الخميس 25 أبريل 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أيمن عبد المجيد

لجنة الأشقياء تنتصر على الملك وسعد زغلول




طوال ستة شهور من فترة عمل لجنة الثلاثين لإعداد مشروع الدستور كان الملك فؤاد يتابع ويراقب حسب شهادة المؤرخ عبدالرحمن الرافعى انعقاد لجنة وضع الدستور متتبعا أعمالها ومداولاتها ناقما على ما اسماه انتقاص سلطة الملك مع أنه قبل إعلان الاستقلال لم يكن يملك سلطة ما بل كان سلطانا تحت الحماية.

كانت مسألة الأقليات والجدل الدائر حولها هى أخر ما يشغل بال الملك فؤادوكان كل ما يهمه ويشغل باله هو سلطاته كملك مستبد ومن الطريف أنه أثناء مناقشة الدستور كان يقول للخاصة من حاشيته إن أردتم هذا الدستور البلشفى عندئذ فأنا أطالب بجميع صلاحيات وامتيازات «لينين» «زعيم الثورة البلشفية» وحين قيل له أن هذا ليس دستورا بلشفيا بل ديمقراطية قال: عندئذ أطالب بجميع صلاحيات وامتيازات رئيس الولايات المتحدة الأمريكية.

وتناسى الملك فؤاد أو تجاهل أن الشعب هو الذى ينتخب الرئيس الأمريكى ولمدة محدودة فقط.

وفى أحد لقاءات الملك فؤاد مع دافيد كيللى المستشار بمقر المندوب السامى البريطانى قال له بصراحة ودون مواربة: إن المصريين لا يناسبهم الحكم البرلمانى ومصالح الإنجليز فى مصر استراتيجية فلم لا تتركوننى أحكم مصر كما أريد لأنى أعرف وأتقن هذه المهمة ولا تتدخلوا فى شئون مصر الداخلية وأنا مستعد أن أترك لكم جميع المصالح الاستراتيجية.

وقال الملك فؤاد بصراحة للمندوب السامى البريطانى «اللنبى»:
الدستور يعطى المصريين حريات كبيرة وأى دستور يصاغ تحت إشراف حكومة «ثروت» لا يمكن قبوله.
ويشير حسن باشا يوسف: عمل الملك فؤاد على إرجاء موافقته على كثير من المواد التى اقترحتها اللجنة فنشأ خلاف بينه وبين الوزارة أشارت إليه جريدة «الأهرام» فيما نشرته بتاريخ 8 أغسطس سنة 1922 ضمن مقالها الافتتاحى بعنوان «أوصولنا إلى الدستور لنرتاح» وجاء فى المقال أن الابطاء فى إصدار الدستور يسىء إلى الجميع دون استثناء أحد كبيرا كان أم صغيرا حاكما أم محكوما.
وقد أمر الملك بتعطيل «الأهرام» ولكن ثروت رئيس الوزراء رفض الاستجابة لهذا الأمر وسانده المندوب السامى اللورد اللنبى إذ اقترح حلا وسطا بوقف الجريدة ثلاثة أيام فقط.

ومن أطرف ما جرى فى تلك الأيام لتعطيل لجنة الدستور هو ما يرويه «إبراهيم الهلباوي» عضو لجنة الثلاثين فيقول:
فى ليلة من ليالى الانعقاد فوجئنا من نائب الرئيس المرحوم حشمت باشا أن من المصلحة أن تقف أعمالنا مدة الصيف لأن وقت الحرارة ليس صالحا للاستمرار على هذا العمل الدقيق فصحت فى وجهه وقلت:إننا لن نطلب إجازة وإذا كان كل الموظفين لهم الحق فى الراحة صيفا فيجب أن يستثنى عن ذلك عمال مطافئ الحريق والسكك الحديد والبريد ونحن هنا نؤدى عملا فى غاية الخطورة ويجب أن ننتهى منه فى أسرع وقت ممكن ومثلنا فى أدائه كمثل رجال الحريق عندما يكلفون بإطفاء نار شبت فى مكان ما.

