الخميس 25 أبريل 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أيمن عبد المجيد

المتاحف المصرية.. «فتارين.. بلا زائرين»




تحقيق - دنيا نصر وهاجر كمال

تنفرد مصر بين دول العالم بموقع مميز، يربط بين آسيا وأفريقيا، ويتصل بأوروبا عبر البحر المتوسط، هذا الموقع أدى إلى قيام حضارة عرفت بأنها الأقدم فى تاريخ الحضارات البشرية، هى الحضارة الفرعونية، التى تركت لنا ثروة هائلة من الآثار التاريخية.. وبالمثل ومع تقدم السنوات قامت على هذه البقعة حضارات قبطية وإسلامية، جميعها تركت لنا آثارا تخلد ذكراها.. فأصبحت هذه البقعة من الأرض صفحة يسطر عليها التاريخ نفسه، ما ادى فى النهاية إلى وجود ثروة لا تقدر بثمن من الآثار، أصبحت تعرض فيما بعد داخل متاحف متخصصة سواء فرعونية أو إسلامية أو حتى فنية وعلمية.
فمتاحف مصر بقدر ما نحن فى حاجة إليها لدعم قطاع السياحة، إذ تشكل جزءا مهما من عوامل الجذب، فإنها أيضا بحاجة إلينا لنحميها من الإهمال والسلب والنهب الذى تعرضت له، حتى تظل سجلا مهما يحكى تاريخنا لسائر البشر ولأجيالنا من بعدنا، فلا يوجد أفضل من هذه المتاحف لتحكى تاريخ مصر وتنشر الوعى الثقافى والحضارى الخاص بنا، لكن يظل الإهمال العدو الأول حتى انصرف عنها الزائرون والسائحون، فصارت طللا كادت تنمحى معالمه، رغم القيمة الرمزية التى تتراوح بين خمسين قرشا وجنيهين فقط لتذكرة الدخول إليها لتحظى بجولة داخلها عبر مراحل الزمن، بل إن بعض هذه المتاحف حاليا بها أجزاء كبيرة آيلة للسقوط، وكسا الغبار ملامح آثارها، ودُمرت مقتنياتها، وصارت تحفظ داخل «أشولة» بطريقة سيئة، فيما سرق البعض الآخر ليعرف طريقه إلى الخارج.. فما مصير هذه المتاحف وآثارها.. وأين اختفى بعضها؟ ولماذا أهملت؟ وكيف سرقت؟ وأين الرقابة والأمن ولجان المتابعة؟ وأين الاجهزة الالكترونية التى تضمن عدم سرقتها؟ بحثنا عن إجابات هذه الأسئلة لدى القاطنين حراسها بهذه المتاحف، إذ تمثل مصدرا وحيدا لرزقهم.

أول هذه المتاحف الذى صار يتوارى خجلا من إهمال المسئولين له، خصوصا بعد قلة زائريه من المصريين والأجانب، المتحف الجيولوجى، الكائن بزهراء المعادى، الذى أنشئ عام 1901، والذى يعد أول متحف عربى، تجاوز عمره 100 عام، إذ تعود أهميته إلى أنه يحتل المركز الرابع على مستوى العالم عبر مقتنياته، والمركز الأول على مستوى الوطن العربى ومنطقة الشرق الأوسط؛ حيث يضم أكثر من 50 ألف قطعة من الحفريات والصخور والمعادن والأحجار الكريمة وشبه الكريمة، التى تقدر سنواتها بالملايين، ومجموعة من الكهرمان والاصداف المشغولة ومجموعات مهداة من الياقوت، علاوة على حفريات لحيوانات فقارية وثديية، بالإضافة الى صالات خاصة لعرض المعادن والصخور المعرضة للسرقة والضياع والتلف لعدم وجود كاميرات مراقبة بالمتحف أو أجهزة إنذار.. فبداخل المتحف أيضا، توجد أحجار وعينات جيولوجية للكوارتز والحديد والذهب وبقايا عظام حيوانات منقرضة.

