الخميس 28 مارس 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
احمد باشا

التحليل النفسى لقيادات جماعة الإخوان المسلمين ـ أبو الفتوح 2 ـ الحلقة 22 ـ المتلون




كتب: د/ على الشامى

يقول الكاتب والفيلسوف اليونانى نيكوس كازانتاكيس: «ما أن نولد حتى تبدأ محاولاتنا فى أن نخلق ونبتكر أى أن نجعل للمادة حياة»، أى نولد فى كل لحظة، لذا جاهر البعض ولا أبالغ إن قلت إن هدف الكثيرين فى هذه الحياة هو الخلود، فى الأجسام الحية الفانية يتصارع هذان التياران، الصاعد نحو التركيب، نحو الحياة، نحو الخلود، الهابط نحو التحلل، نحو المادة، ويقول «نيكوس» أيضا فى وصف هذين التيارين: «هذان التياران كلاهما مقدس»، إلى هنا انتهى كلام كازانتاكيس، ويقول الطبيب النفسى والمفكر النمساوى الشهير سيجموند فرويد: «إن الإنسان يحمل داخله – أى فى النفس اللاواعية – رغبتين إحداهما هى رغبة البناء، ودعاها «الإيروس»، والأخرى رغبة الهدم وسماها «الثانتوس»، وفى بدء مشروعه العلمى أكد سيجموند فرويد على أن الإنسان تحركه الدوافع طبقا لغرائزه الجنسية فقط، تعرض بعدها لانتقادات شديدة ورفض أشد فى الأوساط العلمية والطبية أجبرته على تعديل آرائه فى نهاية حياته إلى مفهوم أقل حدة، وهو أن الجنس هنا المقصود به كل صور البناء والحياة، وأن العدوان والتدمير المقصود به كل الصور السلبية والهدم والرذائل حتى المعنوية منها، بل وخصوصا المعنوية منها والتى يمكن أن تندرج تحت هذا اللواء.

وفى الفترة الأخيرة ابتليت بلادنا ليس فقط بطوفان من النوع الثانى الهدمى والتدميرى، بل وبتمكن هذا الطوفان لفترة من مقدرات البلاد ومفاصلها، هذا الطوفان هو جماعة الإخوان الإرهابية، أما الابتلاء فهو مشروعها المقصود به التمكين لها فى جميع أرجاء الدولة المصرية، فيما عرف إعلاميا بمشروع «الأخونة»، وقامت على هذا المشروع الخطير الغريب عن مصر مجموعة من الشخصيات أغرقت البلاد فى فوضى لا مثيل لها، حتى لفظت مصر شعبيا هذا الكيان الإرهابى الغريب النبت، ونحن نهدف هنا بالأساس لمحاولة فهم ما يدور فى نفوسهم، وبعض الديناميكيات لهذه الشخصيات التى تقود الجماعة الإرهابية، نتساءل: ما التكوين النفسى لهذه الشخصيات؟ هل هى شخصيات سوية أم بها خلل ما؟ سنحاول جاهدين بلا إفراط و لا تفريط  أن نوغل برفق فى تحليل نفسى بسيط لهذه الشخصيات، والتى ظلت طوال عام كامل من حكم الإخوان تطل على الساحة تحت الأضواء حتى أفول نجم الجماعة، فضلا عن سيطرتها على مقاليد الأمور بالدولة بعد ثورة 30 يونيو.

كنا قد تحدثنا فى الحلقة السابقة عن ملامح شخصية عبد المنعم أبو الفتوح من الناحية النفسية ونستكمل الحديث فى هذه الحلقة على الملامح النفسية الأخرى التى تتصف بها شخصيته وتحدثنا عن فكرة الأب وعن علاقة عبد المنعم أبو الفتوح النفسية بالانكسار الحادث إبان العهد الناصرى،  أعنى طبعا علاقته بالأمر من الناحية النفسية ومفهوم الأب والابن طبقا لعقدة أوديب، وهنا نعيد كلاما كنا قد ذكرناه سابقا للتذكرة ولتماسه الشديد مع موضوع حديثنا هذه الحلقة وهو أن الصراع النفسى بين الأنا العليا وتمثلها مجموعة القيم والمبادئ والقوانين الصارمة ويمكنك تسميتها بالسلطة الأبوية والهو وتعنى الغرائز البدائية ينتج عنه ما يسمى بالقلق العصبى، وهو قلق يكاد يسحق الذات أو الأنا ومن أجل التخلص من هذا القلق العصبى وللحفاظ على كينونتها تقوم الأنا - الذات الإنسانية- بحيل دفاعية معينة والسلطة الأبوية سابقة الذكر أو الأنا العليا هى وريث عقدة أوديب، أى أن مجموعة القيم الصارمة التى تحرك الإنسان وتقهره وتلزمه هى وريث الرهبة من الخصاء - الأذى النفسي- فنجد فى حالة اهتزاز الصورة الأبوية وتخلخل المنظومة أن الأمر ينعكس على شكل العقدة ذاتها بالتالى على منظومة النفس فى تركيبها الكلاسيكى من الأنا العليا والأنا والهو، مما يؤدى الى اختلال الشكل وظهور تشوهات فى النموذج فنجد أن الابن يتجرأ على النموذج الأبوى السلطوى الممثل فى رئيس أبوى – لا يفتأ يذكر ذلك ويؤكد عليه فى كل خطاباته وأحاديثه المعلنة وأحيانا حتى أحاديثه الخاصة بل وفى سلوكه العام تجاه القرية - قريته والمحيطين به - يذكرنى ذلك بالموقف الشهير بين الرئيس السادات وأبو الفتوح عندما كان طالبا فى الجامعة وكان حينها رئيس لاتحاد الطلاب بتصعيد من الأمن للاسلاميين لضرب الناصريين بتوجيه من السادات - الأب نفسه-.