ويضيف الهلباوي: ولقد علمت فيما بعد أن طلب الراحة كان عذرا للتسويف فى تحضير الدستور وإصداره ومن ناحية أخرى فهمت أن المشروع الذى وضع رأت فيه بعض السلطات سعة كبرى لا تتفق مع كفاءة الشعب المصرى فاختيرت هذه العطلة لتكون طرفا لمناقشة بعض أعضاء اللجنة لعلهم يتحولون عن الآراء التى كانت وضعت قواعد الدستور.

ذهبت معارضتى سدى وأخذنا إجازة رغم أنوفنا!
اشتدت الصحف الوفدية وبعض الصحف المستقلة فى الهجوم على لجنة الدستور وهى التى أطلق عليها سعد زغلول وصف «لجنة الأشقياء» ورغم ذلك يعترف د.محمد حسين هيكل باشا قائلا: أشهد أنه كان لهذه المعارضة بعض النفع خلال سير اللجنة فى عملها فقد كانت حجة بعض الأعضاء فى التمسك برأيه أن المعارضة تناصره لكن هذه المعارضة كثيرا ما جنحت إلى المغالاة وإلى الاستناد على أمور غير صحيحة لتنال من اللجنة فى عملها ولم تزعج هذه المعارضة ذات الهوى أحدا من أعضاء اللجنة الذين آلوا على أنفسهم أن يتابعوا عملهم فى غير هوادة ليبلغوا به غايته فى أسرع وقت ومن غير مهل ولا إبطاء!
وفى 21 أغسطس سنة 1922 يدلى رئيس الوزراء عبدالخالق ثروت باشا بحديث لصحيفة «الماتان» الفرنسية وسأله المحرر: متي تجهز البلاد بدستور؟! لأن البعض يقول إن الوزارة لا تجد فى التعجيل بإصدار الدستور؟!

ويقول المحرر إن ثروت باشا هز كتفيه وقال: ليس أبعد عن الصحة من هذا القول ولا يخفى عليك مقدار صعوبة الحالة التى تجتازها حكومة ما، ولاسيما فى أوقات الانتقال إذا لم يكن فى البلد برلمان يؤيدها فمن مصلحة وزارتنا إذن أن تعجل فى إصدار الدستور وفى استطاعتى أن أؤكد لكم أن اللجنة التى ألفت لوضع الدستور تُبدى أعظم نشاط!
وعندما سأله المحرر: متى يمكن أن يفتح البرلمان؟! قال: إننى آمل أن يتوج العام المقبل ببرلماننا.

وكان ثروت باشا صادقا كل الصدق فى إجابته بشهادة كل من عاصروا تلك المرحلة وكان قد بدأ يفكر فى إيجاد مكان لائق بالبرلمان حسب ما يقول المؤرخ «أحمد شفيق باشا» فتقرر تشييد بناء خاص فى حديقة وزارة الأشغال العمومية المتسعة وأعلنت الحكومة مسابقة بين أهل الفن وخصصت مكافأة لمن يضع أحسن رسم لهذا البناء وفى يوم 30 أغسطس سنة 1922 ضُرب أول معول فى هذا المكان واحتفل بوضع الأساس.
وبعد ستة شهور انتهت لجنة الثلاثين من كتابة وإعداد الدستور وذهبت اللجنة إلى الإسكندرية يوم 21 أكتوبر 1922 وقدمت مشروع الدستور إلى رئيس الحكومة عبدالخالق ثروت باشا واللافت للانتباه أن جميع أعضاء اللجنة قاموا بالتوقيع على المشروع.

ورغم أن المؤرخ عبدالرحمن الرافعى كان قد رفض قبول عضوية لجنة الثلاثين لأنها لجنة غير منتخبة بل حكومية فقد كان من الشجاعة والجرأة والصدق مع النفس والضمير بأن يعترف قائلا: أتمت اللجنة مهمتها ووضعت الدستور ومن الحق أن نقول إنه فى مجموعة من خير الدساتير وقد وضع على أحدث المبادئ العصرية.