ووفقا لتأكيد مدحت السعيد مدير المتحف: تاريخ مصر الجيولوجى فى خطر، فالمكان لا يليق وغير مناسب، فقد طالبنا مئات المرات على مدار 33عامًا رئاسة الوزراء ومحافظة القاهرة، بضرورة توفير مكان يليق بالمتحف ومقتنياته.. ولكن من دون جدوى، ويضيف: المخازن تحتوى على مئات القطع غير المعروضة لضيق المكان، كما أن صالة العرض مكدسة، مشيرا الى ان المتحف مفتوح جميع الايام عدا الجمعة والسبت.
فيما تقول سناء هاشم مديرة المكتبة بالمتحف: إن مكتبة المتحف تعد الوحيدة المتخصصة فى الحفريات على مستوى الشرق الأوسط، وهى مقسمة إلى مكتبة جيولوجية، وبها ما يقرب من 5000 مطبوعة، وتحتوى على أبحاث وكتب عن جيولوجيا مصر، والقسم الثانى مكتبة الدوريات العلمية، وتحتوى على 6000 مطبوعة، منها عدد من اقدم المجلات الجيولوجية العالمية، مشيرة الى ان هذه الكتب عرضة للتلف لعدم وجود مكان جيد لحفظها بعيدا عن الحشرات والاتربة وملامسة الايدى، وأضافت: المتحف بأكمله بحاجة إلى صيانة شاملة، لانه اصبح مهملا من الجميع.. وحتى من المسئولين عنه، فلا حياة لمن تنادى.

وغير بعيد عن المتحف الجيولوجى، يقبع متحف الشمع فى ضاحية حلوان.. وتحديدا فى عين حلوان، فهو أحد المتاحف القومية التابعة لقطاع الفنون التشكيلية بوزارة الثقافة، ويضم داخله مقتنيات نادرة، تروى مراحل تطور التاريخ المصرى وتبرز أهميته على المستويين العربى والعالمى، بداية من الفراعنة وصولا الى العصر الحديث، إضافة إلى ما يحتويه من تماثيل شمعية صنعت بدقة متناهية.. احتل بها المركز الثانى بين أشهر المتاحف الشمعية فى العالم.

يحكى هذا المتحف تاريخ مصر باعتباره متحفا تعليميا، يقبل عليه الآلاف من الطلاب والسائحين، حيث تسرد عشرات التماثيل تاريخ مصر العظيم، فيما يأتى رابعا على مستوى العالم بعد متاحف فرنسا وإنجلترا وأستراليا، نظرا لما يضمه من مقتنيات هائلة، فبداخله 116 تمثالا و26 منظرا تروى تاريخ مصر بدءًا من الاسرة الـ 18 الفرعونية حتى ثورة 23 يوليو، ليتم تطويره بعدها ليجسد المرحلة الثانية من تاريخ مصر الى وقتنا الحالى، فتماثيل المتحف المصنوعة من مادة الشمع تمنح الزائر شعورا أنه أمام أشخاص حقيقيين من لحم ودم، كما يضم المتحف بين جنباته عددا من القاعات لكل فترة زمنية تاريخية، ليتمكن الزائر من المرور من مشاهد عصر إلى عصر آخر عبر الغرف المتصلة ببعضها داخل كل قاعة، فى تسلسل تاريخى مترابط ومتصل بـ 26 مشهدا تخلد تاريخ مصر، فمن هذه المشاهد: مصرع كليوباترا، انتشال سيدنا موسى من النيل، ودخول الإسلام مصر، مروراً بأحداث تاريخية مثل: حادثة دنشواى، ومشاهد للويس التاسع عشر وأخرى للرئيس الراحل جمال عبد الناصر، وتأميم القناة، وغيرها من صور حياة المصريين فى شوارع الخيامية وخان الخليلى.