وبمناسبة حديثنا السابق فإن أبو الفتوح نفسه تحدث عن الأمر ولكن دون تفسير الأمر نفسيا بالطبع، علاقته بالثورة وارتباطه بالمرحلة ثم الانكسار فى نكسة يونيو 67 وذلك فى كتابه «شاهد على تاريخ الحركة الإسلامية فى مصر : من الجماعة الإسلامية إلى الإخوان المسلمين» وهو صادر فى سبعينيات القرن الماضي.
مع اختلال الشكل وضعف النموذج الأبوى وأيضا السعى وراء حل عقدة أوديب كان لابد من اسقاط الأب ولكن لأن عقدة الخصاء - الأذى النفسي- كانت تطارد دوما الابن فقد سعى لأب جديد، فكان تنظيم الإخوان ممثلا بالمرشد أو الأفكار القطبية وهو أمر لافت للذكر ولكن الأمر المهم ذكره هنا هو فكرة التمرد على الأب، فحتى بعد الانضمام تحت لواء الإخوان - الأب الجديد- نجد أن أبو الفتوح يرفض السلطة المطلقة ويصدر كتابه «مجددون لا مبررون» وهو الكتاب الذى يرفض فيه أبو الفتوح سيطرة قطب، وان كان لايستطيع على المستوى النفسى أن يتخلص من دور الأب المتسلط لقطب على المستوى النفسى تبعا لعقدة الخصاء على المستوى النفسى بالطبع، فتجد أن أبو الفتوح يرفض سلطة أفكار سيد قطب - الأب- العنيفة ويعارضها ولكن لصالح أفكار أكثر عنفا وأشد ضراوة.
هذا الرفض جاء فى اطار منظومة رفض الآباء المتعاقبين خصوصا عبد الناصر -الأب المنكسر المهزوم والسادات الأب الضعيف أو الأضعف على أقل تقدير- وحتى سيد قطب نفسه -الأب البديل فى رحلة الرهاب من عقدة الأذى النفسي- ومعارضته فكريا لمجرد اثبات الاعتراض و الرفض على المستوى النفسى كما سبق وذكرنا.

إذا تحدثنا عن عبد المنعم أبو الفتوح من ناحية ملامح الشخصية الخاصة به فسنجده يحمل العديد من الحيل الدفاعية لمواجهة الصراع الرهيب بين الأنا العليا – وريث عقدة أوديب – و«الهو» والذى يكاد يسحق الأنا، وهذه الحيل المستخدمة تحاول انقاذ الذات من الانسحاق فنجد الرجل فى حالة انكار – وهى حيلة دفاعية شهيرة – لكل صور العنف ومحاولة تبطينها وتأطيرها فى صورة أخلاقية، فالرجل الذى تحمل كتبه أشد آيات العنف المبطن وأحيانا المعلن ربما بشكل يفوق معلمه سيد قطب وأفردنا الحديث عن ذلك وأحد أبرز أعضاء مكتب الإرشاد والتنظيم الدولي، فى حين أنه يبدو للجميع فى شكل هادئ وديع متسامح مع كل الأطراف يمسك بمقاليد الأمور الخاصة باتحاد الأطباء العرب ولجنة الاغاثة تحديدا، وهى لجنة ظاهرها انسانى جدا ولكن هذه الانسانية لا ترى بالطبع سوى الأهل والعشيرة فى غزة أو المعتقلين الإخوان فى سجون النظام المباركي، ولا أريد الخوض فى حديث  تمويل أو خلافه وسأتركه ليثبت مع الوقت، ولكن تأكد أن لجنة الاغاثة هى الصندوق الأسود لجماعة الإخوان والتنظيم الدولى وأمين سرها وحامل مفاتيحها هو بالطبع عبد المنعم أبو الفتوح .. إذا فنحن هنا أمام نموذج مخيف للتلون واظهار عكس ما يضمر وهى أيضا حيله دفاعية ولكن عندما تتعلق بشخص يحمل هذا الكم من العنف وعدم الاتزان النفسى فالأمر جدا خطير، أعلق سريعا على موضوع التلون والمس انتخابات الرئاسة السابقة، فالرجل تحالف مع الوهابيين – السلفيين – وتحالف مع دعاة حقوق المثلية، أى منطق هذا الذى يجمع هؤلاء فى بوتقة واحدة – طبعا على المستوى السياسي، الأمر كان واضح ويصب فى اتجاه تفتييت الأصوات لصالح مرشح الإخوان الرسمى - مرسى -، على المستوى النفسى فان هذا التلون المرعب يحمل فى داخله بذور خطيرة، لا أقول لعنف ولكن وبصراحه شديدة لارهاب مخيف سيكون قائده وبعد سقوط الأقنعة وبشكل مباشر عبد المنعم أبو الفتوح، أعنف رجل فى جماعة الإخوان الارهابية، انتظروا أفكارا تحمل رائحة الدماء، تحمل توقيع أبو الفتوح المرشد -على الأقل الروحي- والمنقذ والمهدى المنتظر القادم للإخوان.