وبعد نحو أسبوع فوجئت مصر فى 29 أكتوبر 1922 بتشكيل حزب «الأحرار الدستوريين» وقد ضم بين أعضائه لجنة الثلاثين وجاء فى برنامجه «تأييد النظام الدستورى والمحافظة على سلطة الأمة وحقوق العرش»
وأصدر الوفد بيانا يهاجم الحزب الجديد ورئيسه عدلى يكن باشا ويصحو الناس يوم 29 نوفمبر 1922 على استقالة «عبدالخالق ثروث باشا» التى قبلها الملك «فؤاد» فى اليوم نفسه، ولم يذكر «ثروت باشا» الأسباب التى دعته للاستقالة، لكن المؤكد أن مشروع الدستور كان جاهزًا للصدور فقد قدمه بالفعل إلى الملك الذى لم يكن يميل إلى إصداره لأنه ينقص من سلطاته ويجعل الحكم مرجعه إلى الشعب! بل إنه يعترف «لعدلى يكن» باشا رئيس الأحرار الدستوريين بعدم رضائه عن هذا الدستور.

وفى اليوم التالى يعهد الملك إلى «محمد توفيق نسيم باشا» بتشكيل الوزارة وكان المعروف عنه ايمانه الشديد بأن الدستور منحة من الملك وليس حقاً من حقوق الأمة، وهكذا قام «نسيم باشا» بتعديل الكثير من النصوص وأهمها المادة القائلة بأن «جميع السلطات مصدرها الأمة».
لم تمكث حكومة «نسيم باشا» سوى حوالى شهرين فقد استقالت فى الخامس من فبراير سنة 1923، وحاول الملك إثناءه عن استقالته فلم يوفق، وبينما كانت صحف الوفد تهاجمه وتنتقده فوجئ «نسيم باشا» يوم 12 فبراير بوصول برقية من سعد زغلول يحييه فيها قائلا: إنكم بعملكم الشريف المفعم بالوطنية والحكمة استحققتم تقدير الوطن فأهنئكم على ذلك وأهنئ زملاءكم الكرام».

وسكتت صحافة الوفد تماما، فهى نفسها التى نشرت بيانات «الوفد المصرى» وجاء فيها أن الأمة لا يمكن أن ترضى مطلقا عن وزارة لم تحقق شيئاً من مطالبها مهما قيل عن حسن نيتها وسلامة طويتها.

وظلت مصر بغير حكومة حوالى شهر إلى أن تشكلت وزارة «يحيى باشا إبراهيم» فى 15 مارس سنة 1923، وفى اليوم التالى وجه «عبد العزيز فهمى» باشا عضو لجنة الدستور خطاباً مهما لرئيس الوزراء انتقد فيه التعديلات التى اجريت على مشروع الدستور واختتم خطابه بالقول: إما أن يصدر الدستور كما قررته اللجنة، وأما أن تعتزلوا مراكزكم، فذلك هو الأصلح لبلادكم ومليككم والأليق بكرامتكم والأشرف لأنفسكم والسلام».

وأجرت صحيفة الأهرام فى 16 مارس حديثا مع «رئيس الوزراء» يحيى إبراهيم باشا كان أهم ما فيه هو قوله: «إما أنا سنعجل باصدار الدستور فذلك صحيح لأن اصداره من رءوس الأعمال التى وضعناها نصب أعيننا حتى تنتخب الأمة نوابها وتصل إلى البرلمان الذى تجتمع فيه كلمة الأمة وسلطتها». وسنعيد النظر فى الدستور من جديد واضعين نصب عيوننا رغبة الأمة».

وأخيراً يصدر الدستور فى 19 أبريل سنة 1924 بأمر ملكى، ثم صدر قانون الانتخاب فى نهاية الشهر، وصرح سعد زغلول الذى كان موجودا فى مدينة إكس ليبان لصحيفة «ديلى نيوز» الانجليزية قائلا: لا أريد أن اعرب عن موافقتى على الدستور نهائيا قبل أن أقف على الحقائق، فإذا لم يكن ثمة أساس للقلق من هذه الوجهة فإن المشروع لا يكون سيئاً إلى درجة كبيرة وقال أيضا: لست زعيما لحزب ولست إلا متكلما باسم الأمة.

ويغادر «سعد زغلول» منفاه ويصل إلى أرض الوطن وتقام له حفلات استقبال اسطورية يصفها «هيكل» باشا بالقول «أحيط سعد بعد عودته بهالة من جلال امتزج فيها الخيال بالواقع، وارتفعت باسم «سعد» إلى مستوى الأساطير. فكل من يخالفه أو يخرج عليه ليس خائناً لوطنه وكفى بل هو كافر يجب عليه أن تطلق منه امرأته ويجب أن يحرم من حماية القانون».