يمثل إغلاق هذا المتحف وإهماله تفريطا فى تاريخ مصر الذى لا يعرفه بعض من أبنائها، فمازالت تماثيله الشمعية تنتظر الزوار والسائحين لتدب فيها روح الحياة، ولتعود إلى سابق عهدها تحكى تاريخ هذا الوطن.

لم يقتصر الإهمال على هذين المتحفين فقط، إذ لحق ايضا بمتحف التعليم، الكائن بمنطقة قصر العينى والقريب من من وزارة التربية والتعليم، حارس الأمن بوزارة التربية والتعليم حدثنا عن المتحف قائلا: المتحف يشمل العديد من المقتنيات النادرة التى تعبر عن جميع مراحل وعقود التعليم فى مصر، حيث يضم الكثير من الوثائق التعليمية والسجلات المدرسية والمناهج والخطط الدراسية والإحصاءات التفصيلية عن مراحل التعليم فى مصر، الى جانب الموضوعات العلمية والإطار العلمى لفلسفة متحف التعليم وأبعاده التاريخية، فهو يتتبع تطور التعليم فى مصر منذ العهد الفرعونى حتى الآن.

ويتكون المتحف التعليمى من عدد من الاقسام، منها: قسم التعليم عند القدماء المصريين، التعليم عند العرب، التعليم العام وتعليم الفتاة، قسم التعليم الفنى، قسم الخط العربى وقسم التربية الخاصة وغيرها من الأقسام والتماثيل التى تعبر عن مراحل التعليم المختلفة. لكن.. كان الإهمال له بالمرصاد، فالتراب يكسو اللافتة الخاصة به وتكاد تكون ملامحها مختفية، إضافة إلى طبقات الأتربة والحشرات التى تغطى تماثيله، بجانب الصدا الذى هاجم أبوابه بضراوة، رغم أن وجود مثل هذا المتحف، يعد غحدى المفاخر التى يجب أن يفخر بوجودها المسئولون عن التعليم فى مصر، وكذلك زائروه من طلاب المدارس، فمقتنياته لا مثيل لها، غير أن عملية التأمين فيه لا تتعدى التأمين الجزئى.

أما على الضفة الأخرى من نهر النيل، بمحافظة الجيزة، فنجد متحف أحمد شوقى الذى مازال يحافظ على رونقه حتى الان، الذى أقيم تكريما لأمير الشعراء أحمد شوقى، بداخل حديقة المتحف يقف شامخا تمثال كبير للشاعر من البرونز، نحته الفنان المصرى جمال السجينى، وبداخله: يوجد البدروم الخاص بمركز نقد وإبداع، الذى تعقد فيه أمسيات ثقافية وفنية ومعارض، أما الدور الارضى، فيتضمن القاعة الشرقية التى بها مكتبة للاطلاع مفتوحة للجمهور، وغرفتان للادارة وجناح الضيافة الذى أقامه بها الموسيقار الراحل محمد عبد الوهاب، وفى الدور الاول توجد قاعة استقبال وحجرة نوم للشاعر أحمد شوقى وزوجته والصالون الخاص للاصدقاء المقربين له، وحمام خاص وحجرات خاصة بالاولاد وغرفة للاوسمة والنياشين ومكتبه الخاص به، إضافة الى غرفة تحوى 332 كتابا ومسودات مخطوطات لشعره بخط يده، أيضا توجد أعمال منسوبة لمحمد عبد الوهاب كتبها شوقى وقدمها إلى دنيا، كما توجد مكتبة سمعية عالية التقنية فى المتحف، تحوى تسجيلات لأداء غنائى لعبد الوهاب بحضور أحمد شوقي، كما يوجد بغرفة اخرى بالطابق العلوى أكثر من 750 مخطوطة ومسودة لاعمال الشاعر ومجموعة من اللوحات الزيتية والتحف والصور التى تتعلق بحياة أمير الشعراء فيما تحوى غرفة أخرى عددًا من الجوائز والأوسمة وشهادات التقدير والهدايا التى حصل عليها الشاعر الراحل، الذى مازال يزوره الكثير من المصريين والسياح، لانه رمز للفن والادب المصرى، ولأنه يحتفظ ببريقه كمتحف به الادب والفن المصرى الاصيل، ومع ذلك فهو بحاجة الى اعادة ترميم لبعض تماثيله.

