى كان يدرس حينذاك فى كتاب الشيخ بحيري، بالقرب من درب قرمز، وعندما بلغ سن الالتحاق بالمدرسة أصر والده على تعليمه، فترك حارة الكبابجى وكتاب سيدنا ليدخل مدرسة بين القصرين الابتدائية، وبعدها خرج الصبى واسرته من منطقة الجمالية كلها إلى العباسية الراقى فى العشرينات، وحصل هناك على شهادة البكالوريا من مدرسة فؤاد الأول الثانوية، ثم التحق بجامعة القاهرة (كان اسمها فؤاد الأول أيضا، وحصل على ليسانس الآداب قسم الفلسفة عام 1934، وبعد تخرجه لم يفكر نجيب فى العمل بالصحافة، على الرغم من أنه كان قد نشر بعض المقالات وهو لايزال طالبا فى الثانوية العامة، كما حرص على نشر عدد من الأبحاث الفلسفية أثناء دراسته الجامعية، وبعد تخرجه بشهور قليلة نشر أول قصة قصيرة كتبها فى حياته بعنوان «ثمن الضعف» بالمجلة الجديدة الأسبوعية التى صدرت فى 3 أغسطس 1934.
وبعد نشر هذه القصة تردد محفوظ لفترة قصيرة بين اختيار الأدب أو الدراسة الأكاديمية للفلسفة حيث كان قد تقدم للدراسات العليا بغية الحصول على الماجستير، لكن الصحافة لم تكن مطروحة فى ذهنه كمهنة احترافية، وبعد فترة اتخذ محفوظ مساره الخاص الذى تميز به بين الأدباء إذ قسم حياته بين البحث عن وظيفة حكومية ثابتة، والاستمرار فى كتابة الأدب بشكل متوازى وكأنه شخصين لاعلاقة بينهما، وهكذا ودع محفوظ الطموح الأكاديمي، وحاصر الفلسفة وجعهلها تطل فقط من خلال أعماله الأدبية، ثم نجح عام 1936 فى استلام أو وظيفة من الوظائف الرسمية التى عمل بها طوال عمره، وهى وظيفة سكرتير برلمانى بوزارة الأوقاف من 1938 حتى 1945، ثم انتقل للعمل بمكتبة الغورى بالأزهر، ثم نقل للعمل مديراً لمؤسسة القرض الحسن بوزارة الأوقاف حتى عام 1954 ومن ثم تدرج فى مناصبه فعمل مديراً لمكتب وزير الإرشاد، ثم مديراً للرقابة على المصنفات الفنية فى عهد وزير الثقافة ثروت عكاشة، وفى عام 1960 عمل مديراً عاماً لمؤسسة دعم السينما، بعدها عمل مستشاراً للمؤسسة العامة للسينما والإذاعة والتليفزيون عام 1962، ثم عين رئيساً لمجلس إدارة المؤسسة العامة للسينما فى أكتوبر 1966، ولم تبدأ علاقة محفوظ المنتظمة بالصحافة إلا بعد أن أحيل إلى التقاعد فى عام 1971 وانضم إلى مؤسسة الأهرام وعمل بها كاتباً،
لكن علاقته بصحيفة الأهرام كانت قد بدأت قبل ذلك بسنوات، وتحديدا فى عام 1959 عندما نشر رئيس تحريرها محمد حسنين هيكل رواية «أولاد حارتنا» على حلقات اثارت ضجة لم تهدأ.
الغريب أن محفوظ الذى تجنب العمل فى الصحافة، وركز على التعامل معها من خلال حواراته مع الصحفيين والإدلاء بما يريد من تصريحات سريعة أو انطباعات فى ندوته الاسبوعية أو جلسات مطولة كالتى نشرها جمال الغيطانى ورجاء النقاش فى كتب مستقلة، هو نفسه الذى قبل العمل فى السينما منذ عام 1952متدربا على كتابة السيناريو مع المخرج الراحل صلاح أبوسيف، وقدم عددا من السيناريوهات المكتوبة خصيصا للسينما وغير المأخوذة من رواياته، منها «لك يوم ياظالم» و«ريا وسكينة» «درب المهابيل»، وغيرها، ثم توقف عن كتابة السيناريوهات بعد أن التفت السينمائيون لتحويل أعماله إلى أفلام.
ويبدو أن صاحب نوبل أدرك بنظرته العملية للأمور أن الصحافة تهدر كثيرا من طاقة التعبير عند الأديب، فلم يشأ أن يشتت أفكاره أو يستنزف قدراته ومخزونه من الحكايات والشخصيات فى الكتابة للصحف، وقال : إن هيكل لو لم يكن أعطى جل جهده للصحافة، لأصبح أديبا عظيما ذا شأن».. وهكذا حدد محفوظ علاقته بالصحافة باعتبارها عدو من اعداء الأديب.