وفى يوم 19 سبتمبر سنة 1924 كانت أولى خطب «سعد زغلول» إلى الأمة وفيها تحدث عن الوحدة الوطنية وتحدث عن الأقباط فقال:
«يقول خصومنا إننا حماة الأقلية فيكم، لأنكم قوم متعصبون فلابد أن نبقى بينكم لحفظ العدل فيكم!! هذه الحجة سقطت باتحادكم ولكنهم الآن انتهزوا فرصة الانتخاب ليثبتوا الانقسام فيكم فاحذروا هذه الدسيسة واعلموا أنه ليس هناك أقباط ومسلمون ليس هناك إلا مصريون فقط، ومن يسمونهم اقباطا كانوا ولا يزالون انصاراً لهذه النهضة - ثورة 1919 - وقد ضحوا كما ضحيتم وعملوا كما عملتم، وبينهم أفاضل كثيرون يمكن الاعتماد عليهم، فأحثوا التراب فى وجوه أولئك الدساسين الذين يفرقون بين مصريين ومصريين، إنه لا امتياز لواحد على آخر إلا بالاخلاص والكفاءة فيهم اجسامنا وفيهم من هم أفضل من كثير منا.

أقول هذا لأنى أقول الحق ويجب على زعيمكم أن يقول الحق، لقد برهنوا فى مواطن كثيرة على اخلاص شديد وكفاءة نادرة وافتخر انا الذى شرفتمونى بدعوتى زعيمكم بأنى اعتمد على كثير منهم فكلمتى ووصيتى أن تحافظوا على هذا الاتحاد المقدس وأن تعرفوا أن خصومكم يتميزون غيظا كلما وجدوا هذا الاتحاد متينا فيكم».

والتهبت الأيدى بالتصفيق المتواصل ومضى «سعد زغلول» يقول:
ولولا وطنية فى الأقباط واخلاص شديد لتقبلوا دعوة الأجنبى لحمايتهم وكانوا يفوزون بالجاه والمناصب بدل النفى والسجن والاعتقال ولكنهم فضلوا أن يكونوا مصريين معذبين محرومين من المناصب والجاه والمصالح يسامون الحيف ويذوقون الموت والظلم على أن يكونوا محميين باعدائهم أعدائكم هذه المزية يجب أن نحفظها وأن نبقيها دائما فى صدورنا وإنى افتخر كل الافتحار كلما رأيتكم متساندين، فحافظوا على اتحادكم».

وبعد أيام من ذلك الخطاب وسط الجماهير زار «سعد زغلول» دار البطريركية القبطية وكان ذلك يوم 23 سبتمبر 1923 وألقى كلمة جاء فيها: إن الاتحاد أساس نجاحنا وعماد مستقبلنا، ولا فرق مطلقا بين مصرى ومصرى، ويسرنى أن تكون مقاعد البرلمان مملوءة بالأكفاء سواء كانوا مسلمين أو أقباطاً.

ابتدأ عام 1924 والناس لا يشغلهم إلا أمر الانتخابات وقرب ابتداء العهد النيابى فى مصر ودخول البلاد فى عصر يتولى فيه مندوب الأمة أمر التشريع ومراقبة الحكم، ويقوم بالسلطة فيها حكومة حائزة لثقة الأغلبية من رجال الأمة كما هى حائزة لثقة مليك البلاد، كانت البلاد تتلهف إلى النظام الدستورى وكل فريق من احزابها يسعى جهده ليفوز بالاغلبية أو على الأقل بأكثر عدد ممكن من مقاعد النيابة تطاحن المرشحون بالخطب والأقلام وامتلأت الصحف بوصف الحفلات الانتخابية.