وبالانتقال إلى قلب العاصمة القاهرة، سنجد متحف السكة الحديد، الذى أصبح مزارًا سياحيًا وحضاريًا، الذى أنشئ عام 1933 فى عهد الملك فؤاد، حيث يقع داخل محطة مصر بمنطقة رمسيس ويحتفظ بداخله بسجل وافر من المجسمات والآثار التى تمثل ذاكرة الشعب وتاريخ الامة على امتداد مائة وخمسين عاما، فهو يمثل المخزون التاريخى لهيئة سكك حديد مصر، ويحتوى المتحف على عدد كبير من الوثائق والخرائط والمعلومات الاحصائية، التى تظهر التطور فى وسائل النقل والسكة الحديد، ويحتوى أيضا على معلومات تقنية وأبحاث تاريخية، ويضم صورا نادرة لرجال يقفون على شريط القطار ويقومون بتوجيه حركة القطارات باستخدام الايدى والأعلام، كما يحتفظ المتحف أيضا بنموذج أول قاطرة دخلت مصر عام 1855، ومركب فرعونى لمنكرع، وقطار الخديو سعيد، وبعض معروضات النقل والمواصلات فى عهد الفراعنة.

ويعرض المتحف نموذجا للقطار الذى كان يستخدمه الخديو اسماعيل، الذى يتكون من أربع عربات فقط، وبه أيضا لوحات ونماذج مجسمة لست محطات هى القاهرة وسيدى جابر وبورسعيد وطنطا وأسيوط وادفو، إضافة الى نموذج لمبنى المجمع الخاص بفروع السكة الحديد بمصر، كما يوجد به ايضا قسم خاص بالجسور، ويعتبر نموذج جسر السكة الحديد القديم المتحرك أهم نموذج، لأنه أقدم جسر تم إنشاؤه فى سكة حديد مصر عام 1854، حيث يزوره العديد من السياح والمصريين للتعرف على وسائل النقل والمواصلات قديما منذ عصر الفراعنة.. فمصر تمتاز بشبكة السكة الحديد، التى مركزها بداخل محطة مصر، والتى تشهد اقبالًا كبيرًا من المسافرين المصريين والأجانب.

وتنهتى جولتنا مع أهم متاحف مصر التاريخية بمتحف بيت الامة، الذى يعتبر تجسيدا لروح الوحدة الوطنية بين المسلمين والمسيحيين فى مصر، لما يستحضره فى أذهان زواره من مشهد خروج الثوار، رافعين أعلاما تحتضن رمزى الهلال مع الصليب ضد الاستعمار البريطانى، والذى سمى بهذا الاسم لانه كان مسكن زعيم الامة سعد زغلول، الذى شيده على الطراز الفرنسى فى حى هادئ بمنطقة سعد زغلول فى القاهرة، الذى كانت تقطنه الطبقة الارستقراطية التركية، لكنه أصبح يشهد غياب الكوادر البشرية المدربة على تأمين محتويات المتحف، رغم وجود شركة للأمن، حيث يسهل اكتشاف وجود خلل فى عملية التأمين بالمتحف، الذى طاله الإهمال أيضا من قبل المسئولين، فهجره الزائرون، ورغم أن المنطقة تشهد حركة كيفة للمواطنين، فإن القليل منهم يعرفه، ومن يعرفه لا يبالى به، رغم انه رمز لأهم مرحلة وطنية فى تاريخ مصر الحديث أيام ثورة 1919 التى كانت تعبر عن اتحاد جميع المصريين، فمن الأحق بزيارة هذه المتاحف.. ومن الأولى بالعناية بها وحمايتها وتأمينها؟ لو أنها كانت تخص شعوبا وحكومات أخرى.. لما شهدت هذا الإهمال.. ولما عرفت الهجر يوما.