الجمعة 29 مارس 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
احمد باشا

وهم المدينة الفاضلة




كتب: د. مصطفى نوارج

يقول ابن عطاء الله السكندرى: ما قادك شىء مثل الوهم. نعيش فى بلدنا مصر هذه الأيام أزمات متعددة فى كل النواحى ولكن أود أن أقف أمام أزمة خطيرة جداً ولعلها الأكبر فى مصر الآن ألا وهى أزمة مؤيدى الشرعية هؤلاء الذين ذهبوا فى تأييدهم لشرعية الرئيس مرسى مذهباًَ وصل إلى حد تقديسهم تلك الشرعية التي زالت واقعًا وشرعًا، أما واقعًا فلإن صاحبها لم يعد يملك من أمر نفسه شيئاً فضلاً عن أن يملك تصريف أمور البلاد وتسيير شئون العباد، وإما شرعاً فلأننا تعلمنا فى الشرع أنه إذا اجتمع أهل الحل والعقد لعزل ولى الأمر وتولية غيره انعزل وانعقدت الولاية لمن ولوه، وهذا ما تم فى 3 يوليو فى مصر، كما تعلمنا أن من تغلب على ولاية الأمر بقوته وسطوته وانتزع ولاية الأمر من حاكم شرعى ولكنه أضعف منه بدليل فأنه لم يستطع أن يحافظ على سلطته فإنه لا داعى لمنازعته لأن ذلك سيجرنا إلى فتنة تآكل الأخضر واليابس، وهذا الرأى يجب على من يقولون إن ما حدث فى 3 يوليو هو انقلاب أن يلتزموا به.

إلا أننا إذا تأملنا عقليات وحللنا نفسيات من يقدسون هذه الشرعية الزائلة الميتة لنصل إلى السبب وراء هذا التقديس سنجد أن هناك وهمًا فى عقولهم وهاجسًا فى نفوسهم يسمى المدينة الفاضلة التى يعيش الناس فيها فى سلام وأمان وعفة وطهر ونقاء وتنسك وتعبد، وسيحقق الإسلام فى هذه المدينة لكل إنسان ما يحلم به ويعطيه كل ما يشتهى ويمنحه كل ما يتمنى وأن هذا الإسلام يحمله ويحمل معه أركان ومقومات المدينة الفاضلة، الجماعات الإسلامية من إخوان وسلفية وجماعة إسلامية وغيرها، وأنه بزوال هذه الجماعات قد ضاع حلم المدينة الفاضلة وبزوال كوادر هذه الجماعات وذهاب أقطابها وقادتها قد ذهب الأبرار والأطهار والأخيار فى هذا العالم، ولم يبق فى الكون إلا الأشرار المدنسون.

هذا اجتهاد شخصى فى توصيف حالة هؤلاء الشباب المتحمسين للشرعية.. هذا التحمس الذى قلما تراه فىتاريخ البشرية.

ولكن دورنا هنا أن نقول لهم رويداً أيها الشباب المتحمس فليس هناك أولاً شىء فى الدنيا اسمه المدينة الفاضلة التى لا تعرف إلا الطهر والصفاء والنقاء والجمال والحب والصدق..لأن الله خلق الكون وجعل من مكوناته الخير والشر والحق والباطل والكفر والإيمان والعدل والظلم وعلى هذا فطر الله دنيا الناس.

طبعت على كدر وأنت ترومها**صفوا من الأقذار والأكدار

ومكلف الأيام ضد طباعها**متطلب فى الماء جذوة نار

وثانياً والأهم أنه ليس هناك أشخاص مقدسون أو معصومون سوى الأنبياء، فكل يؤخذ منه ويرد سوى نبينا محمد صلى الله عليه وسلم.

وأخيراً فإن مكمن الداء لدى معظم هؤلاء الناس المقدسين للشرعية هو أنهم قدسوا الأشخاص وظنوا أن ما وعدوهم به مستغلين عواطفهم وحبهم للإسلام تارة وشوقهم للنعيم والتخلص من مصاعب الحياة أخرى، من أنهم سيحققون لهم حلم المدينة الفاضلة وأنه لا يملك تحقيق ذلك أحد غيرهم وقادوهم بهذا الوهم وهو الوعد بدولة أركانها العدالة والمساواة والمحبة والصدق إلى آخر ذلك من كل أنواع الفضائل الجميلة ولن يكون فى هذه الدولة شىء من الشر أو الأذى، ولذا فهم يستميتون من أجل الدفاع عن حلمهم الوردى الذى زين لهم.

فلله در ابن عطاء الله السكندرى عندما قال: ما قادك شئ مثل الوهم.

إمام وخطيب مسجد السيدة زينب