هكذا وصف «أحمد شفيق باشا» أحوال مصر قبل انتخابات البرلمان، وكان «سعد زغلول» مشغولا بالترشيحات لانتخاب أول برلمان مصرى بعد الاحتلال البريطانى لمصر وكان من أكثر الأشياء التى شغلته أنه خشى أن يسقط عدد من الوفديين الأقباط فى دوائر كل الناخبين فيها من المسلمين وبذلك يقضى على أعظم نجاح له وهو توحيد عنصرى الأمة، ويعطى حجة لخصوم الثورة الذين كانوا يطالبون بتخصيص نسبة فى البرلمان للأقباط تساوى نسبتهم من عدد السكان، وبذلك نرقص على الموسيقى التى يعزفها الاستعمار البريطانى باستمرار وهى انه يحتل مصر للمحافظة على الاقليات وفى مقدمتهم الاقباط من تعصب المسلمين».

وانتهت الانتخابات بفوز ساحق «للوفد» وحصل على تسعين فى المائة من مقاعد البرلمان وفشل كل مشاهير السياسة من خصوم «سعد زغلول» بل فشل رئيس الوزراء نفسه «يحيى إبراهيم باشا» الذى أجرى هذه الانتخابات مما يدل على نزاهتها المطلقة.
وكان عدد الأقباط الذين نجحوا فى البرلمان 16 عضوا وكلهم من الوفديين بنسبة 8٪ وعهد «الملك فؤاد» إلى سعد زغلول بتشكيل الوزارة ورد سعد زغلول بالموافقة.

ولم يكن تشكيل الوزارة بالأمر السهل أو الهين ويروى الأستاذ «مصطفى أمين» أن «سعد زغلول» عندما عرض قائمة الوزراء على الملك «فؤاد» تأمل القائمة وقال:
يوجد خطأ فى أسماء الوزراء أن التقاليد أن يكون عدد الوزراء عشرة بينهم وزير قبطى واحد، إن النسبة هى واحدة من الأقباط لكل تسعة من المسلمين!
فقال له سعد زغلول: هذه ليست وزارة تقاليد.. إنها وزارة ثورة.. عندما كان الانجليز يطلقون علينا النار فى الثورة لم يراعوا النسبة بين الأقباط والمسلمين، وعندما نفانا الانجليز إلى «سيشل» نفوا اربعة من المسلمين واثنين من الأقباط ولم يراعوا النسبة، فكيف نراعى اليوم هذه النسبة فى اختيار الوزراة؟
وهز الملك فؤاد رأسه واضطر أن يوقع مرسوم الوزارة بتعيين اثنين من الأقباط وثمانية من المسلمين وكان الوزيران هما: «مرقس حنا بك»، واصف بطرس غالى أفندى».

ثم جاءت انتخابات مجلس الشيوخ فى 23 فبراير 1923 وحسب الدستور يقوم الملك بتعيين خُمس الأعضاء ويتم انتخاب الثلاثة أخماس الباقية وكان العدد الكلى لاعضاء مجلس الشيوخ 119 منهم ستة من القبط.

وقبل افتتاح الدورة البرلمانية طلب سعد زغلول من البطريرك «كيرلس الخامس» أن يختار من ينوب عنه كعضو فى مجلس الشيوخ، فوقع اختياره على «الأنبا لوكاس» مطران قنا، كذلك طلب إليه أن يباركه ويبارك وزارته.

وكان «سعد زغلول» ماثلا فى ذاكرته موقف البابا كيرلس الخامس عندما زاره اللورد «اللنبى» المندوب السامى البريطانى ليطلب منه وضع الكنيسة تحت الحماية البريطانية وتقديم معونات مالية للمدارس القبطية، فنهره البابا قائلاً:
يا ولدى إن الأقباط والمسلمين منذ أقدم العصور يعيشون جنبا إلى جنب ففى البيت الواحد يتعايشون معا، وفى المصلحة الواحدة يجلسون إلى مكاتب مشتركة، وفى غرفة واحدة يأكلون من أرض طيبة واحدة ويشربون من نيل واحد، ويتلاحمون فى كل ظروف الحياة فى السراء معا وفى الضراء معا، ولن يستطيعوا أن يستغنوا عن بعض، ولن نطلب حماية نحن الأقباط إلا من الله وعرش مصر».

وخجل المندوب السامى البريطانى مما سمعه، وانصرف ليبلغ حكومته بما سمع!!
أمس واليوم وغداً الدين لله والوطن للجميع.

«تمت»